يذهب البعض إلى تقزيم المشكلة العراقية في إدارة الحكم إلى شخصنتها وتبعية كل التداعيات إلى شخص المالكي وبضعة أفراد من وعاظ السلاطين، أو كماشة المنقل كما يقولون من شخصيات كارتونية معدة للشتائم والسباب والاتهامات الباطلة، مع مجموعة مواقع وصحف ببغائية تكيل المديح للمختار قائد المرحلة نوري المالكي، وتفبرك البطولات والانجازات الوهمية والأكاذيب المحقونة بالحقد والكراهية لكل من يعارضهم توجهاتهم الشمولية لأدلجة مؤسسات الدولة وإفراغها من مضامينها التي اتفق على ديمقراطيتها، وبذلك يتم الابتعاد عن أساس الإشكالية بينهم وبين كوردستان وغيرها ممن لا يتوافقون وأسلوبهم في إدارة الحكم وثقافته ونمط الآليات المستخدمة في ممارسته، فيذهبون للبحث عن شخص آخر يستبدلونه بالمالكي، الذي يهيئون له موقعا ضمن ذات الثقافة الشمولية في الحكم، وقد تم تداول أسماء كثيرة من المجال الحيوي لحزب الدعوة أو خريج ذات المدرسة، من أمثال مسؤول ملف الطاقة وصناعة الأزمات، صاحب نظرية إغراق العراق بالضوء وبيع الفائض منه أو تصديره للكويت والسعودية والأردن مع مطلع عام 2013م.

ونظرة سريعة إلى أساسيات كل المشاكل التي واجهت العملية السياسية منذ إعلان نتائج انتخابات 2005م ولحد يومنا هذا، نرى فريقا يقف وراء كل تلك التعقيدات ابتداء من سرقتهم لفوز السيد علاوي وقائمته في أول انتخابات، ومرورا بالصفقة السياسية التي تمت في اربيل وأنتجت اتفاقيتها المعروفة، التي حولها هذا الفريق إلى سلم صعود اعتلى فيها دفة الحكم، وأسس فيما بعد ما يضنه إمبراطورية قيادة حزب الدعوة وملحقاتها في النهج والتفكير، ونقض كل وعوده وتعهداته للأطراف التي عقدت صفقة ترأسه لمجلس وزراء العراق.

وطيلة سنوات عجاف من حكم المالكي وطاقمه سواء في مجلس الوزراء أو مكتب القائد العام أو جهاز دعايته عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، أثبتت نتائج أو محصلات تلك السنوات ونضالهم الدءوب ما نراه اليوم في الموصل والرمادي وصلاح الدين وديالى وبغداد&الغارقة في بحر من دماء المغدورين من المختطفين على يد اذرع طويلة تمتد من دهاليز تلك المؤسسات المركزية، على شكل ميليشيات تقوم بتصفية كل من يعارض سلطاتهم وتوجهاتهم، في واحدة من أبشع عمليات التطهير المذهبي والقومي التي تشهدها العاصمة بغداد، بعد ما فعله الإرهابيون في الموصل مع المسيحيين والشيعة والكورد، وكأنما هناك اتفاق مبرم غير مكتوب لتبادل المواقع بينهم، وإلا كيف يتم تفسير عدم الاهتمام بتحذيرات إقليم كوردستان للمالكي قبل أكثر من ستة أشهر من سقوط الموصل، وكذلك تحذيرات الجانب الأمريكي كما اعترف الكونكرس قيل أيام، بل والانكى من ذلك لماذا رفض المالكي وطاقمه استعداد قوات البيشمه ركه بالتعاون مع القوات الحكومية على حماية الموصل والدفاع عنها قبل عدة أيام من سقوطها، ألا يعني ذلك إن هناك مخطط كبير للموصل والمناطق السنية عموما بأن تكون بهذا الشكل وبغطاء من المالكي وجماعته، وإلا لماذا رفض كل التحذيرات والنصائح والمساعدات وترك هذه المنطقة فريسة للفوضى والإرهاب!؟

إن هذه التساؤلات والمؤشرات تدلل على ثقافة متكلسة في بنية التفكير لدى هؤلاء الحاكمين، وقد ساهمت بشكل فعال على إضاعة فرصة ذهبية لإنقاذ البلاد من براثن التخلف والفشل والإرهاب والفتنة، بل أنها اشتركت بشكل مفضوح في كل ما جرى من تداعيات وانهيارات أمنية وعسكرية واقتصادية أدت بالبلاد إلى ما هو عليه الآن، حيث أهملت وأقصت كل المخلصين الذين أرادوا خيرا ببلادهم وفي مقدمتهم شعب كوردستان الذي أنجز خلال ذات الفترة الممتدة من 2005 ولغاية 2014م ما عجزت عنه حكومتهم وبأضعاف أضعاف ميزانية الإقليم، إلا إن تلك العقلية السلطوية الفاسدة وجهاز الدعاية التابع لها تعمل ليل نهار على تحويل الهزائم والفشل والانهيار إلى انتصارات سينمائية ساذجة معلقة أسباب فشلها على الغير كما كان يفعل صدام والأسد والقذافي وأمثالهم من دكتاتوريات الزمن الرديء.

وحقا صدق من قال " تغيير الوجوه وحده لن يكون ذا أهمية في إنجاح العملية، لكن يجب تغيير النهج والتفكير السياسي لدى السلطات"، لقد قالها رئيس كوردستان أمام الأمين العام للأمم المتحدة وهو يشيد بتجربة كوردستان وبيشمه ركتها في حماية الإقليم وشعبه والنازحين اللاجئين إليه من جور وضيم حكمهم وطريقة معالجتهم للإرهاب.

&