&لم يكن ينقص المحادثات التي أجراها رئيس الدبّلوماسية الأميركية جون كيري في بيروت سوى تتويجها بلقاء الأمين العام "لحزب الله" حسن نصرالله، ربّما فكَّر الرجل في الأمر، ولكنَّه عَدَلَ عنه في اللحظات الأخيرة؛ لأنَّ موعد التسوية النهائية لم يحن بعد.

على أنَّ وقع ما جاء في ختام محادثات كيري في العاصمة اللبنانية، لم يكن أقل وطأةً من لقائه نصرالله، فيما لو حصل، فصاحب الشعر الأبيض قال كلاماً انتظره "حزب الله" ومن خلفه إيران عقوداً طويلة.

بالفم الملآن، ودونما حرج، أو مراعاة لحلفائه في "بلاد الأرز" والمنطقة، دعا كيري "حزب الله" وإيران وروسيا للعمل على وضع حد للحرب الدائرة في سوريا. بضع كلمات كانت كفيلة بالاعتراف رسمياً بدور الحزب كلاعب إقليمي لا يمكن تجاوزه.

لا شكّ، أن الكلام الذي قيل على ملعب "حزب الله" يشكل دفعة بسيطة من حساب أكبر وأشمل بين أميركا وإيران اللتين قررتا تجاوز "خصومات" الماضي وفتح صفحة جديدة على أسس جديدة.

واشنطن المرهقة من حربي أفغانستان والعراق، تبحث منذ مدّة، وتحديداً بعيد وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، عن جهة تستطيع "إعانتها" في تسيير شؤون المنطقة دون إحداث صخب كبير، ومَن أفضل من إيران للعب هذا الدور؟ وهي التي عرفت مِن أين تؤكل الكتف في الحرب الأولى (أفغانستان) وكذلك فعلت في الثانية (العراق).

طهران وعلى عكس محور "الاعتدال" أو "الاعتلال" العربي، أحسنت استغلال أوراقها النووية والعسكريّة والأمنيّة والاستخباراتيّة وحتى الإرهابيّة في أكثر من ساحة ومن دون أيّ مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، لا بل دائماً عبر المواجهات غير المباشرة أو ما يعرف بـالحرب بالوكالة.

أميركا من جهتها أخذت هذه المعطيات على محمل الجد، وهو ما دفعها للعمل على تطويع قدرات إيران المتنوعة بما يخدم مصالحها في إطار اتفاق يراعي مصالح إسرائيل وحدها دون سواها.

على المقلب الآخر، لا يحتاج المرء أن يبذل جهدا كبيرا ليدرك أنّ حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة لا يستطيعون ولا يطمحون بخلاف طهران، لتغيير شيء في المعادلات القائمة؛ لذلك لا تلقي واشنطن بالا لانزعاجهم أو امتعاضهم على تقارب هناك أو تنسيق هناك، طالما أن انزعاجهم ينحصر تارة في ترك كرسيّ في مجلس الأمن، وطوراً في الحديث عن التوجه شرقاً نحو الصين، وهي تحركات لا تسمن ولا تغني من جوع.

يعلم هؤلاء تماماً أنّ أميركا لا تقيم وزناً للخطابات والبيانات والعنتريات الفارغة في مجالس بندر وإخوانه، في حين تأخذ على محمل الجد تهديدات الجمهورية الإسلامية تارة بإغلاق مضيق هرمز، وطوراً بإشعال جبهة جنوب لبنان، وثالثة بإثارة القلاقل والفتن في العراق واليمن وغيرها من البلدان التي بات لها اليد الطولى فيها.

وفوق هذا وذاك تقف الولايات المتحدة ملياً أمام الأزمة السورية، ودور طهران المؤثر فيها، بعدما رمت الأخيرة بثقلها لمساندة "نظام الأسد" بالسلاح والعتاد والمال، كما تراقب عن كثب مَن تمكن من قلب الموازين العسكرية على الأرض، أيّ "حزب الله"، في وقت وقفت فيه الدول العربية والخليجية موقف المتفرج الذي لا حول له ولا قوّة.

من هنا تنبع أهمية تصريحات كيري في بيروت، فهي تشي بأن التسوية بين إيران وأميركا والتي تتمحور بالدرجة الأولى حول الاعتراف بدور إيران في المنطقة، إلى جانب التسليم بنفوذها الكلي والنهائي في العراق ولبنان، باتت قاب قوسين أو أدنى.

ولكنّ ما كان لافتا في هذا الإطار موقف حلفاء الولايات المتحدة الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء إصدار بيان يستنكر أو يشجب تصريحات رئيس الدبلوماسية الأميركية، وكأن القطار فاتهم ولم يعد باستطاعتهم فعل شيء يساعدهم على حفظ ماء الوجه بعد عقود طويلة من التعاون مع أميركا، تعاون لم يرق يوما إلى مرتبة الشراكة بل بقي دوما في إطار التبعية.

وإلى أن تشهر واشنطن بطاقتها الحمراء في وجه حلفائها "السابقين"، ستبقى العين شاخصة على لقاء (سيحدث بالفعل هذه المرة) يجمع كيري وسيده (أوباما) بنصرالله وسيده (الخامنئي) في طهران أو بغداد أو دمشق أو بيروت وربما صنعاء لا فرق، فجميع الساحات ستكون يومذاك ساحات "الشيطانين" الأكبر والأصغر.

&

صحافي لبناني

&