أرى أنّ السؤال عنوان المقالة سيكون هو موضوع الحديث والنقاش في الأيام القادمة في الساحتين الفلسطينية والعربية خاصة إذا استمرت التهدئة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وجيش الاحتلال الصهيوني الذي تقول الأنباء أنّه بدأ انسحابه من القطاع بعد أن أنهى هذا الجيش مهمته كما يرى قادته القتلة، ونتيجة هذه المهمة الصهيونية ميدانيا في القطاع هي:
عدد الشهداء: 1884 ، عدد الجرحى والمصابين: 9567 ، عدد المنازل والمساجد المهدّمة: 10080 ، وتدمير كافة الأنفاق ،وهذه الخسائر الجسيمة نتيجة: 7200 غارة للطيران الصهيوني والقصف الميداني المباشر بالدبابات والمدرعات التي دخلت غالبية قرى وحارات ومدن القطاع، واعادة الإعمار فقط تحتاج إلى مبالغ من 4 إلى 6 مليارات دولار كما قدّرها مسؤول في وزارة الاقتصاد الفلسطينية، وهي مبالغ من الصعب إن لم يكن من المستحيل جمعها من أية جهات مانحة التي تعوّد الشعب الفلسطيني على تبرعها بملايين محدودة. هذا بينما في مواجهة نتائج إعصار "كاترينا"عام 2005& في الولايات المتحدة الأمريكية حصلت هبة نخوة عربية لا مثيل لها، إذ نشرت العديد من المواقع ومنها موقع "منتديات شبكة حنين" في الثلاثين من نوفمبر 2009 ضمن سياق التعليق على ردود الفعل ازاء كارثة سيول مدينة "جدّة" حجم التبرعات العربية لمتضرري اعصار كاترينا كالتالي: تبرعت حكومة قطر بمائة مليون دولار، وحكومة دولة الكويت بخمسمائة مليون دولار، وحكومة البحرين بخمسة ملايين، وحكومة المملكة السعودية بمليار دولار وبناء ألف وحدة سكنية، اضافة لتبرع شركة النفط السعودية "أرامكو" بمائتين وخمسة وخمسين مليونا وبناء 150 وحدة سكنية، ونشر الموقع نقلا عن جريدة "هيوستون كرونيكل" أنّها نشرت صورة ل "داود الداود" مدير أرامكو، وهو يحتضن في هيوستون يحتضن آنسة وسيدة من ضحايا الإعصار بعد أن سلمها مفاتيح فيلا جديدة من ضمن المائتين وخمسين فيلا التي ستبنيها الشركة، كما نقلت الصحيفة تصريحا لأحد موظفي أرامكو اسمه " ضياء الياس" قال فيه: ( إنّ الله بعث به إلى هيوستون حتى يقدم المساعدات إلى الضحايا ). فهل سنشهد هذه النخوة العربية إزاء ضحايا الاجتياح الهمجي الصهيوني لقطاع غزة؟

وعودة لسؤال من هو المنتصر في هذه الحرب،
فالجواب يحتمل العديد من وجهات النظر، وأيا كانت الإجابة فهي تحتاج لهدوء وموضوعية في النقاش والردود، وهذه الإجابة من وجهة نظري ذي مستويين أو ميدانين:
1 . مقارنة بموازين القوة العسكرية المائلة لصالح العدو الصهيوني بدرجة هائلة، هذه القوة التي هزمت في أكثر من حرب عدة جيوش عربية، واحتلت الضفة الغربية وهي جزء من المملكة الأردنية الهاشمية، وقطاع غزة وهو تحت سيادة الإدارة العسكرية المصرية، ومعه شبه جزيرة سيناء المصرية ، وجزيرتي صنافير وتيران السعوديتين اللتين لا ذكر لهما منذ عام 1967 على أنّهما محتلتين، واحتلال الجولان السورية المستمر احتلالها من عام 1967 حتى اليوم، إزاء ذلك عندما تصمد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة شهرا كاملا في مواجهة هذه الغطرسة الصهيونية، وتوقع قرابة مائة قتيل صهيوني بل إنّ القنـاة الثـانيـة للإحتلال الصهيوني دون أن تفصح عن العدد، اعترفت أنّ عدد من قتل في غزة من ضباط وجنـود يوازي أربعـة اضعـاف ممن قتلـوا في حـرب لبنـان الثـانيـة عام 2006 . وأيضا يضطر عشرات ألاف الصهاينة الهروب إلى الملاجىء، وتعلق شركات طيران غربية رحلاتها عدة أيام إلى مطار تل ابيب خوفا من صواريخ المقاومة الفلسطينية أيا كانت قوتها وفعاليتها وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ الاحتلال، وتعلن ستة دول في أمريكا اللاتينية سحب سفرائها من هذه الدولة، وتعتبرها حكومة "بوليفيا" دولة إرهابية. مع كل هذه الخسائر الصهيونية الميدانية والدبلوماسية& يمكن تأكيد نتيجة الاجتياح الصهيوني بانّها نصر واضح مبين للمقاومة الفلسطينية، وأنا أميل لهذا الرأي خاصة أنّ كبار قادة الجيش الصهيوني رغم كل الخسائر السابقة في الجانب الفلسطيني، أشادوا بشجاعة المقاومة الفلسطينية وصمودها الذي لم يكن يتوقعوه مطلقا. وهذا الصمود الذي قاد لهذا النصر رغم فارق موازين القوى سنرى نتائجه في مفاوضات القاهرة بين فصائل المقاومة و دولة الاحتلال، لنعرف هل ستتم الاستجابة لمطالب المقاومة أم لا؟ خاصة أنّ المعلومات المتسربة تؤكد موافقة الاحتلال حتى الآن على غالبية مطالب المقاومة.
2 . الرأي الآخر النقيض اعتمادا على حجم خسائر القطاع البشرية والبنية التحتية التي ذكرناها سابقا، يمكن أن يعتبر البعض النتيجة ليس انتصارا للمقاومة ، رغم أنّ قادة المقاومة ميدانيا في القطاع يؤكدون مرارا وهم في أرض المعركة أنّ المقاومة حقّقت نصرا بصمودها شهرا كاملا أمام جيش الاحتلال وهو من أقوى جيوش العالم، ولم يوافق قادة هذا الجيش على هدنة 72 ساعة إلا ليضمنوا انسحاب جيشهم بدون قصف ورصاص المقاومة، وهذا ما تمّ ميدانيا فبعد انسحاب جيش الاحتلال من القطاع، سافر وفدهم للقاهرة للمشاركة غير المباشرة في مفاوضات القاهرة.

رأي باحث إسلامي في هذه النتيجة،
وهو الدكتور منصور الشرايري الأستاذ الجامعي الأردني المتخصص في الشريعة والدراسات الإسلامية، إذ علّق على السؤال عنوان المقالة عندما نشرته في الفيس بوك قائلا: " انتصار المقاومة نسبي ولكنّها أيضا خسارة عظيمة للشعب وأمّا الصهاينة فلا نصر لهم". نعم انتصار المقاومة نسبي في ظلّ التفوق العسكري الصهيوني رغم فداحة الخسائر الصهيونية قياسا بنتائج حروبها العربية التي ذكرتها سابقا، وأعتقد أنّه رغم الخسائر البشرية الفلسطينية الكبيرة والتدمير الهائل في البنية التحتية في القطاع، إلا أنّ الاحتلال سيفكر طويلا بعد هذا الاجتياح قبل أن يبدأ اجتياحا جديدا، فقد كبدته المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني خسائر ورعبا لم يكن يتوقعه. ومن المعروف نفسيا أنّ الخوف والرعب في صفوف رجال الاحتلال دوما أضعاف أضعاف الخوف والرعب في صفوف المقاومين لذلك الاحتلال، لأنّ المحتل يعرف أنّه يدافع عن باطل وزيف بينما المقاومون يدافعون عن حق شعبهم في الحرية والكرامة والاستقلال، وتاريخ الاحتلالات عبر التاريخ يؤكد أنّ كل احتلال زائل، وتكفي عبرة الاحتلال الفرنسي للجزائر، إذ زال بعد احتلال وحشي قرابة 130 عاما. إنّ النصر للشعب الفلسطيني الصابر الصامد يتحقق تدريجيا رغم كل التضحيات، فهو شعب تعوّد طوال 65 عاما علىى الصبر والصمود والتضحية.

أمّا الإجابة المأخوذة بعين الاعتبار،
فهي للشعب الفلسطيني في داخل قطاع غزة، خاصة لذوي وعائلات وأطفال إل 1884 شهيدا، و 9567 جريحا و مصابا، و عائلات 10080 بيتا تمّ تدميرها نهائيا، فمن (أيديهم في النار والدم ليس مثل من أيديهم في الهواء والماء). ويبقى السؤال الاستراتيجي هو: وماذا بعد؟ في ظل موازين القوة العسكرية المائل بشدة لصالح الاحتلال والحصار الصهيوني والعربي للقطاع، هل سيستمر هذا الوضع المتمثل في: اجتياح وحرب وخسائر شديدة ثم تهدئة...واجتياح جديد و تهدئة..ثم اجتياح جديد و تهدئة!!!إلى متى هذا الوضع في ظل عدم استجابة الاحتلال لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني مهما بلغت تنازلاته، ففي ظل ميزان القوى العسكرية هذه، فالاحتلال يريد سلاما استسلاما حسب شروطه فقط. والجواب على هذا السؤال أيضا للشعب الفلسطيني الذي يعيش في النار وليس لنا في الخارج حيث نعيش راحة وسكينة وتعاطفنا مع الشعب الفلسطيني المحاصر هو بالقلوب والعقول وأضعف الإيمان.
www.drabumatar.com

&