انتخابات البرلمان في مصر بجولتها الأولى، لم تخل من المفاجآت، بداية من ضعف إقبال الناخبين على التصويت، خاصة من فئة الشباب، ومروراً بفئة "العواجيز" التي تصدرت المشهد، وحرصت على المشاركة بالانتخابات لترسم مستقبلاً لن تعيشه، وانتهاءً بمرشحين يخوضون الانتخابات بلا برامج واضحة، لأن هدفهم هو الحصول على الكرسي والحصانة..
لكن المفاجأة الأكبر، هي الفشل الذريع الذي تعرض له حزب النور السلفي في هذه الانتخابات، والذي تعرض لخسائر لم يتوقعها أحد، خاصة وأنه الحزب الوحيد الذي يمثل الإسلاميين في السباق البرلماني.. حتى أن أعضاءه خرجوا يبررون ّالصفر" الذي كان من نصيب الحزب، فمنهم من قال إن الحزب تعرض للخيانة من بعض الأحزاب الأخرى، ومنهم من أكد تآمر أعضاء الحزب الوطني المنحل عليه والوقوف ضده، ومنهم من "شطح بخياله" واتهم الإخوان المسلمين بتحريض بعض الناخبين على الإطاحة بمرشحي الحزب وعدم منحهم أصواتهم..
لكن الحقيقة التي تغفلها القيادات في حزب النور، خاصة ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية، ونادر بكار المتحدث الإعلامي لحزب النور، هي أن الحزب تعرض لفقدان شعبيته في الشارع المصري مثله مثل أي حزب إسلامي، بعد أن فقد الناخب الثقة في كل الأحزاب المتأسلمة، التي تحترف التجارة بالدين وخداع البسطاء من الفقراء والجهلة، وشراء اصواتهم بكيلوات السكر والزيت.. لذا كان من الطبيعي أن يحصد النور، كل ما زرعه الإخوان المسلمين من كذب وتضليل وخيانة للوطن والشعب..
الطريف أن نادر بكار، يقال إنه سافر إلى أمريكا قبل انتخابات البرلمان، حتى يجري اتفاقات مع الأمريكان تتماشى مع المرحلة التي تلي الانتخابات، فقد تخيل هذا "النادر" أن حزبه سوف يكتسح البرلمان ويكون من حقه تشكيل الحكومة، ويصبح لاعباً أساسياً على الساحة السياسية في مصر، بعد أن كان راضياً بالجلوس على "دكة الاحتياطي" تاركاً الملعب للإخوان المسلمين، وهو يكتفي فقط في المشاركة في مراسم رفع الكأس في حال الفوز.. لكن النتائج الانتخابية أتت بما لا تشتهي القيادات في الحزب، والذي فقد تحالفه مع الشيطان الأمريكي، بعد أن اقتنع الأمريكان بأن الحزب لم يفلح في احتلال مكان الإخوان المسلمين بالمشهد السياسي في مصر..
كل أحلام النور "انطفأت"، بعد أن فهم الناخب خيوط اللعبة، وتأكد أن هذا الحزب لا يختلف عن الإخوان أو الجماعة الإسلامية، فكلها جماعات تخرج من بوتقة واحدة، وجميعها تستغل الدين لتحقيق مكاسب سياسية، فهم يخرجون علينا، ويحلفون بأغلظ الإيمان بأنهم ليسوا أحزاباً دينية، مستغلين بعض البسطاء الذين يصدقون كلامهم المعسول المستند على العاطفة الدينية.. هم لا يعلمون أن الشعب "لن يلدغ من الجحر مرتين"، فقد ذاق مرارة الإخوان بعد وصولهم للسلطة، وعانى من أفكارهم الظلامية التي استهدفت طمس هويته والقضاء على حضارته ومستقبله، ومحاولة سرقة الوطن.
فيما يبدو أن حزب النور لم يستوعب الدرس، وركب نفس الموجة التي أغرقت الإخوان من قبل، وحاول استدرار عاطفة الشعب وخداعه بأنه حزب وطني يحب مصر ويساند النظام ولا يستند إلى مرجعية دينية، ليحقق أهدافه السياسية، لكن الناخب المصري خيب ظنه وأضاع آماله وحطم مستقبله السياسي، بعد أن فهم خيوط اللعبة، وكشف زيف المتاجرين بالدين، ولم ينس الراي العام حادثة "منخار البلكيمي" أو "أنيس" الذي تم ضبطه في وضع مخل داخل سيارته في طريق عام، الأمر الذي جعل الناخب يحتقر الذين يختبئون خلف ستار "اللحية والجلباب"، ويفعلون الخطايا من خلف الستار، في نفس الوقت الذي يظهرون فيه في ثوب الملائكة، لكسب تأييد الشارع.
لا شك أن الأحزاب المتأسلمة، تسببت في تشويه صورة الإسلام، بعد أن امتطت صهوة الدين، وتعمدوا تضليل الناخب واللعب على وتر فقره وحاجته، الأمر الذي جعل الناخب يستبعد مثل هؤلاء من ذاكرته رافضاً بيع صوته بالمال رغم ظروفه المعيشية الصعبة، وفضّل التعامل مع ناخب مستقل يظهر أمامه بكل خطاياه وأخطائه دون تجميل.. حتى لا يتعرض للخداع على يد من يستغلون الدين "النقي" في عالم السياسة "القذر".
ولا عزاء لبعض الأغبياء من العملاء والفاشلين الذين يحمّلون الرئيس عبدالفتاح السيسي انخفاض الإقبال على صناديق الاقتراع في انتخابات البرلمان، لأن هذا لن يضر السيسي في شيء، لأن المتضرر الوحيد هو الشعب، الذي لم يسهم في اختيار من يمثله أو يطالب بحقوقه أو يحميه تشريعياً تحت قبة البرلمان.. فلا داعي للمزايدة والشماتة في أمر ليس للسيسي أي علاقة به، وإن كان سيادة الرئيس مسؤولاً عن استمرار معاناة المواطن الذي لا يزال يغرق في دوامة المشاكل الحياتية، ولم يشعر حتى الآن بأي تغيير في مستوى معيشته، أو بصيص أمل يخرجه من تحت خط الفقر، ليجني ثمار ثورتين قدم فيهما تضحيات لا تقدر بثمن.
كاتب مصري
التعليقات