عاد رئيس الوزراء العراقي السابق ونائب الرئيس الحالي نوري المالكي الى الأضواء مجدداً على خلفية المعركة بينه وبين رئيس الوزراء الحالي (العبادي) دستورياً وسياسياً فبدأ الطرفان في كشف خبايا الفساد الضارب أطنابه في العراق وطغمته السياسية الحالية.
تسريبات جديدة في بغداد كشفت عن واحدة من خفايا ملفات الفساد المالي بحكومة نوري المالكي السابقة تتضمن معلومات ووثائق تشير إلى تمويل الأخير قناته الفضائية الخاصة "آفاق" من المال العام وتحديدًا من موازنة مجلس الوزراء العراقي المالية. ونقلت مواقع محليّة عراقيّة مختلفة عن أحد العاملين في القناة قوله إنّ "المالكي أسس وموَّل القناة من المال العام ويدفع ولا زال رواتب العاملين فيها من صحافيين وفنيين وإداريين من موازنة الحكومة التي كان يرأسها لثماني سنوات وأطيح به في انقلاب أبيض قادته كتل سياسية".
ووفقًا للتسريبات، فإن مليون دولار شهريًا، هي مجموع نفقات القناة شاملة لمرتبات الموظفين وأجور البث وتمويل مكاتب القناة في تسع عواصم أبرزها بغداد وبيروت وطهران والقاهرة ولندن. ووفقًا للتسريبات التي نشرتها وكالة "سومر نيوز" العراقية، فإن القناة ما زالت تمول من موازنة الحكومة (المال العام) وسببت هدراً لمبالغ طائلة من أموال ميزانية الدولة العراقية وللقناة 9 مكاتب موزعة في إيران وسورية وفلسطين ولبنان وتركيا وبريطانيا وأميركا والسويد ويديرها 36 موظفاً أغلبهم من غير العراقيين.
512 منتسباً في القناة تُصرف رواتبهم مباشرةً من مكتب رئيس الوزراء السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي نوري المالكي فيما ينسب العنوان الوظيفي هؤلاء العاملين إلى مكتب رئيس الوزراء أو الأمانة العامة لمجلس الوزراء
20 دونماً تم تخصيصها كملكية عائدة للقناة في فترة حكم نوري المالكي عام 2009 من الأرض التابعة لمطار المثنى العائدة لبلدية المنصور في بغداد وتم حسابها بمبلغ مائة ألف دينار (85 دولار) للمتر الواحد في الوقت الذي يفوق سعر المتر الواحد في تلك المنطقة ثلاثة آلاف دولار. جميع موظفي القناة البالغ عددهم 512 منتسباً تم إيفادهم إلى مختلف دول العالم في دورات تدريبية مدتها شهر واحد في طهران والقاهرة وبيروت وباريس وتصرف أموال طائلة لهم في تلك الدورات التدريبية، عدد آخر من وسائل الإعلام المقروءة كصحف الاتحاد والدعوة وإذاعة آفاق وإذاعة بنت الهدى ومجلة قبضة الهدى التابعة لحزب الدعوة جميعها تصرف مخصصات عامليها وموظفيها من الأمانة العامة لمجلس الوزراء. تسريب هذه المعلومات يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة الخضراء والبرلمان العراقي احتدام الجدل بين الأحزاب والكتل السياسية إثر الإصلاحات السياسية التي أطلقها رئيس الوزراء حيدر العبادي مطلع أغسطس/آب الماضي.
واقع الحال يشير إلى أن عشرات القنوات الفضائية والصحف والمجلات باشرت العمل في العراق بعد 2003 أغلبها تابعة لأحزاب وكتل سياسية ويصرف على هذه الفضائيات والصحف من ميزانية الدولة خصوصاً خلال حكومتي المالكي بين عامي 2006 -2014. ونشر ناشطون قائمة أولية بأكثر من 35 قناة فضائية في البلاد قالوا إنها تخضع لإشراف مباشر من قبل الحرس الثوري الإيراني لكن بتمويل من المال العام.
ميزانية الدولة تهدر بشكل مخيف على هذه الفضائيات والصحف والمجلات بلا هدف مثمر ولا فائدة تعود على العراق سوى نشر الفتن الطائفية والخزعبلات التي لا تلائم عادات وتقاليد الشعب العراقي بل إنها تسببت في تمزيق النسيج المجتمعي وبث الفرقة والفتن الطائفية البغيضة. وإذا علمنا أنَّ تكلفة إيجار خط على القمر الصناعي تكلف ما يقرب من 500 ألف دولار سنوياً وأجور الضيوف الذين تستضيفهم هذه القنوات تصل إلى 100 ألف دولار على أقل تقدير سنوياً فضلاً عن أجور البث المباشر وصرفيات أخرى يكون مجموع صرفيات القناة الواحدة سنوياً ما يزيد عن مليون و500 ألف دولار سنوياً وبحساب بسيط نجد أنَّ القائمة الأولية هذه والتي تضم 35 قناة فضائية نجد أن مجموع ما يصرف عليها من ميزانية الدولة العراقية يزيد عن 50 مليون دولار سنوياً.
الهرطقة الإعلامية المنتشرة في العراق وانتشار عشرات الفضائيات والصحف أغلبها تابعة لأحزاب سياسية تصرف عليها الدولة، يشير إلى مدى تغلغل الدولة في مرافق العمل الإعلامي في العراق، لكنه هذه المرة لحساب أحزاب وجماعات سياسية دينية ولاءاتها للخارج ولا تنصت إلى نبض الشارع العراقي إلا بما يقتضيه الحال ويفرضه، وبما يتناسب مع السياسة العامة للحكومة الموالية بدورها لطهران وملاليها.
ما حصل في العراق بعد 2003 شيء غير معقول أبداً في الجانب الإعلامي والسرقات الخطيرة والعملاقة للميزانية العراقية بسبب هذه الفضائيات في الوقت الذي يعاني فيه الشعب العراقي من الجوع والفقر والبطالة وفقدان الأمن، لقد جعل رئيس الوزراء السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي خلال فترة حكمه بين عامي 2006 -2014 من الإعلام العراقي مهزلة وأخذ يصرف ميزانية الدولة على هذه الفضائيات التي تبث سمومها الطائفية على مدار الساعة، في خدمة أي شي وأي مصدر خارجي (إيران هنا بالضرورة) إلا الشعب العراقي الذي بات يرزح تحت خط الفقر والجهل والطائفية السياسية والدينية!.

هشام منوّر... كاتب وباحث
&