لم استغرب من كلام السيد مقتدى الصدر عندما اعلن اعتزاله السياسي بان من يحكم البلاد هم من خارج العراق، لان ما حصل من الخراب والدمار والقتل والعنف والارهاب والطائفية خلال عقد كامل من فترة العهد الجديد كاف للبرهان بان ادارة الحكم في بغداد تقاد من قبل مجموعة سياسية طائفية لا تتسم بوطنية عراقية، وما يحدث في البلد الملعون بمقولة quot;ارض النفاق والشقاقquot; لم بخدم غير بلد واحد مجاور للعراق من جانب الشرق، وحتى زوال النظام السابق من قبل الولايات المتحدة الامريكية بالرغم من تحرر العراقيين من الاستبداد والطغيان الا انه في نفس الوقت كان بمثابة هدية طبق جاهز من ذهب لايران.
واليوم وبعد دخول العراق في ازمات سياسية وامنية واجتماعية واقتصادية ومشكلات خدمية وصحية كثيرة، فان الانجاز الاقتصادي الوحيد الذي يتسم به العهد الجديد هو تحقيق مكسبان كبيران يعتبران علامة فارقة في تاريخ البلاد، وهما اولا الغاء نسبة كبيرة من الديون التي كانت مترتبة على العراق في ظل السياسات الكارثية للنظام السابق، وثانيا تحقيق موارد مالية هائلة من واردات النفط لم يحلم به اي رئيس او ملك او سلطان في السابق وتشير التقارير المالية ان العراق حصل على اكثر من 700 سبعمائة مليار دولار امريكي خلال عشر السنوات الماضية، ولكن بسبب الفساد الرهيب للسلطة الحاكمة فان نسبة كبيرة من هذه الواردات العامة وهي ملك للشعب تذهب في جيوب الحكام والمسؤولين في الحكومة والاحزاب.
ويأتي السيد نوري المالكي رئيس الوزراء على رأس المستفيدين من تلك الواردات المالية الضخمة بحكم استمراره لرئاستين متتاليتين وبحكم اشرافه ومسؤوليته المباشرة على اجهزة مجلس الوزراء والوزارات والاجهزة الامنية والعسكرية، ويقدر ما يتصرف به المالكي شخصيا بـأربعين مليار دولار كل سنة من ميزانيات وزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني والاجهزة الامنية والعسكرية والمخابراتية، ولحد الان لم يجري مجلس النواب اي مساءلة برلمانية للمالكي بالرغم من اختراقاته الكثيرة للدستور والقانون، وتتصف فترة الولايتين (ثمان سنوات) بانها سجل اسود في تاريخ العراق الجديد بسبب الانفراد بالحكم والطائفية المقيتة التي تتصف بها ادارة الحكومة من قبل رئيسها.
وبسبب السجل الاسود في ادارة حكم العراق وتواصل صفحاته من حق العراقيين ان يسألوا لماذا لا يمكن استجواب رئيس الحكومة برلمانيا، ولماذا لا يتجرأ اي مجموعة سياسية لتقديمه الى المحاكم العراقية بسبب الحاقه ضررا جسيما بالعراقيين وبسبب المكر السياسي الجديد وهو فرض الحصار الاقتصادي على الشعب الكردستانى؟، ولو عرضنا فترة حكم المالكي بحيادية وموضوعية، لوجدنا ان السيد المنفرد بالحكم بغياب رئيس البلاد وتحجيم دور البرلمان لم يفعل غير الآتي في فترة حكمه: (1) زيادة الهجمات والعمليات الارهابية وارتفاع وزيادة معدلات القتل الطائفي اليومي والاسبوعي والشهري والسنوي في بغداد وبعض المحافظات، (2) محاربة االاحزاب والقوى السنية وقياداتها بشتى الحجج الواهية لتثبيت اركان حكم حزب الدعوة وبعض الجهات المتحالفة معه، (3) استباحة ونهب اموال الشعب والدولة بفساد رهيب لا نظير له في العالم عدى الصومال واحتلال العراق لذيل قائمة منظمة الشفافية الدولية لسنوات عديدة خير دليل على ذلك، ومع الاقرار بان الفساد بنسبة 83% لدى السلطات الحاكمة في العراق وبنسبة 17% لدى سلطات اقليم كردستان، (4) الانفراد بالحكم والسيطرة على الوزارات والاجهزة والمؤسسات الامنية والتصرف المباشر بما لايقل عن 30-40 مليار دولار كل سنة باسم الجهد العسكري والامني المخصص لمحاربة الارهاب، (5) تأزيم وتعطيل العلاقات بين حكومة بغداد المركزية وحكومة اربيل بحجج غير دستورية لغايات واسباب سياسية وطائفية ودعائية، (7) خرق الدستور الدائم من خلال استهداف الشعب والمدنيين باستخدام الجيش والقوات المسلحة في حسم الخلافات السياسية الداخلية واحتلال المدن مثل ما يحصل مع الشعب الانباري في الرمادي والفلوجة، (8) محاربة التوجهات الشعبية والسلمية لتأسيس واقامة الاقاليم في المحافظات السنية وفي بعض المحافظات الجنوبية التي تتسم بغالبية شيعية، (9) اتخاذ اجراءات قمعية وغير اخلاقية لتجويع الشعب الكردستاني من خلال فرض الحصار الاقتصادي عليه وذلك من خلال قطع الاستحقاقات المالية الشهرية عن موظفي الاقليم، (10) نهب وتبديد اكثر من 600-700 مليار دولار خلال سنوات حكم السيد المالكي المشؤومة وحتى الزعامات والمراجع الشيعية قد نبهت الى ذلك مرارا كثيرا، (11)، التفريط بالسيادة الوطنية والسماح بالتدخلات الايرانية في الشؤون العراقية وتمرير اتفاقية الجزائر المشؤومة لصالح النظام في طهران والسماح له باستخراج النفط من الحقول المشتركة الواقعة على الحدود بين العراق وايران، (12) دعم نظام طاغية دمشق وتقديم العون المادي والعسكري له ضد ثورة الشعب السوري والدخول في الصراعات الطائفية.
لذا وبعد هذا السرد من حقنا ان نسأل لماذا لا يقوم مجلس النواب باستجواب رئيس الحكومة برغم السجل الاسود الذي يتصف به فترة حكمه وبالرغم من الطلب المتأخر للمجلس في هذا السياق، وان كان الاستجواب عسيرا بسبب الغياب المتقصد لدور البرلمان فلماذا لا تشكل مجموعة نيابية لتقديمه الى المحاكم العراقية ومنها المحكمة الفيدرالية؟
وهنا لابد من التنويه انه على القوى البرلمانية والسياسية اتخاذ خطوات عملية لقطع الطريق من امام رئيس الحكومة للترشح لولاية ثالثة بالرغم من صدور قانون من مجلس النواب لمنع ذلك، لغرض ضمان الاجواء لاختيار شخصيات مؤهلة في الانتخابات البرلمانية المقبلة تكون قادرة على خدمة كل العراقيين وقادرة على تصحيح مسار العملية السياسية لاعادة التوازن اليها لمراعاة مصالح ومطالب كل الاطراف لضمان ادراة موفقة وموزونة لنظام الحكم، والا فان ما قاله السيد الصدر سيبقى ساري النفاذ وسيبقى البلاد لولاية ثالثة محكوما من قبل أناس من خارج الحدود.
وفي الختام وما دعوانا من رب العالمين الا السلامة والامان لكل العراقيين، والاعمار والبناء لكل البلاد والازدهار والتقدم لاقليم كردستان.

كاتب صحفي من كردستان العراق
[email protected]