استبشرتُ خيراً عندما سمعت ورأيت وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي يزور دمشق الأسبوع الماضي ويلتقي الرئيس السوري بشار الأسد، ويبحث معه حل الأزمة السورية، ولا أعتقد أن زيارته شخصية، وانما حمل تخويلا من الدول الخليجية وفي مقدمتها المملكة السعودية.

ومع أن أفق حل الأزمة السورية ووقف الحرب فيها بات أكثر وضوحا بعد بدئ الضربات الجوية الروسية التي قلبت المعادلة رأسا على عقب، وكذلك التقدم الذي يحرزه الجيش السوري على الأرض، إلا أن زيارة بن علوي تحمل في طياتها الكثير من المعاني وفي مقدمتها أنها تعبر عن تغيير في الموقف الخليجي من الأزمة وبالتحديد من قضية بقاء أو رحيل الرئيس السوري.

يعود توسمي خيرا بزيارة بن علوي الى دمشق، إلى أن مسقط لعبت دورا كبيرا جدا في انجاح المفاوضات النووية الايرانية مع الغرب، وبلغت جدية وجهود مسقط لانجاح هذه المفاوضات حدا أن السلطان قابوس بذاته قام بزيارة طهران والتقى قياداتها، وكما هو معروف فان مشاركات السلطان قابوس في القمم الاقليمية والدولية وزياراته للدول تقلصت للغاية في الآونة الآخيرة واقتصرت على الزيارات التي تتعلق باجراء الفحوصات الطبية، لذلك فان زيارته لطهران في آب / أغسطس 2013 تتضمن العديد من المؤشرات والدلالات.

ولا أبالغ اذا قلت أن مسقط حالت دون وقوع أزمة كبيرة بين ايران والغرب عام 2004 في قضية احتجاز ايران للبحارة البريطانيين، حيث توسطت في اطلاق سراح البحارة، وايضا ساهمت عمان في اطلاق سراح 3 أميركيين دخلوا للاراضي الايرانية من مناطق شمال العراق بصورة غير شرعية عام 2011، غير أن مسقط توجت كل وساطاتها لحل أزمات ايران مع الغرب بالملف النووي، مما جعل المسؤولون الايرانيون يقرون بين فترة وأخرى بمدى أهمية البصمات التي تركتها مسقط على هذا الملف.

ما يميز الدبلوماسية العمانية هو هدوئها، ففي الوقت الذي تحقق فيه الانجاز تلو الانجاز إلا أنها لا تثير أي ضجيج، عكس بعض الدول التي لا تتمتع بأي محل من الأعراب لكن صراخها يملأ الدنيا كلها، الأمر الذي يدفعنا إلى طرح السؤال التالي وهو، ما السر الحقيقي في نجاح الدبلوماسية العمانية؟

سببان رئيسيان وراء هذا النجاح الباهر، الأول، حيادية مسقط، والثاني ارادة طرفي أو أطراف النزاع، فلا يكفي وجود الحيادية لدى الوسيط، بينما لا تكون هناك ارادة حقيقية وجادة في التوصل الى حل لدى أطراف النزاع، عندها ستكون كل جهود الوسيط هواء في شبك، كما أن وجود ارادة حقيقية لدى المتنازعين لا يضمن معها ابرام اتفاق صلب بوجود وسيط منحاز، ولهذا نجحت مسقط في وساطتها بالملف النووي الايراني، فقد كانت هناك ارادة حقيقية للحل.

ما أقصده بالارادة الحقيقية هو اصرار الطرفين على التوصل الى حل للمشكلة، الأمر الذي يقتضي تذليل العراقيل والعقبات مما يعني أن الأمر اذا تطلب تقديم التنازلات، فيجب تقديمها لكن بشرط أن لا تكون التنازلات من طرف واحد، لأنه سيشعره بالغبن ويهدد بالغاء الاتفاق مجرد أن يشعر الطرف المغبون أنه أصبح قويا.

ايران قدمت تنازلات في المفاوضات النووية، فوافقت على كل ما يطمئن الطرف الآخر من أنها لا تسعى لصناعة القنبلة، وما دامت طهران لا تريد صناعة القنبلة النووية وانها تعلن ذلك جهارا نهارا فمالداعي من التمسك بمشاريع تدخل في صناعة القنبلة النووية؟ لذلك تخلت عنها أو لنقل أنها قدمت تنازلات بهذا الخصوص، لكنها في نفس الوقت لم تتخل بتاتا عن شرطي، ضرورة الاحتفاظ بالمشروع النووي والغاء كافة أنواع الحظر، فقدم الطرف الآخر من جانبه التنازلات ووافق على ابقاء المشروع النووي بعد ان كان يصر على تجميده وتفكيك كل منشآته، كما وافق على الغاء كافة أنواع الحظر، ولذلك نجح الاتفاق.

وساطة مسقط لحل الأزمتين اليمنية السورية تواجه تحديا كبيرا، ومع أن طرفي النزاع لا يراودهما ادنى شك في حيادية مسقط، غير أن وضع الشروط التعجيزية ينسف أية فرصة للتوصل الى حل واتفاق، فالشرط الذي وضعته المعارضة السورية والدول التي تدعمها برحيل الرئيس السوري من المستحيل تنفيذه وهو عامل أساسي في استمرار الحرب وتدمير سوريا، وقد أثبتت السنوات الماضية أن المعارضة ومن يقف وراءها غير قادرة على تحقيق هذا الشرط، مما يستدعي التخلي عنه من أجل وضع حد للدمار وسفك الدماء وهدر الثروات، كما أن الحكومة السورية أبدت استعدادها للاستجابة الى مطالب المعارضة ما عدى شرط تخلي الرئيس عن السلطة.

والأزمة اليمنية لا تختلف عن السورية، فمطالبة الحوثيين بتسليم أسلحتهم والمقرات التي يسيطرون عليها والعودة الى جبال صعدة، والقبول بعبد ربه منصور هادي رئيسا لليمن؛ هذا شرط تعجيزي لن يتحقق بتاتا، ولن يؤدي سوى إلى مزيد من الدمار وسفك الدماء وهدر الثروات، لذلك فان التخلي عن هذا الشرط والتأكيد على اشراك الجميع في الحوار لحل الأزمة خطوة أولى لحلحلتها، خاصة وأن الحوثيين برهنوا على أنهم لا يريدون الاستفراد في الحكم، بل عدم تشكيلهم للحكومة منذ سيطرتهم على أغلب المناطق والى هذا اليوم دليل واضح على أنهم فتحوا الباب على مصراعيه لمناقشة أية حلول للمشكلة.

من المؤكد أن مسقط استلمت ضوءا أخضرا من اطراف النزاع في سوريا واليمن، وهو ما عبرنا عنه بالارادة الجدية، لذلك تحركت لحل الأزمتين، ولكن مهمة مسقط الشاقة لا تتمثل بالضوء الأخضر وانما باقناع الأطراف المتنازعة بضرورة تقديم التنازلات للبرهنة على ارادتهم على الحل.