في الأفلام المصرية القديمة، عندما كان يلعب محمود المليجي دور الشرير رئيس العصابة، كان يحضر احد أفراد العصابة ويكلفه بمهمة خطيرة وكان رجل العصابة ورئيس العصابة المليجي يعرفان جيدا ان رجل العصابة رايح في ستين داهية في حالة فشل المهمة، وعندما يلحظ المليجي تردد رجله، فكان يطمئنه بالجملة الشهيرة: "ولا يهمك السجن للجدعان ولادك حيتربوا أحسن تربية" طبعا ومن المفهوم ان أحسن تربية سوف تكون تربية رئيس العصابة شخصيا والذي سيقوم بالصرف على اولاد وعائلة رجل العصابة المسكين، لست ادري لماذا تذكرت هذا المشهد وانا احاول تخيل احد فقهاء الاٍرهاب وأمير الاٍرهاب عندما يحاول إقناع شاب مسكين للذهاب لتنفيذ عملية انتحارية وهو يعرف يقينا انه لن يعود لاسرته ويطمئنه مثلما كان يفعل محمود المليجي ويقول له: "انت ذاهب الى الجنة ونعيمها والحواري العين، اما بخصوص أمك وأختك فلا تقلق سوف نقوم بعد الله بالواجب ونقوم بتولي كل شيء والحمد لله خير ربنا كبير& ولن ينقصهم شيء ان شاء الله، سر على بركة الله، ولو كنت في سنك لفعلت نفس الشيء، وها هو مبلغ بسيط تحت الحساب لإعطائه لوالدتك قبل الاستشهاد".

...
والسؤال هو: من أين يأتي الارهابيون بكل تلك الأموال ؟
ايام تنظيم القاعدة وفي وجود اسامة بن لادن قيل انه هو شخصيا يصرف على التنظيم لما له من نصيب في أموال شركة أسرته (شركة بن لادن للمقاولات وهي واحدة من اكبر شركات المقاولات في العالم) بمعنى اخر ان بن لادن كان يقوم (بالقاعدة كلها!! او بمعنى أصح بالقعدة كلها). والآن من يصرف على تنظيم القاعدة؟ وغيرها من التنظيمات الإرهابية؟
أعضاء التنظيمات الإرهابية يقدرون بالالاف وهم في حجم احد الجيوش المتوسطة وان كانوا ينتشرون في كل أنحاء العالم، أفراد تلك التنظيمات يريدون:
مرتبات
مصاريف انتقالات
مصاريف اتصالات
مصاريف علاج
مصاريف تعليم
مصاريف ذخيرة وقطع غيار للاسلحة
مصاريف لشراء أسلحة جديدة
مصاريف إعلامية ودعائية
مصاريف صيانة للمباني والمخازن التي يستولون عليها
وغيرها من مصاريف اي جيش نظامي

...
كانت بعض الجماعات الإرهابية في مصر في فترة التسعينيات تقوم بسرقة محلات الذهب وخاصة تلك التي يملكها المسيحيين (على أساس ان اموالهم ونساءهم حل لنا!!)
جماعة الاخوان المسلمين كانت موسسة اقتصادية ربحية لها شركات تجارية وعقارية وصناعية ومن أرباح تلك الشركات تقوم بتمويل نشاطها هذا بالاضافة الى اشتراكات الأعضاء المسجلين في الجماعة
جماعات مثل بوكو حرام والشباب الصومالي تقوم بسرقة أموال الغير لتمويل عملياتها كما انها احيانا تقوم ببيع الفتيات الآتي يقمن باختطافهن.
جماعة داعش أصبحت شبه دولة بالفعل لها مواردها من بيع البترول في السوق السوداء لمن يشتري حتى لو كان يثمن بخس، كما انها تقوم بتحصيل الجزية من غير المسلمين وتقوم بتحصيل الزكاة من المسلمين، كما انها تقوم بالاستيلاء على الأموال في البنوك في المدن التي تستولي عليها ، كما تقوم بمصادرة أموال ومنازل ومحلات من يهربون من حكمهم.
وطالبان في أفغانستان كانت ومازالت تقوم ببيع الأفيون (وهو من اهم المحاصيل في أفغانستان)
فما هي مصادر التمويل الاخرى؟ الحقيقة ان الموضوع يحتاج الى أبحاث كثيرة لتقصي أصل الأموال التي تصل للجماعات الإرهابية.
هناك الجمعيات التي تدعي انها جمعيات خيرية وتقوم بجمع الأموال بهدف بناء المساجد ومساعدة فقراء المسلمين، وانا على يقين من ان بعض تلك الأموال تذهب لتمويل اعمال ارهابية.
وهناك بعض الاثرياء من المسلمين الذين يؤمنون بفكرة الدولة الاسلامية والامة الاسلامية الواحدة وهم على استعداد للاشتراك في تنفيذ هذا الغرض "السامي" بتمويل اعمال ارهابية غير سامية.
وهناك بالتأكيد اجهزة مخابرات عالمية ترغب في خلق عدو جديد للغرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وهذه الأجهزة من الممكن ان تقوم بتمويل كل الأطراف المتصارعة لكي يبقى الصراع بدون نصر حاسم او هزيمة حاسمة.
وهناك بالطبع بعض الدول والتي لها مصالح خاصة في دول اخرى ولا تريد ان ينتقل الصراع والحرب الى ملعبها وتفضل ان يظل الاضطراب والصراع على ملاعب خارجية، هذه الدول تقوم بالتمويل والتسليح والتدريب، واذكر من هذه الدول على سبيل المثال لا الحصر امريكا وإيران وروسيا.
وهناك تجار الأسلحة حول العالم والتي لا تنتعش تجارتهم الا في ظل الصراعات الدولية والإقليمية، هولاء بلا شك لهم دخل في تمويل بيع الأسلحة والذخيرة، لان الأسلحة لا قيمة لها بدون ذخيرة.

...
الان وقد عرفنا مصدر تمويل الاٍرهاب، كيف يمكن تجفيف مصادر التمويل تلك؟
هناك مصادر تمويلية من الصعب جدا تجفيف مواردها وهي التمويل من الدول واجهزة المخابرات على أساس ان: "حاميها حراميها"
اما المصادر الاخرى، مثل التمويلات الشخصية وتمويلات الجمعيات الخيرية والتبرعات فيمكن مراقبتها عن طريق البنوك وقد بدأت بالفعل& البنوك في كافة أنحاء العالم في مراقبة الإيداعات والتحويلات الدولية بشكل بدا يضر ببعض المعاملات التجارية والشخصية والتي لا علاقة لها بالارهاب.
وما يعوق مراقبة تلك الأموال الإرهابية هو انها تكون في كثير من الأحيان على حساب الحرية الشخصية والتدخل في حياة المواطنين العاديين غير الإرهابيين، والحريّة الشخصية مقدسة في الغرب ولا يمكن التنازل عنها في سبيل تحقيق الأمن الامر الذي رفض بموجبه الكونغرس الامريكي مؤخراً تجديد قانون يسمح برقابة المواطنين بدون علمهم.
وارى انه يجب وضع اتفاقيات دولية تسمح بالقضاء على تجارة السوق السوداء مثل تجارة بيع البترول والتي تقوم بها داعش في العراق وسوريا وليبيا للحصول على تمويل.
وفكرت ايضا انه يمكن طباعة أوراق بنكنوت جديدة للعملات الحرة مثل الدولار واليورو، الامر الذي سوف يضطر معه الارهابيون والذين لا يتعاملون الا بعملة "الكفار" في ان يخرجوا دولاراتهم من تحت البلاطة لاستبدالها بالأوراق الجديدة وساعتها ممكن مصادرتها ان أمكن .
يمكن تقليل مبلغ الدولارات المسموح به في الدخول والخروج من البلدان حول العالم الى ٥٠٠٠ دولار بدلا من ١٠٠٠٠ دولار.
باستخدام النانو تكنولوجي الحديثة يمكن طباعة عملات بها شريحة الكترونية غاية في الدقة، ويمكن عن طريق تلك الشريحة معرفة إماكن تبادل تلك العملات في امكان تجمع الإرهابيين.
خبراء حل الشفرات والكود يمكنهم من خلال متابعة وسائل التواصل الاجتماعي ان يكتشفوا بعض المؤامرات الإرهابية وكذلك مصادر تمويل تلك المؤامرات.
يجب مراقبة مصادر تمويل واوجه صرف كل الجمعيات الخيرية ويجب ان يتم هذا عن طريق اجهزة الأمن القومي ومصلحة الضريبة بالتعاون مع البنوك.
والامر ليس بالسهل وخاصة ان التنظيمات الإرهابية أصبحت اكثر علما وأكثر تدريبا وأصبحت مثل الفيروسات التي تغير من تكوينها باستمرار لكي تقاوم أدوية المضادات الحيوية.
ولكنها معركة مستمرة ويجب استخدام كافة الأسلحة ، وتجفيف مصادر التمويل المالية هي واحدة من اهم أسلحة المعركة ضد الاٍرهاب.

[email protected]

&