&

فجأة وبدون سباق إنذار أعلنت شركة كهرباء إسرائيل يوم الأحد 6 من الشهر الحالي أنها حصلت علي حكم صادر من مركز التحكيم الدولي بغرفة التجارة الدولية (ICC ) بجنيف بتغريم الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية " إيجاس " والهيئة المصرية العامة للبترول بسداد تعويض لها قميته حوالي 8ر1 مليار دولار إضافة إلي سداد مبلغ 288 مليون دولار لصالح شركة شرق المتوســـــــــط ( EMG ) التى أسسها حسين سالم وآخرون بصفتها الطرف الذي قام بابرام العقد بين الجانب المصري ممثلا في هاتين الجهتين والشركة الإسرائيلية " كتعويض لهما عما تكبدا من خسائر " منذ أبريل عام 2012 بسبب وقف تصدير الغاز المصري إلي EMG التى كانت تتولي توصيله إلي الشركة الإسرائيلية بموجب الإتفاق الذي كان كانت مدته الزمنية 20 عاماً.&

في خضم هذه الدوامة المزلزلة، فوجئنا بالمتحدث الرسمي بأسم رئاسة مجلس الوزراء يؤكد ان الحكومة المصرية " ليست طرفا في هذا النزاع!! لأن الحكم يتعلق بالتحكيم التجاري بين الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة القابضة من ناحية وشركة كهرباء إسرائيل من ناحية أخري، الأمر الذي جاء منافيا للواقع وللحقيقة.

وكما فوجئنا بهذا الحكم، فوجئنا قبل عشر سنوات.&

بأن الحكومة المصرية آنذاك أبرمت في يونية عام 2005 اتفاق مع إسرائيل يتم بموجبه تصدير الغاز إلي الشركة التى تنتج القوي الكهربائية بها عبر طرف ثالث هو شركة غاز شرق المتوسط التى أسسها حسين سالم برأس مال إسرائيلي / أمريكي مشترك قبل ذلك التاريخ بخمس سنوات.&

و بأن الإتفاق الذي يوفر ما حجمه 7ر1 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز المصري لإسرائيل ( توازي 40 % من إحتياجاتها ) بأبخس الأثمان – سعر الوحدة بالمتر المكعب ثلاثة أرباع الدولار وبحد أقصي دولار ونصف بينما كان سعره – آنذاك - في حدود سبعة دولارات، ويسقط عن الجانب المصري حقه في مراجعة الإسعار وفق جداول زمنية محددة كما هو متعارف عليه علي كافة مستويات التعاقدات الدولية المماثلة.&

وأنه تم التوصل إليه بين أربعة جدران بعيداً عن الأجهزة السيادية والأمنية المعنية وكذا المجلس التشريعي، لكي يُخفي في طياته ما تضمنه من مواد تمثل أعتداء صارخ علي السيادة المصرية التى فرطت حكومتها في ثروات شعبها.&

وفوجئنا بإنكار كبار المسئولين وصغارهم أن الحكومة المصرية لا تقوم بتصدير الغاز لإسرائيل، وتمسكهم بالتعتيم المتواصل علي ما كان يثار من إستجوابات من فوق منبر مجلس الشعب وعلي التعريض بأصحاب الأقلام التى كشفت ما تخفيه عن الشعب في هذا الخصوص، وأدركنا كمجتمع مدني ونخبة ثقافية تنويرية حجم الكارثة عندما قضت المحكمة الإدارية العليا في فبراير 2009 بوقف حكم محكمة القضاء الإداري التى أصدرت قبل ذلك بعدة أشهر حكماً يطالب الحكومة بـ " بوقف تصدير الغاز إلي إسرائيل " وقبول الطعن المقدم من الحكومة " باعتبار الإتفاق عملا من أعمال السيادة "!!.&

ولا زالت حالة الفجائية متواصلة. لأن كافة القضايا التى رفعها خبراء ونشطاء قانونيون لوقف العمل لهذه الإتفاقية المعيبة التى تضر بسيادة الدولة المصرية وتهدر ثرواتها إنتهت إلي لا شئ ولم تُفلح القوي الشعبية والسياسية في تقديم المسئولين عن إبرامها بهذه الكيفية المنافية للدستور والقيم إلي المحاكمة حتى اليوم!!.&

خط الأنابيب الذي شقته شركة غاز شرق المتوسط من العريش إلي عسقلان بطول حوالي 100 كيلو متر، بدأ تشغيله فعليا في فبراير عام 2008، وتعرض للتخريب أكثر من مرة في أعقاب ثورة يناير 2011 مما أدي إلي تعطيل نقل الغاز إلي إسرائيل بضعة أسابيع متقطعة، مما دفع بشركة كهرباء إسرائيل إلي تقديم دعوى ضد الشركة القابضة المصرية للغازات وهيئة البترول بسبب ما وصفته بالأضرار التى تتعرض إليها بسبب هذه التفجيرات مما " إضطرها إلي إستيراد الغاز وفق الإسعار العالمية. وذلك بموجب معاهدة مصرية / امريكية لحماية الإستثمار!!.&

نحن إذن أمام حالة من الإفساد والفساد السياسي متكاملة الأبعاد.&

يشير بعدها الأول إلي إصرار فئة من كبار التنفيذيين علي التعامل مع حقوق الدولة المصرية السيادية عبر الإعلان عن أرقام مزورة، وقيامهم بتوقيع إتفاقية أقل ما توصف به أنها تُضيع حقوق الشعب المصري.&

أما بعدها الثاني فيشير إلي إنتفاء الشفافية والمصداقية فيما يخص حق الشعب المصري في أن يعرف حجم ما يملك من ثروات وكيف يمكن إستثمارها لصالحه ولتعزيز خدمة مستقبل أجياله القادمة دون سرقة أو نهب.&

والبعد الثالث يؤكد ان هذا الإصرار المغلف بعدم الشفافية الكاره للمصداقية يُعد بيئة صالحة لتكريس الفساد وتعظيم شأن المُفسدين، ويوفر المناخ المعادي للعدالة الإجتماعية.&

يمكن القول.&

أن هذه الإتفاقية بكل ما حوته من عيوب وما تضمنته من إهدار لثروات الشعب المصري وما عسكته من أضرار بالغة بالصالح العام، لم تكن بعيدة عن نبض الشارع أو الرأي العام المصري. فقد تعرضت للنقد منذ تسربت أخبارها وكُشف الستار عن بنودها، دون جدوي، وبالرغم من ذلك لم تَضع محاكمة سامح فهمي وزير البترول السابق الأمور في نصابها كما لم تُعد للشعب المصري حقوقه حتى بعد قرار وقف تصدير الغاز إلي إسرائيل.&

بل فوجئنا بحكم مركز التحكيم الدولي الذي لو أجبرت الحكومة المصرية علي تنفيذه بوسيلة أو بأخري!! سيكلف ميزانيتها حوالي 17 ونصف مليار جنيه مصري!! الأمر الذي سيضيف أعباء كثيرة علي الإقتصاد المصري هو في غني عنها، وبالتأكيد سيعطل الكثير من المشاريع التى من المتوقع ان تخفف من أزمته الحالية الطاحنة.&

من جانبنا&نأمل أن تكون الدفوعات القانونية التى بشرتنا الجهات المصرية المسئولة بأنها ستجهزها قبل إنقضاء فترة الستون يوماً التالية لصدور هذا الحكم، مرتكزة علي حقائق تقنع مركز التحكيم بفساد وجهة النظر الإسرائيلية ومن ثم تسقط حكم الغرامة المشار إليه.&

ونأمل ان يكون نشاط القائمون علي هذا الملف مستنداً إلي قواعد فقهية قابلة للتطبيق، ولهم في نموذج الفريق القانوني الذي كان مسئولاً عن ملف " طابا " وتصدي بالحجة لكافة الدعاوي التى لجأت إليها إسرائيل في بداية ثمانينات القرن الماضي لكي تضع يدها عن طريق السرقة علي عدة كيلومترات من الأراضي المصرية، ونجح في أن يُفسد عليها كافة ما قدمته من أدلة كاذبة وإدعاءات باطله وحافظ لمصر وشعبها علي حدوده مصانة وآمنة.&

ونأمل أن يبادر الرئيس السابق محمد حسني مبارك فوراً بإتخاذ الخطوات القانونية والمصرفيه التى تمكن الشعب المصري من إستعادة الثروات التى يكتنزها هو وعائلته في البنوك الخارجية، خاصة وأن العديد من التقارير المالية الغربية تشير أن جزء كبير من هذه الثروات تَكون وتكاثر نتيجة لبنود إتفاقية الغاز التى يوشك الإقتصاد المصري أن يضار بسببها ضرراً بالغ وربما يُضطر الشعب المصري إلي أن يسدد قيمة غرامتها من دمه وعرقه وتَكلفة رعاية مستقبل أبناءه.&

نطالب بهذه الخطوة الفورية لسببين:

الأول. أن مسارات المحاكمات التى قُدم إليها الرئيس الأسبق لم تتعرض لهذه الإتفاقية بالرغم من المطالب الشعبية التى لا زالت تكررها صباح مساء وتدعو إلي العمل علي عرضها علي الجهات القضائية المختصة، دون جدوي.&

الثاني. تصريح المستشار أحمد الزند وزير العدل - ضمن فاعليات الدورة الرابعة للمنتدي العربي لإسترداد الأموال المنهوبة الذي عقد بتونس مؤخراً - أنه رغم إستجابة الهيئات القضائية المصرية لكل مطالب الدول التى بها بنوك تجارية ولديها حسابات تحتوي في باطنها علي اموال منهوبة، لم تتعاون في هذا الخصوص.&

من هنا نؤكد أن الإقدام علي مثل هذه الخطوة من جانب الرئيس الأسبق مبارك دون إنتظار لحكم قضائي، وأيضاً كنوع من المشاركة في تخفيف اعباء الإقتصاد المصري بإعادة أموال الشعب الذي يعاني من المعوقات التى تحيط به من كل جانب. سيكون عاملاً حاسماً علي المستويين الرسمي والعشبي.&

فهل من مستجيب؟

[email protected]