بعد احتلال العراق عام /2003 وزوال الدكتاتورية الصدامية بفعل الغزو الاميركي لابفعل ثورة وانتفاضة جماهيرية شعبية ؛ ظهرت في وسطنا المجتمعي العراقي منظمات عدة سميت جزافا وادّعاءً منظمات مجتمع مدني باعتبارها من نتائج الديمقراطية الشوهاء الغريبة الاطوار التي حطّت ركابها في بلادنا ؛ فصرنا نشاهد هنا وهناك في معظم مناطق العاصمة والمحافظات الاخرى& جمعيات اتخذت مقرّات لها في شقق مؤجرة وبيوت وسط المحلات والأحياء السكنية وربما حتى دكاكين في الشوارع وتعلّق لافتات كبيرة ربما تفوق كثيرا حجم مهماتها ومساعيها اذ& تدّعي بعضها انها تعنى بالأرامل والأطفال الايتام والمعوقين والمعوزين وفاقدي البصر وذوي العاهات والمقعدين والصمّ والبكم و... و.. حتى اصبح كل حيّ تنتشر فيه مثل هذه المنظمات التي أقل مايقال عنها انها نتاج مجتمع مدني متعثر نظرا لتعثر التوجه الديمقراطي في بلادنا باعتبارها وليدة قبل أوانها تماما كما نقول عنها انها خديج لم تَنمُ بعد وتحتاج الى رعاية خاصة وعناية مشددة لتنمو وتزدهر
فالعراق لم يصل بعد الى ان يكون مجتمعا مدنيا حقيقيا فهذه المنظمات ترافق العملية الديمقراطية الحقّة ، وكلما نضجت هذه الديمقراطية تنضج معها تلك المنظمات لكننا الان نرى العكس ؛ فقد عملت الاحزاب الماسكة للسلطة على تكوين منظمات تابعة لها وتموّل من قبلها مما افقدتها الاستقلالية والحيادية التي هي اساس وشرط عمل هذه المنظمات التي غدت واجهات وذيول لتلك الاحزاب وهناك ماهو أمرّ واكثر ايلاما ان تكون مثل هذه المنظمات تابعة ومنقادة لجهات اجنبية تثير الريبة تتحرك كقطع شطرنج وفق اهواء ورغبات اسيادها من خارج الحدود مثلما كانت المكاتب المهنية ماقبل /2003 التابعة للسلطات البعثية قبلا والتي كانت تتحكم بالنقابات المهنية واتحادات الطلبة والعمّال وغيرها من المنظمات الكارتونية التي ظلت تأتمر بتوجهات المكاتب المهنية
ومن خلال تتبعنا لأنشطة تلك المنظمات العاملة في بلادنا نرى انها فقدت فعاليتها أو كادت حيث لاعلاج للمرضى ولا اهتمام بذوي الحاجات مما يشفي الغليل ، ولا انتشال للمقعدين ولذوي العاهات او رفع مستوى دخل الفقراء والأرامل ومجهولي النسَب انما هناك منح مالية بسيطة وهدايا بخسة تقدّم في اوقات متباعدة في بعض المناسبات لذرّ الرماد في العيون واستعراض بعض " الانجازات " البائسة بلا ادنى استحياء حيث ترد الى اسماعنا وجود حالات فساد مستشرية هائلة ماأنزل الله بها من سلطان في صفوف القائمين عليها لنهب الاموال التي تقدّم من الجهات المانحة في الداخل والخارج اذ تستحوذ تلك الفئة على نسبة كبيرة من الاموال وتوزع البقية القليلة على جهات لاتستحق& ولاينال المستحقون سوى الفتات ، لكننا لاننكر ان هناك بعض المسؤولين المخلصين في هذه المنظمات وهم اعداد شحيحة وفيّة بعملها امام جيش من لصوص المال العاملين في الخدمة المدنية ، هؤلاء القلّة الصادقة النزيهة قد بذلوا جهودا استثنائية ودفعوا من جيوبهم الكثير من المال لترضية ذوي الحاجة الفعلية وتغطية ايجار مقرات عملهم من جيبهم الخاص حتى ان منهم من باع ممتلكاته العقارية ومصوغات بيته غير انهم قطرة صافية في بحر عائم بالملح والشوائب والزبد الضار ، ويؤسفنا& ان نقول ان هذه الشريحة النزيهة لايلتفت اليها مع انهم الاجدر بالرعاية والدعم من هؤلاء الطارئين المسؤولين على تلك المنظمات والذين انخرطوا في هذا المجال بهدف مطامع مالية وطلبا لنفوذ ومكانة لايستأهلونها اصلاً وهم يسرحون ويمرحون في ايفاداتهم وسياحتهم المتكررة ببلدان العالم ويحضرون المؤتمرات والندوات الداعمة لدوائر المجتمع المدني العراقي الوليد حديثا وابتزاز الاموال المخصصة للمسحوقين لإشباع رغباتهم والتمتع بجولات في مرابع اللهو والاكتناز مع انهم اغبياء جلَبتهم اللصوصية وليست لديهم اية مهارات ومران في قيادة تلك المنظمات وتسييرها وإداء مهامها الانسانية على الوجه الاكمل
هناك من الشخوص الطامعة الباحثة عن المال أيا كان مصدره ولايهمّ من ايّ مصدرٍ مموّل فالأهمية في قدَره ومقدارهِ وكمّهِ ومجموعة من الانتهازيين الذين جلّ دأبهم الوصول الى المال والجاه والحظوة من المتصيدين للمناصب تبوّؤا مراكز مرموقة في منظمات المجتمع المدني طمعا في الاكتناز على حساب الفقراء والمعوزين والمقعدين والمرضى والمصابين بعاهات مستديمة ليملأوا جيوبهم وأرصدتهم من مساعدات الدول والأنظمة الداعمة ويتفسحون بين فترة واخرى بسفرياتهم في اوروبا واميركا على آلام الملأ المتعب ، هؤلاء السارقون جعلوا تلك المنظمات بقرة حلوباً لهم ولأتباعهم حصرا ، فلاينال المستحق الجائع المنهك والعاجز الذي من اجله أنشئت هذه التشكيلات المدعومة سوى النزر اليسير الذي لايقيم الاوَد ولايسدّ العجز
وعلى الرغم من " التفات " الامانة العامة لمجلس الوزراء في العراق لتلك المنظمات المدنية من خلال دائرة المنظمات غير الحكومية ومراقبة اعمالها ونشاطاتها وتقديم الدعم اللازم لها لكنه التفات مخجل وبعيون واهنة وخطاها تتعثر كثيرا& ودون مستوى الطموح ؛ فلازالت معظمها أسيرة بيد الاحزاب النافذة وتعمل على تسييسها وهناك منظمات اخرى هي ذيول لجهات اجنبية متخفية لتنفيذ اغراضها ومراميها من خلالها . وتستخدم امبراطورية المال في شراء الذمم وتلويث الضمائر ؛ فلازال هناك من القائمين على المنظمات يمارس طقوس العبادة لوثنية المال ولاهمّ له سوى الاكتناز والثراء على حساب اوجاع الآخرين وليذهب المسحوقون الى الجحيم ويبدو ان غالبيتها تتظاهر بالرحمة والتعاطف والحنوّ والمساعدة لكنها في الغالب الاعمّ تهدف& لملء الجيوب والاكتناز على حساب هموم الناس المسحوقين المعدمين والمبتلين بالأسقام والعاهات والعوق الدائم
قد لااغالي اذا قلت ان هناك من حيتان المجتمع المدني والمنظمات التي تُسمّى انسانيةً لاتشبع ابداً ولاتريد ان يتحسن حال عامة الناس البائسين المعنيين بالمساعدات بل وتتمنى ان تزداد اعدادهم وتتفاقم مصائبهم وتتسع النزاعات وتكثر ظواهر العنف& وحالات القتال حتى تمتلئ جيوبهم اكثر فاكثر ؛ وأستطيع تشبيههم بتجار الحروب وممتهني بيع السلاح الذين لايعبأون بقتلى وجرحى الحروب بقدر مايعنيهم ملء خزائنهم وحزم حقائبهم ليذهبوا ويقفوا امام المنظمات الداعمة والدول المتبرعة ليستجدوا العطايا والمنح ... وليتها تصل الى مستحقيها ذوي المعاناة الحقيقية
يمكن التخفيف من حالات السرقة ونهب الاموال المخصصة لتشكيلات ومنظمات المجتمع المدني في بلادنا لو عملت& دائرة المنظمات غير الحكومية التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء على الاخذ بيد القائمين الحقيقيين على هذه المنظمات الانسانية وفرز المجاميع النزيهة والذين يعملون تطوّعيا وبمبادرات انسانية بحتة إنْ ارادت تطويرها والارتقاء بها وإداء مهامها على الوجه الاكمل وتكون الساعد الايمن لها وهي في الاعمّ الاغلب المنظمات الضعيفة الواهنة قليلة الدعم قياسا بما لدى الاحزاب المهيمنة على السلطة من منظمات مجتمع مدني لاتؤدي غرضها بالشكل الصحيح وانما تخدم اجندات ومرامي احزابها التي تقدم لها المساعدة والدعم لحاجة في نفس يعقوب وليست حاجات الملأ العريض من المرضى والمعوزين وذوي الحاجات الحقيقية التي أُسست تلك التشكيلات المدنية من اجلهم حصرا
قد لانعجب من تفشّي الفساد في صفوف الاحزاب التي تسلّطت على الشعب بالخديعة والتضليل ورؤوس ومشايخ القبائل ومفاصل الدولة والوزراء ومدراء الدوائر والمستشارين الكثر والزعامات الدينية وأمراء الحرب وقادة الميليشيات والتشكيلات العسكرية وحتى ادنى مراتب الموظفين والعاملين في الدولة ، لكن ان يصل الامر الى منظمات المجتمع المدني والقائمين عليها والذين نعوّل عليهم في اتخاذ خطوات ولو بطيئة للابتعاد نسبيا عن مستنقع الفساد فهذا مما يثير فينا اليأس والقنوط بأنّ العراق قد غدا ميئوسا من صلاحهِ حيث لاسيف يردع ولا سوط يلسع ولاعين ترأف وتدمع على بلاد آيلة حتما للسقوط والاّ ماذا نفسّر احصائيات منظمة الشفافية العالمية المشهود بصدق معاييرها حين تصنّف العراق وتضعه في المراتب العليا للفساد حاله حال الصومال وأفغانستان و..و
قلقي عليكم ابناء بلدي الواهنين والمستضعفين والمسحوقين المبتلين بالأسقام والعجز والهوان ، لم اجد لا من نخب ساستكم ومضة ضوء تقدح أمَلا وبشائر خير ولا من رعاة مجتمعنا المدني يداً حانية عطوفة نديّة تغدق وفراً وكفافاً ، فليس لكم الاّ الرؤوف الكريم حسْبٌ وعطاء لاينضب

[email protected]

&