ليس سهلا انقاذ لبنان، او ما بقي من الجمهورية اللبنانية، بعد كلّ هذا العبث المستمرّ منذ ما يزيد على عقد من الزمن. هناك انقلاب ينفّذ منذ ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط ـ فبراير 2005. يستهدف هذا الإنقلاب منع لبنان من استعادة عافيته بأي شكل وفي ايّ ظرف. هذا ما يفسّر الى حد كبير التركيز على تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الأخرى.
تمرّ بعد ايام قليلة الذكرى العاشرة لإغتيال الزميل والصديق جبران تويني الذي كان يمثّل قدرة جريدة "النهار" العريقة على الإستمرار ومواجهة التحديات، بصفة كونها احدى المؤسسات المرتبطة ببيروت ودورها الإقليمي.&
كانت "النهار" جزءا من بيروت. يتبيّن اليوم ان اغتيال جبران جاء في سياق القضاء على المدينة وعلى كلّ رمز لبناني وصولا الى مرحلة بات السؤال فيها هل يمكن انقاذ الجمهورية؟
هل يمكن انقاذ الجمهورية، على الرغم ان المطروح من اجل انقاذها القبول بسليمان طوني فرنجيه، "صديق بشّار الأسد"، كما يقول هو، رئيسا للجمهورية بصفة كونه مرشّحا توافقيا؟&
ما نشهده اليوم، وما شهدناه منذ العام &2004، اي منذ التمديد لإميل لحود، على الرغم من صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، هو سلسلة من الأحداث تصبّ في نهاية المطاف في جعل الشباب اللبناني يهاجر من لبنان كي يبقى "ساحة" للبؤس والبؤساء وكي تنتشر ثقافة الموت التي يؤمن بها "حزب الله" الذي جلب "داعش" وما شابه "داعش" الى لبنان.&
مطلوب اكثر من اي وقت تيئيس اللبنانيين وجعلهم يكفرون ببلدهم ويتركون ارضهم. يتردّد هذا الكلام عن اليأس من لبنان على لسان عدد كبير من الشبان يمكن للمرء ان يلتقيهم في ابو ظبي او دبيّ، على سبيل المثال وليس الحصر. صار هناك جيل ثان من اللبنانيين ولدوا في دولة الأمارات وليس في لبنان. هؤلاء يرون مستقبلهم خارج لبنان.
مثل هذا الكلام عن الشعور باليأس مبرّر، خصوصا &انّ كلّ الشخصيات اللبنانية مهدّدة، كلّ المؤسسات اللبنانية مهدّدة، كلّ القطاعات مهدّدة. ثقافة الحياة باتت مهدّدة. لم يعد امام اللبنانيين سوى خيار سليمان فرنجيه، لعلّ وعسى يؤدي انتخابه رئيسا الى عودة، واو خجولة، لمؤسسات الدولة اللبنانية التي باتت في معظمها اسيرة "حزب الله".&
هل كثير على لبنان ان يكون هناك فيه من يجمع النفايات؟ هل كثير على البلد ان يكون فيه كهرباء ومياه وان تتوافر للشبّان فرص عمل لائقة؟
الماء والكهرباء والنفايات غيض من فيض ما يعاني منه اللبنانيون الذين باتوا يقتقدون الأمن والشعور بالإستقرار وبامكان تربية اولادهم في بلدهم وليس خارجه.
كان مفترضا في الزعماء اللبنانيين، خصوصا المسيحيين، الإتفاق على مرشّح معقول ومقبول تفاديا للوصول الى خيار سليمان فرنجيه. هذا الخيار لا يمكن عزله عن الحدث السوري وانعكاساته على الداخل اللبناني. هناك نظام سوري سقط بغض النظر عن كل ما قيل ويقال عن ان بشّار الأسد لا يزال في دمشق، هناك منطقة علوية صارت في عهدة فلاديمير بوتين، وهناك مناطق اخرى داخل دمشق وحولها في عهدة "الحرس الثوري" الإيراني وتوابعه من ميليشيات مذهبية لبنانية وعراقية وافغانية...
كان يُفترض بالزعماء المسيحيين الذين يعترضون حاليا على سليمان فرنجيه، ومن حقّهم الإعتراض عليه، خصوصا اذا كانوا ينتمون الى "الرابع عشر من آذار" وما تمثّله على الصعيد الوطني القيام بخطوة ما تسهّل انتخاب رئيس للجمهورية. في النهاية، ما تمثّله "الرابع عشر من آذار"، هو نقيض ما يمثّله سليمان فرنجيه الذي كان عليه المزايدة على بشّار الأسد ليلا نهارا كي يقنعه بانّه الحليف المخلص الذي يمكن الإعتماد عليه وانّه حاقد حقيقي على رفيق الحريري، بل يتفوّق عليه في حقده على الرجل الذي اعاد بناء بيروت ووضع لبنان مجددا على خريطة الشرق الأوسط والعالم.
من حقّ هؤلاء الزعماء المسيحيين رفض سليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية، ولكن ماذا فعل هؤلاء من اجل ايجاد رئيس للجمهورية في وقت كان هدف "حزب الله" ولا يزال تكريس الفراغ الرئاسي مستخدما اداته المسيحية التي اسمها ميشال عون.&
ببساطة، ان الزعماء المسيحيين المتمسكين بالسيادة والحرية والإستقلا لم يتمكنوا من عمل شيء لكسر الحلقة المغلقة التي صنعها "حزب الله" مستفيدا من ميشال عون. هذا لا يعني ان اللوم كلّه على هؤلاء الزعماء المسيحيين، ذلك ان تيّار "المستقبل" لم يكن في اي وقت في وضع يسمح له بالخروج من الحلقة المغلقة التي فرضها الإيراني على لبنان واللبنانيين بواسطة ميشال عون.
في ظل الهجمة التي يتعرّض لها لبنان، وفي الذكرى العاشرة لإغتيال جبران تويني الذي كان ولا يزال يمثّل ارتباط ثقافة الحياة ببيروت، هو وكلّ الشهداء من سمير قصير الى بيار امين الجميّل ووسام الحسن ومحمّد شطح، مرورا بجورج حاوي ووليد عيدو وباسل فليحان &وانطوان غانم ووسام عيد وغيرهم من الذين راحوا ضحية آلة القتل السورية ـ الإيرانية، لا مفرّ من السعي الى معرفة ماذا يريد "حزب الله". بكلام اوضح ماذا تريد ايران؟
سنعرف قريبا هل تريد ايران متابعة استخدام ميشال عون من اجل تغيير النظام في لبنان انطلاقا من تكريس الفراغ الرئاسي... ام انّ شيئا ما تغيّر في ما يخص نيّاتها اللبنانية في ضوء الدخول العسكري لروسيا على الخط السوري؟
للمرّة المليون، لا وجود لما يؤكّد هل سليمان فرنجيه الحفيد بعد سقوط النظام السوري هو غير سليمان فرنجيه الذي كان يقول كلاما حاقدا على رفيق الحريري تمهيدا لتفجير موكبه.
يمكن عندئذ ان تكون لسليمان فرنجيه فائدة ما. سيتبيّن هل تغيّرت ايران وتخلّت عن مشروعها في لبنان؟ هل بات في الإمكان انقاذ ما بقي من الجمهورية، على الرغم من انّها تستأهل رئيسا افضا بكثير من سليمان فرنجيه، مثلما كانت تستأهل رجلا افضل من جدّه الذي لعب دورا في اغراق لبنان في الدمّ ابتداء من العام 1975؟&
&