لم يتناول الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة الملف الايراني كثيرا كما تناوله بكلمته في العام الماضي، لكنه كرر الجملة التي قالها في العام الماضي وهي ان الفرصة مؤاتية للتوصل الى حل سياسي للملف النووي الايراني، وعلى ايران أن تثبت للعالم انها لا تسعى الى امتلاك أسلحة الدمار الشامل.

فهل يا ترى حقا ان الفرصة مؤاتية لايران لحل ملفها النووي بشكل سياسي وسلمي؟

ايران وبالتحديد حكومة روحاني تدرك جيدا ان الفرصة الحالية لحل الملف النووي ربما لن تتوفر مرة أخرى خاصة اذا رحل اوباما وعموم الحزب الديمقراطي عن البيت الأبيض ليحل الجمهوريون محلهم في الدورة القادمة من الانتخابات الرئاسية عام 2016، مما يدفع الايرانيون الى بذل المزيد من المساعي وابداء أعلى درجات المرونة لانهاء الموضوع خلال حكم اوباما.

ولكن السؤال المطروح لماذا يسعى الايرانيون الى حل الملف في عهد اوباما والديمقراطيين دون الجمهوريين، الاختلاف واضح ويلمسه كل مراقب سياسي، فنهج الحزب الجمهوري الأميركي واستراتيجيته تختلف بشكل كامل عن الديمقراطي، وفي الوقت الذي يركز فيه الحزب الجمهوري على السياسة الخارجية ويعتبرها السبيل لحل المشاكل الداخلية وفي مقدمتها القضايا الاقتصادية، فان الحزب الديمقراطي يركز على السياسة الداخلية.

لذلك رأينا ان اوباما أعلن فور مجيئه للسلطة ان قوات بلاده لن تخوض أية حرب برية في أي بلد، بل اعلن ذلك قبل فوزه بالسلطة فالشعار الذي رفعه هو وقف الحروب البرية وسحب القوات الأميركية من البلدان التي تنشط فيها، وهذا ما حدث، فقد سحب القوات الأميركية من العراق، كما ان واشنطن لم يكن لها اليد الطولى في التحالف الذي أسقط الرئيس الليبي معمر القذافي، واليوم يؤكد قادة الولايات المتحدة بأنهم لن يشاركوا في حرب برية في التحالف ضد "داعش"، أضف الى ذلك فان ميزانية البنتاغون الأميركي انخفضت بشكل كبير.

في المقابل فان أهم الحروب والمعارك التي شارك فيها الأميركيون في المنطقة وقعت في عهد الحزب الجمهوري سواء الحرب التي أسقطت طالبان أو صدام حسين أو تحرير الكويت، فالجميع يتذكر ان حرب تحرير الكويت كادت تقضي على حكومة صدام حسين حتى انتهى عهد الجمهوري بوش الأب فبقى الملف العراقي معلقا ومعوما في عهد كلينتون الديمقراطي ولمدة 8 سنوات حتى جاء بوش الابن الجمهوري ايضا ليشن الحرب على العراق ويسقط حكومة صدام.

وكادت تندلع الحرب بين ايران واميركا خلال السنوات الأخيرة من عهد الرئيس بوش، من هنا فلربما تتكرر تجربة العراق فيأتي الجمهوريون بعد رحيل اوباما ويحسموا الملف النووي الايراني، خاصة وان هذا الملف لا يزال معلقا ومعوما.

طبعا ليس هناك شيء حتمي، فليس مؤكدا فوز الجمهوريين بعد انتهاء فترة اوباما، وفي نفس الوقت ليس من المؤكد ان الجمهوريين فيما لو فازوا بالسلطة ان يشنوا حربا ضد ايران، خاصة مع تراجع الاقتصاد الاميركي، لذلك فان وقوع الحرب أو عدمها لا يخرج عن دائرة الاحتمالات.

نعود للسؤال المطروح، فهل يا ترى الفرصة مؤاتية لايران لتسوية ملفها النووي؟&

لو تابعنا تصريحات الرئيس الايراني حسن روحاني حول الملف النووي منذ بدئ حملته الانتخابية وحتى بعد فوزه في الانتخابات وتسلمه للسلطة كانت كلها مملوءة بالتفاؤل والأمل بتسوية الملف النووي، وبالفعل تم الاتفاق بجنيف في العام الماضي على مبادئ الحوار على ان تنتهي المفاوضات خلال ستة اشهر، ومنذ انتهائها في تموز الماضي تراجعت لغة روحاني ولم يعد يتكلم بلغة التفاءل التي كان يتكلم بها، بل أطلق تصريحات تجاه سوريا واسرائيل، ما كان يتوقع الكثيرون أن تصدر منه.

على الرغم من ان الاطار العام للمفاوضات هو بين ايران ومجموعة 5+1 الا أنه في كل جولة من جولات المفاوضات يعقد الجانب الايراني مباحثات ثنائية مع الجانب الأميركي، مما يعكس ان المشكلة الرئيسية بين ايران والولايات المتحدة، وفي كل مرة يعلن المفاوضون الايرانيون وفي مقدمتهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف ومساعده عباس عراقجي، ان الملف النووي الايراني سينتهي بشكل كامل اذا كانت لدى الطرف الآخر الجدية والارادة الكاملة في ذلك.

ظهور مواضيع ثانوية بين فترة وأخرى غير الملف النووي في العلاقات الايرانية – الأميركية كقضية الانضمام الى التحالف الدولي لمحاربة "داعش" او الصواريخ الباليستية، يشير الى نقطة التقاطع بين اميركا وايران ليس البرنامج النووي وانما ملفات أخرى، وفي الوقت الذي يرفض فيه المفاوضون الايرانيون اقحام ملفات أخرى مع الملف النووي، يبدو ان الجانب الآخر يحرص على بحث هذا الجانب، ولربما هذا ما كان يعنيه اوباما في كلمته بجمعية الامم المتحدة عندما دعا ايران الى طمأنة العالم بأنها لا تسعى الى امتلاك وتصنيع أسلحة الدمار الشامل.

&