على الرغم من عدم وجود تاكيدات رسمية بعد , فأن هنالك اشارات مهمة تدلل على ان الصين – القوة الاخرى المؤثرة في واقع العلاقات الدولية في طريقها الى الانضمام لروسيا في ملف مواجهة الارهاب في منطقة الشرق الاوسط , وذلك بعد ان كانت تقف على الحياد تماما من ما يسمى بالحملة الامريكية على داعش. حيث قال المتحدث باسم الخارجية الصينية قبل فترة قصيرة من الزمن " إن الصين مستعدة للمشاركة في اي جهد دولي لمكافحة الارهاب , فهي تقف بالضد من هذه الظاهرة بكل اشكالها ومستعدة لاجل ذلك إن تبذل الجهود المناسبة لمحاربة قوى التطرف. وهو موقفنا الذي بقي ثابتا بلا تغيير ". في حين ذكر المبعوث الصيني للشرق الاوسط " إن الارهابيين في العراق و سوريا نجحوا في التأسيس لقاعدة استقطبت الإرهابيين من الدول الاسلامية , اوربا , امريكا , وايضا الصين. لقد عانينا من الارهاب لفترة غير قليلة , لذا فان تسوية الصراعات في العراق و سوريا سوف تسهم في تحقيق الفائدة للصين و لكل العالم ".&

يدعم هذه الفرضية توجه اخر عماده رقعة الشطرنج العالمية التي تجري عليها تفاعلات الجيوبولتيك الواسعة الامتداد و التاثير. فقد اكدت الصين مؤخرا بان الاستفزازت الامريكية لمصالحها و نفوذها في بحر الصين الجنوبي باتت امرا غير مقبولا و لا يمكن السكوت عنه. لذا فان مكافحة الارهاب و سحب البساط من تحت اقدام الدور الامريكي في الشرق الاوسط بمعاونة روسيا وبقية الحلفاء يمكن إن يشكل المحور الجغرافي للتحول التاريخي القادم للرد على الهيمنة الامريكية التي تبحث عن زعامة مطلقة للنظام الدولي. ليكون الدور الصيني في سوريا ردا متوقعا ازاء ما يجري في بحر الصين الجنوبي من توترات مع واشنطن و حلفائها هناك. وهو ما يمكن له أن يفسر الرسائل القوية التي وجهها وزير الدفاع الامريكي مؤخرا لكل من الصين و روسيا , حيث حذر بشدة من الدور الصيني في جنوب شرق اسيا و لمح الى خطورة فكرة التعاون بين موسكو و بكين في الشرق الاوسط.

في هذا الصدد تشير بعض المصادر الى ان احد المسؤولين الروس ( ايغور موروزوف ) المسؤول في لجنة الشؤون الخارجية , قد قال بان بكين قد اتخذت القرار بالمساهمة في الحرب على داعش , ولاجل ذلك ارسلت سفنها الحربية الى الميناء السوري. من المعلوم الان بان الصين قد انضمت للعملية العسكرية التي نقوم بها في سوريا.

&تحول استراتيجي من شانه ان يغير قواعد اللعبة في المنطقة , كما من شانه ان يقود الى تبدل مهم في موازين القوى من منظور تفاعلات نموذج الجيوبولتيك الذي تحدث عنه البريطاني ماكندر. لذا لن تتمكن واشنطن في الفترة القادمة من الزمن من ان تمارس طريقتها المزدوجة المعايير في التعاطي مع الشؤون الداخلية الخاصة بدول هذا الاقليم. وهو ما يعني بالضرورة ان التحالف الذي تقوده بالتعاون مع تركيا و دول الخليج سوف يكون امام خيارين اما الرضوخ لفكرة التراجع عن المشاريع المضرة و العنيفة التي انتجت داعش بحجة مواجهة الخطر الايراني , او الاستمرار في تحدي القوى المضادة بالطريقة التي ستفضي الى مزيد من الصراع الذي ستنتقل أصداءه هذه المرة لتمس بشكل مباشر النطاقات الحرجة في الدول الصديقة لواشنطن والمجاورة لجغرافيا الفوضى المنتشرة في سوريا و العراق.&

لقد حاولت روسيا جهد امكانها تحييد اثر الملفات الخلافية الاخرى التي يمكن ان تعرقل مسعى تشكيل تحالفها الجديد, كما هو الحال مثلا مع موضوع مستقبل الحكومة السورية و ما يسمى بالمعارضة المعتدلة , كما حاولت تحييد الموقف من موضوع الفصائل المسلحة التي تقاتل بالضد من داعش في العراق و سوريا بما فيها الفصائل الكردية. هذه الخطوة كان يراد منها تعرية مواقف القوى التي انخرطت في التحالف الامريكي لمحاربة الارهاب. حيث كان لهذه الاطراف مخططات على الارض تسعى من خلالها الى تصفية الحسابات عبر هذه الحملة التي بدا فيها الارهاب مطمئنا و مسترخيا في ممارسة دوره الذي بات اكثر تعزيزا و استقرارا في ظل حملة اقرب الى الدعاية الاعلامية منها الى الواقعية العسكرية. على الاقل بعد مضي اشهر من بدء تشكيل التحالف الامريكي لمكافحة الارهاب , لا زال تنظيم داعش يمارس هيمنته ولم يسجل له تراجع كبير في المساحة التي هيمن عليها طوال الفترة الماضية.&

كذلك نجحت روسيا في العمل على امرين متوازيين فشل فيهما التحالف الامريكي. الاول هو الدعوة الى الشرعية الدولية التي بدونها لا يمكن الركون الى فكرة تشكيل هذا النوع من التحالفات , وهو ما يتصادم تماما و الدور الامريكي في هذا المسار. و الثاني هو العمل على التاكيد بان المشاركة العسكرية لهذا التحالف الجديد ستكون مشاركة استخبارية مصحوبة بعمليات جوية لمساندة القوى الرسمية التابعة للدول التي تحولت ارضها الى مسرح مواجهة مع الارهاب. مصدر مهم لتطمين مخاوف الدول هذه من ان الحلف الروسي لن يكون بالنتيجة بوابة لاحتلال بديل عن داعش. في حين تصر الادارة الأمريكية في تحالفها الاخر على ان تمارس الدور الاوسع في هذه العمليات و تحدد في ضوئها من الذي يقاتل الى جانبها ومن لا يحق له ان يساهم في ذلك. وهو ما ادى الى زيادة شكوك الدول المعنية بطبيعة النوايا الكامنة وراء تشكيل التحالف الذي تقوده واشنطن منفردة بمعزل عن الدور الروسي.&

انضمام الصين الى التحالف الذي دعت اليه موسكو سيعني الكثير في الادراك الجيوبولتيكي. فالصين واحدة من الدول التي حذر رواد الجيوبولتيك الاوائل في المنظومة الغربية من بزوغها قوة منافسة لسطوة الدور الذي تمارسه القوة البحرية – الولايات المتحدة الامريكية. وهو ما حصل فعليا في النطاق الجغرافي المهم لتصادم المصالح بين بكين و واشنطن في المحيط الهاديء. هناك واشنطن باتت في وضع حرج حيث بدات قوتها بالتآكل في اكثر من مساحة. حلفائها في جنوب شرق اسيا لم يعودوا قادرين على مواجهة التنين الصيني الذي بات اليوم اكثر نضجا واستعدادا لممارسة دور القوة العظمى. الامر الذي يعني بان بروز الصين المفاجأ لواشنطن في شؤون مكافحة الارهاب بهذا الاندفاع , ان الاخيرة لم تعد تكتفي بالبحث عن مجال حيوي خالص لها في نطاقها الجغرافي , بل باتت بالتعاون مع الروس تسعى الى المشاركة في كسر الاسس الجيوبولتيكية لمبدأ كارتر في منطقة الشرق الاوسط.&

&في هذا الصدد هنالك تاكيدات بان احدى البوارج العسكرية الصينية قد رست بالقرب من ميناء طرطوس السوري , واشير الى إن هذه الخطوة قد جاءت مبنية على فكرة الوضع الاستراتيجي الحالي الذي يحيط بسوريا , مضيفا بذلك بعدا جديدا لدور موسكو و طهران في مواجهة داعش. هنالك اخبار اخرى تتحدث عن موضوع ارسال خبراء عسكريين و ايضا امكانية ارسال 1000 مقاتل الى القاعدة البحرية السورية. اضافة الى الالتحاق بالمركز الاستخباري الذي اعلن عنه في بغداد برعاية روسية – ايرانية – سورية لتبادل المعلومات حول حركة الارهابيين و نشاطاتهم.

يمكن للمرء إن يُذكر بالدور الامريكي في العراق بعد 2003 و كيف إن العلاقات السابقة بين العراق و الصين كانت من بين الاسباب التي اسهمت في التعجيل باتخاذ القرار الامريكي بضرورة احتلال هذا البلد , خاصة بعد إن تم التوقيع مع الجانب الصيني على الاستثمار في واحد من اهم الحقول النفطية في البصرة. اليوم تخشى الصين من إن تكون داعش مجرد اداة مضافة لتنفيذ اوامر المصالح و الشركات النفطية الدولية في الهيمنة على مزيد من النطاقات النفطية المهمة في العراق و سوريا بالطريقة التي تقود مجددا الى استبعادها عن المشاركة في الصناعة النفطية هناك. عندما ناخذ الامكانات النفطية للصين بنظر الاعتبار مع ما يصاحبها من عجز مهم في توفير الاحتياجات المستقبلية لها , نجد بان المخاوف من حرمانها من نفط العراق و سوريا سيزيد في حال تحقيقه من انكشافها النفطي و الاقتصادي لصالح منافسها الاخر – الولايات المتحدة الأمريكية. لذا فان الاندفاع الصيني المصاحب للروس لم يكن لينطلق في مثل هذه الحالة فقط من موضوع محاربة الارهاب لخشيتها من تمدده او عودة عناصره لتعمل في الداخل الصيني في واحد من اقاليمها الاستراتيجة ذي الاغلبية المسلمة. بل كان للنفط نصيب مهم في هذا التوجه الذي بات مؤثرا في رسم ملامح الجيوبولتيك للفترة القادمة من الزمن.&

قوى التحالف الروسي لمكافحة الارهاب يجمعها من جانب اخر مصلحة معلنة اخرى هي الحفاظ على التكامل الجغرافي للدول التي يهمين داعش على مساحات واسعة منها. وهو موقف اخر يتعارض فيه هذا الحلف مع الرؤى الامريكية التي يتبناها المحافظون بشكل خاص , الامر الذي يعطي لروسيا مساحة قبول اوسع في الاوساط الشعبية للدول المعنية التي يميل اغلبها الى فكرة الحوار الداخلي للتوصل الى مقاربات مناسبة بشان الادارة الجغرافية لاوطانها في المستقبل.&

بالنهاية لا تخلو لعبة الاستقطابات الجديدة من مخاطر رغم ما تحمله من آمال عريضة في موضوع مكافحة الارهاب. لذا يبقى الامل معقودا على دور الدبلوماسية الروسية في اقناع الغريم الامريكي على ايجاد مساحة مشتركة في الرؤية لواقع الازمة التي ستنتج عن تمدد التطرف و تحوله الى حالة مستدامة تهدد المنظومة الامنية الهشة لمجمل النظام الدولي. وهي الرؤية الواقعية الوحيدة التي يمكن عبرها الخلاص من هذا المأزق الذي خلقته الحسابات المغلوطة لواشنطن في قراءة الجغرافيا السياسية للمنطقة.&

&

اكاديمي عراقي&

[email protected]&