كنت في طريقي البارحة إلى موعد مبكر في الصباح وفتحت الراديو في السيارة لأتسلى وأسمع آخر الأخبار وبعد نشرة الطقس قال المذيع "وسنوافيكم الآن بآخر التطورات عن الأحداث المؤسفة من باريس". حدسي أخبرني أنها مصيبة كبيرة فأخذت أقول بصوت مرتفع للمذيع "لا تقولها...لا تقولها" وفي نفسي أدعوا بأن يكون الخبر المؤسف أي شيء، طوفان، حريق، زلزال، أي شيء...إلا عمل إرهابي. بالطبع لم يستمع مذيع الأخبار لتوسلاتي وترجياتي وتابع قراءة الأخبار بأن مجموعة مسلحة قتلت عددا من الصحفيين والرسامين والشرطة. الخبر كان صادما ولكن عندما قال اسم جريدة شارلي هيبدو المعروفة بكاريكاتيراتها الصادمة كدت أن أفقد تحكمي بالسيارة. أستطيع أن أجزم أن معظم المسلمين الذين يعيشون في الغرب مثلي تلقوا الخبر كمن يسكب عليه سطل الماء البارد في صقيع الشتاء الذي نعيشه الآن. كان الخبر في كل مكان مرفقا بتاريخ المجلة المتوتر مع المسلمين. يعني كانت الإذاعات ونشرات الأخبار في كل مكان وكأنها تقول "لا بد أن يكون من قام بهذا الإجرام مسلمين." ورغم أنني كنت أفكر بالشيء ذاته إلا أنني وجدت نفسي أصرخ على المذيع بأنه عنصري وعلى المجرمين الذين قاموا بالجريمة لأنهم يريدون تحويل دين عظيم إلى منظمة إرهابية (مع أن الخبر كان ما زال مبكرا ولم يؤكد أحد بعد هوية المجرمين).
انتبهت لنفسي كما أنا متأثرة من الخبر وكم أنا غاضبة لدرجة أنني أتشاجر لوحدي مع مذيع الراديو بصوت عالي ونظرت حولي في زحمة الطريق في مونتريال ورأيت الناس يقودون سياراتهم بهدوء وتساءلت يا ترى هل يسمعون نفس الأخبار التي أسمعها؟ وإن سمعوها ماذا سيشعرون؟ أتوقع أنهم سيصابون بالصدمة مثلي وسيشعرون بالحزن للأبرياء الذين قتلوا كما شعرت أنا وسيشعرون بالتعاضد مع حرية الكلمة والتعبير مثلي. ولكنهم لن يشعروا بأن أصابع الاتهام موجهة لهم بالمشاركة بهذه الجريمة مثلما أشعر ومثلما يشعر كل مسلم يعيش في الغرب. تذكرت النكتة التي تقول إن شخصا يتعاطى الحشيش ويحمله كان يركب حافلة وعندما صعد الشرطي إلى الحافلة وسأله عن بطاقته لمس أبو الحشيش جيوبه وقال "شو حشيش ما حشيش؟" أشعر وكأننا نحن المسلمين كلنا ركاب الحافلة وكلما سمعنا بفعلة شنيعة من واحد مسلم نرفع كلنا أيدينا في الهواء ونقول "شو حشيش ما حشيش؟"
هناك ضغط نفسي علينا كمسلمين لنعتذر عما يفعله بعض المجرمين لأنهم يدعون أنهم يفعلون جرائمهم باسم الإسلام. ويسارع الكثير من الأشخاص المسلمين والمؤسسات الإسلامية لنشر بيانات تؤكد أنهم ليسوا مجرمين وأنهم لا يساندون ولا يفرحون بالأعمال الإرهابية! وكأن المسلم قاتل ومجرم افتراضيا ويجب على كل مسلم، لتبرئة ذمته، أن يصرخ "شو حشيش ما حشيش؟" قبل حوالي شهرين هاجم مسلح مبنى البرلمان في عاصمة كندا وقتل أحد الحرس قبل أن تقتله الشرطة. وصلني بعدها طلب توقيع على عريضة كتبها بعض الأشخاص في الجالية المسلمة هنا تتبرأ مما قام به المسلح "المسلم". عادة أحب أن أشارك في شجب كل أشكال العنف والتنديد بأي اعتداء على الأبرياء ولكن توقفت عند هذه العريضة ولم أستطع أن أوقعها. إذا كان واحد مجنون ومجرم قام بجريمة فلماذا يجب أن أعتذر أنا؟ لأننا ننتمي لدين واحد؟ أؤكد لكم أنني أنا ومسلحي باريس نبعد عن بعضنا في اعتقاداتنا الدينية بعد المريخ عن الأرض وأنهم يرونني، أنا المسلمة، أقرب في المعتقد إلى ضحاياهم في شارلي هيبدو مما أنا لهم. الأسباب كثيرة، منها أنني أؤمن بحق الجميع في التعبير عن آرائهم مالم تفرض بالقوة، ولأنني أؤمن أن هناك العديد من الطرق التي تودي إلى الله، ولأنني أؤمن بقوة العقل وأنه لا قدسية للنص فوق قدسية الإنسان، ولن تكون آخر هرطقاتي في نظرهم إيماني بنظرية التطور.
ولكنني لا أستطيع إلا أن أتساءل "وماذا الآن؟" فقد اتفق العالم على أن ما يفعله بعض السفهاء والمجرمين من المسلمين يجب أن يحسب على المليار ونصف الآخرين! السفر في المطارات والتفتيشات كانت صعبة بما فيه الكفاية على كل واحد من أصل عربي. نقف على جنب وننكش حقائبنا وربما نرى طائرتنا تطير من بعيد من دوننا لأن تفتيش جيوبنا وجواربنا لم ينته.
والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هل ستستخدم هذه الحادثة للضغط أكثر على الشعوب العربية المضغوطة أصلا بحجة مكافحة الإرهاب؟ الذي لا يفهمه العالم المتحضر الذي يقف مندهشا منصدما لما حدث في باريس أن مكافحة الإرهاب لن تفعل سوى أن تزيد من الإرهاب. كيف سيكافح العالم الإرهاب أكثر؟ سيكثف العالم دعمه للأنظمة الاستبدادية مثل النظام الأسدي في سوريا والنظام العسكري الانقلابي في مصر ليساعدهم على السيطرة على الإرهابيين. لذلك هذه الأعمال الإجرامية الغبية لن تفيد إلا بإطلاق إيدي المستبدين أكثر على شعوبهم.
برأيي، وأظن أن الكثير يشاركونني الرأي، سيتوقف الإرهاب عندما تستطيع الشعوب المظلومة نيل حقها في الديمقراطية والعدالة والحياة الكريمة. سيتوقف الإرهاب عندما تصبح حياة الإنسان بنفس درجة القداسة والحرمة على مدى القارات والبلاد وكل الحدود. سيتوقف الإرهاب عندما يتحد العالم في صدمته لرؤية صور اللاجئين السوريين وهم يموتون من البرد كما يصدم لقتل صحفيين أبرياء.
اليوم صورتان لم تفارقا خيالي. صورة الأب السوري الذي يحمل ابنه الذي مات من البرد في مخيمات اللاجئين في لبنان. كيف لا يتحرك العالم لإيقاف أكبر إرهاب يرتكب بحق البشرية وهم أمام هذه الصور التي تجمد الدم في العروق؟ الصورة الثانية كانت صورة مبتسمة للشرطي المسلم الذي قتل على الرصيف في الهجوم على جريدة شارلي هيبدو. قتل هذا الشرطي وهو يدافع عن حرية الرأي مع أن هذه الحرية سمحت بالاستهزاء من رموز دينه فحقق أسمى ما جاءت الثورة الفرنسية به كما شرح فولتير "قد لا أتفق معك في رأيك ولكنني على استعداد للموت دفاعا عن حقك بالتعبير عن رأيك."&