&
&
الفشل في بناء الدولة الحديثة وفي ارساء أسس المجتمع المدني والحفاظ على مؤسساتهما العابرة تعريفا للسياسة ولتقلّباتها الدورية، كان ولا يزال هو أسّ الأزمات العميقة التي سنظلّ نعانيها أبدّا.
&ثمّة اعتقاد وهمي بالأفضلية لإنجاز المهمّات الوطنية الأساسية. مَن أفضل من مَن؟. أحزاب وكتل سياسية ومليشيات وعشائر عاشت ولا تزال تعتاش على تلك الأوهام. أوهام تعارك بعضها. أشباح تستعمل البشر والأحياء شرّ استعمال.
&الشبّيحة أصبحت مفردة سياسية متداولة مؤخرا. نحن الذين تأخرنا كثيرا في استخدامها. كان ينبغي أن نراهم في صوّرنا التي تتلاشى رويدا رويدا في المرايا المهشّمة. "ما عفريت الاّ بني آدم". يقول المثل الشعبي المصري. كانوا فينا وبيننا ثمّ استدعيناهم فلبّوا النداء.&
صورة الحاضر المعتقل في سجون الماضي. وفي ما وراء المرآة. قياداتنا السياسية والحزبية والإجتماعية والدينية والعشائرية. نخبنا التي مجّدناها طويلا وسرنا وراءها كالخراف المطمئنة صوب المذبحة. وكابرنا الاّ أن نرى أنفسنا فيهم. الذوات السجينة في جلودها ستحمل حارس الزنزانة معها في خلايا الدماء وفي المسامات وفي كلّ شهيق وزفير.
الوحوش التي تسكننا هي عنوان الفشل. نحن نقلّدها ونعيد انتاجها. نتجاوزها في السلبية ولا نتحرّر منها. نقارن دوما بين ظالم وظالم. أمّا العدالة التي نتطلع اليها فسوف تبقى نحيلة ومحشورة كنخلة عراقية ثكلى ما بين ظالمين.
الفشل السياسي ليس دائما هو نقيض النجاح. الفشل العراقي له بعد آخر. خارج الزمان والمكان.
&قالوا قديما أنّ النجاح هو المقدرة على الإنتقال من فشل الى فشل وبنفس الإرادة والحماس. فبغيرها ما تعلّمنا المشي ونحن صغار. لكنّ الفشل العراقي متآمر وخبيث في أغلب الأحيان. يتآمر على النجاح ويقصيه ويحسده بنفس الوقت. يبيع غاليا ما يشتري منه مجانا.
أمراء الفشل وغلمان الإخفاقات التاريخية الطويلة يحكموننا اليوم. وأشباح الماضي التي سكنتهم طويلا تعيد انتاجهم في كلّ عصر وأوان. لا هم يتحرّروا منها ولا هم قادرون على التصالح مع أنفسهم. قادة وقيادات وقواعد. الإستثناء هو فقط في المقابر والمنافي وفي جيوب النسيان.
الحرّية لها ثمن باهض. في عالم القيم الإنسانية لا شيء يأتي بالمجان. القانون الذي يكفل الحرّيات لا يسنّه الفاشلون ولا المحتلون ولا أشباه الرجال. سوف لا تكون حرّا بمجرّد سقوط الطاغية. فهو مؤسسة وعقلية ومنهج تفكير وطريقة ادارة ونظام حكم. الطغاة ليسوا أفرادا فحسب وانّما عفاريت وأشباح تتناسل فينا على هيئة بشر. وما علينا الاّ أن نراهم كلّ يوم في المرآة. مَن سيكسرها؟.
&
باريس
&