إذا أردنا تلخيص زيارة أوباما للمملكة العربية السعودية في عناوين قصيرة، قلنا: تطمينات غير مطمئنة.. ومكاشفة بلا حرج. ما بين الزيارة الأولي عام 2009 والثانية عام 2014 جرت مياه كثيرة خلخلت فكرة أن السعودية هي الحليف العربي ndash; الإسلامي الأوثق لواشنطن في المنطقة سياسيا واقتصاديا، بداية من خلع الرئيس مبارك ndash; علي غير رغبة السعودية ndash; ودعم أوباما للإخوان المسلمين، ثم إمتناعه عن فرض (خطه الأحمر) مع انتهاكات أسد سوريا، بالإضافة إلي الاتفاق المؤقت بشأن النووي الإيراني والشلل التام لعملية السلام الفلسطيني ndash; الإسرائيلي.
طبيعي أن تستدعي هذه المتغيرات الجديدة (وغيرها) قلق السعودية خاصة وأنها تشكل ndash; في العمق - تهديدا اوجودها، فالدولة القومية حسب نظرية quot; الواقعية الجديدة quot; عند (كينيث والتز) تسعي اساسا لحماية أمنها والحفاظ علي بقائها لا إلي تعظيم حجم قوتها ونفوذها، أما ما يقلقها فهو مدي الاختلال والتفاوت في توزيع القدرات داخل هيكل النظام الدولي والإقليمي، لأن الدول القومية - كما يقول والتز - لا تثق في بعضها البعض ولا يمكن لها ان تعرف (نيات الدول الأخري)، وللأسف الشديد أدت السياسات الخاطئة والمترددة إلي حد التناقض للولايات المتحدة ndash; وعدم تشاورها ndash; إلي غضب معظم الخلفاء التقليديين في المنطقة، بالتزامن مع (طموحات) إيران الإقليمية!
صحيح أنه لا توجد ndash; في الظاهر - خلافات حول الأهداف الكبري بين السعودية والولايات المتحدة وإنما فقط كانت هناك وجهات نظر متباينة بحكم اختلاف الموقع والخبرة بديموغرافية المنطقة حول (الوسائل) المستخدمة لتحقيق هذه الأهداف، وتتمثل هذه الأهداف في :
1 ndash; انهاء الأزمة السورية.
2- الحيلولة دون امتلاك إيران للسلاح النووي.
3- تسوية سلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وصحيح أيضا أن الولايات المتحدة هي الشريك الاستراتيجي الأول ndash; الذي لا بديل عنه - للسعودية، وحسب الكاتب الأمريكي quot; ديفيد أغناتيوس quot; : quot; فإن أوباما لم يفرط في تحالفاته مع دول الخليج بل سيزيدها قوة ومتانة، حيث توجد في الخليج أكبر قاعدة جوية أمريكية، كما أن التعاون وثيق بين الأجهزة الأمنية الأمريكية ndash; الخليجية، ورصيد كبير من المصالح الاستراتيجية المشتركةquot;.
لكن دون أن تفكيك ارتباط (إيران النووية) مع أذرعها المختلفة (نظام الأسد) و(حزب الله) و(حماس) وتوابعها في العراق والخليج، أو عدم امتلاك السعودية للسلاح النووي ndash; وهو ما لم توافق عليه أمريكا منذ العام 2003 حين أعترضت علي نقل المعرفة (والتكنولوجيا النووية) الباكستانية إلي السعودية ndash; لن تجدي التطمينات اللفظية نفعا ولن تعود العلاقات إلي سابق عهدها.
لم يفهم أوباما ndash; ولا معظم السياسيين الأمريكيين هنا في واشنطن ndash; دلالة سحب السعودية وغيرها من دول الخليج السفراء من دويلة قطر، وهو أمر يتعلق بإختلاف الثقافة والأنثروبولوجيا بين الشرق والغرب، حيث تسود مفاهيم العائلة والأسرة الواحدة في الخليج العربي، ومن ثم فإن سحب السفراء يعادل المفهوم الأمريكي المعاصر quot; للدولة المارقة quot; وليس مجرد التعبير عن quot; أزمة quot; في العلاقات بين الدول القومية الحديثة!..
أما quot; المكاشفة بلا حرج quot;.. ربما كانت هي الأولي منذ عام 1933 ndash; بداية تأسيس العلاقات الاستراتيجية الأمريكية السعودية ndash; لماذا؟
لم تتحول سياسة الولايات المتحدة من quot; الشرق الأوسط quot; الخطأ إلي quot; الشرق الأقصي quot; الصحيح حيث توجد (الصين) و(الهند) و(اليابان) (بدءا من العام 2008 والذي تزامن مع نجاح الرئيس أوباما) إلا بعد أن أطمأنت إلي احتياجاتها من الطاقة (الغاز الصخري والنفط) ndash; علي المدي الطويل ndash; حيث حدثت (طفرة) في النفط الخام في الولايات المتحدة بين عامي 2008 - 2013 وارتفع إنتاج النفط المحلي بمقدار 2.5 مليون برميل يوميا - وهي أكبر زيادة منذ خمس سنوات في تاريخ البلاد. ويكفي أن نعرف أنه في العام الماضي 2013، أنتجت الولايات المتحدة أكثر مما تسورد من النفط للمرة الأولى منذ عام 1995.
صحيح أن السعودية تملك 25% من اجمالي احتياط النفط في العالم لكنه لم يعد (ورقة ضغط) تصلح للاستخدام اليوم، سواء quot; ضد quot; أو quot; مع quot; الولايات المتحدة. العام 1973 ليس هو العام 2014 كما أن العام 1984 ليس هو العام 2014. وأشير هنا إلي مفارقة تاريخية حيث طلب الرئيس الأمريكي الأسبق quot; رونالد ريغان quot; من الحليف الأكبر quot; السعودية quot; خفض سعر النفط للتأثير علي الاتحاد السوفييتي السابق، بينما لم يجرؤ الرئيس الأمريكي أوباما علي هذا الطلب في زيارته الأخيرة للسعودية للضغط علي روسيا quot; بوتين quot;، وما أدراك بالتفاهمات الجديدة بين الأمير بندر والقيصر بوتين والمشير السيسي؟!
- آخر تحديث :
التعليقات