اذكر اول مرة أقابل فيها شاب إسرائيلي كان عمري وقتها ١٩ عاما وكنت طالبا تحت التمرين في مدينة هامبورج الألمانية وفي خلال عطلة نهاية أسبوع طويلة قررت الذهاب الى مدينة كوبنهاجن عاصمة الدانمارك حيث كانت الرحلة رخيصة على سطح احدى السفن التي تعمل بين هامبورج وكوبنهاجن ، وذ هبت في جولة سياحية بالمدينة وكان من بينها زيارة محطة القطارات الرئيسية بكوبنهاجن وهناك اشتريت بعض الكروت المصورة (كارت بوستال) لارسالها الى اسرتي وأصدقائي في مصر لكي "اتمنظر" عليهم وأخبارهم بأنني لست فقط في ألمانيا ولكني في الدانمارك ايضا !! وأثناء تواجدي في مكتب بريد محطة القطارات المركزية اكتب رسالتي باللغة العربية خلف الكارت بوستال سمعت صوت شاب يخاطب فتاة ويقول لها: "هل رأيت: لسنا نحن فقط اللذين نكتب من اليمين الى اليسار" وأيقنت فورا ان هذا الشاب هو إسرائيلي والتفت اليه وفوجئت به يمد يده لمصافحتي وترددت كثيرا كيف امد يدي لمصافحة شخص يهودي إسرائيلي صهيوني!! وكنت قد نشأت كما نشا ملايين غيري في العالم الاسلامي والعربي على كراهية اليهود والاسرائيليين، شاهدناهم في أفلامنا ومسلسلاتنا التليفزيونية باشكالهم القبيحة وأنوفهم المعقوفة ويتكلمون من انوفهم ب "خنفة" قبيحة، ولم نشاهد او نسمع اي خبر سار عن اي يهودي بالرغم من ان العديد من العلماء الذين أضافوا للبشرية إضافات عظيمة كانوا من اليهود، سواء في مجال الطب والعلوم والفيزياء والهندسة. نرجع الى كوبنهاجن حيث لا يزال الشاب الاسرائيلي مادا يده الي لكي أصافحه، وبعد تردد صافحته على مضض وصافحت صديقته الشقراء الدانماركية بترحيب وود! وعرفت انه طالب مثلي ، وتبادلنا أطراف الحديث قليلا وانتهى بِنَا الامر الى ان بدانا في تبادل طوابع البريد حيث كان جمع طوابع البريد (ولا زالت) احدى هواياتي. وكان درسا لي شديد الأهمية اذ عرفت ان "الانسان هو عدو ما يجهل" وان اول خطوات نبذ الكراهية هي المعرفة والتواصل مع الاخر والغريب، وعلى سبيل المثال نحن المسلمون لا نعرف اي شيء عن الدين المسيحي الا ما درسناه في القران عن مريم وعن عيسى عليه السلام، ولم نعرف او نحاول ان نفهم مسالة الثالوث في الديانة المسيحية (الأب والابن والروح القدس) ولم نحاول ان نفهم حكمة الصيام لدى المسيحيين ولماذا تختلف عن صيام المسلمين ولم نفهم موضوع كيف ان المسيح عيسى قد ضحى بنفسه لكي يتحمل الذنوب ويخلص البشرية من اثامها ولا افهم لماذا لم ندرس في مدارسنا "عظة الجبل" للسيد المسيح عيسى عليه السلام والذي نؤمن به نبيا ورسولا ، وعظة الجبل او خطبة الجبل هي من اروع النصائح في تاريخ البشرية وتحث الانسان على التعايش والمحبة حتى لمن أساءوا اليه وتمقت الانتقام والثأر.
والكراهية هي أولى خطوات العنف والتدمير، والعديد من كتب التراث الاسلامي مليء بالكراهية لاتباع الأديان الاخرى بل والمذاهب الاسلامية الاخرى ناهيك عن التحريض بل والدعوة الى القتل، وتنظيم داعش لم يأتِ من فراغ ولكنه نتاج ثقافة الكراهية هذه والتي تفسر الجهاد على انه قتال كل الناس الغير مؤمنين (حتى لو كانوا مسلمين على مذاهب مخالفة) بل ومعظم كتب التراث هذه لا تحض فقط على الكراهية بل وتطالب المسلمين ان يقوموا بغزو الشعوب الاخرى وان هذا الغزو يعتبر فرض عين على كل مسلم وأنها "الفريضة الغائبة" وعند الانتصار على غير المسلمين يتم سبي نساءهم وأسر اطفالهم وان يخيروا بين: الدخول في الاسلام او دفع الجزية او قتالهم حتى الموت، اما قتال الكفار فهو ما لوش حل اما الموت او الموت!!
...
وارجع مرة اخرى لموضوع الشاب الاسرائيلي الذي قابلته في كوبنهاجن، تدور الأيام وتصبح هناك علاقة بين مصر وإسرائيل واهاجر أمريكا واعمل في شركة أمريكية ترسلني الى قطاع غزة مديرا لمشروع اسكان في معسكر جباليا ممول من الحكومة الامريكية، واذهب الى قطاع غزة بتأشيرة إسرائيلية وأتجول في كل أنحاء اسرائيل وفلسطين من غزة الى القدس ومن يافا الى تل ابيب ومن حيفا الى الناصرة ومن اشدود الى بير سبع ومن نابلس الى الخليل، والتقى بالفلسطينيين في رام الله والقدس والناصرة والتقي بالإسرائيليين في تل ابيب وحيفا وعسقلان واعرف يقينا ان الفلسطينيين والاسرائيليين في غالبيتهم هم بشر لهم نفس الأماني والتطلعات يتطلعون للامن وتربية وتعليم اطفالهم والتمتع بالحياة . وتذوب الكراهية في نفسي ضد اليهود والاسرائيليين بعد مجهود عنيف بالرغم من أني حاربت الإسرائيليين في حرب أكتوبر ١٩٧٣ وكدت ان افقد حياتي بواسطة الغارات الإسرائيلية على مواقع الجيش الثاني الميداني في الجبهة المصرية..
وتدور الأيام مرة اخرى وتصير أعز صديقة لابنتي الصغيرة فتاة يهودية أمريكية من أصل إسرائيلي ليس هذا فقط بل ان والدها كان يخدم في الجيش الاسرائيلي، وها هن بنات أعداء الامس يصبحن أعز الصديقات.
...
الكراهية هي المقدمة الاولى للارهاب، ويوجد درجات من الكراهية وبناء عليها يتحدد الاٍرهاب ، فمن الممكن ان تكره إنسانا وتضمر تلك الكراهية في قلبك ولا تبديها ويمكن ان تدعو عليه مثلما يدعو بعض المشايخ في نهاية خطبة الجمعة: اللهم شتت شملهم، اللهم يتم اطفالهم ، اللهم رمل نساءهم، اللهم اجعل اموالهم ونساءهم غنيمة للمسلمين، ويرد وراءه كل المسلمون : أمين!! وهناك درجة اعلى من الكراهية وهي ان تكره إنسانا وتستمر في أذيته باللفظ والتهديد بدون ان تنفذ تهديدك، ودرجة اعلى من الكراهية وهي ان تكره إنسانا وتبدا في أذيته بالفعل الى حد القتل، وأعلى درجات الكراهية على الإطلاق هي ان تكره مجموعة من البشر وتقرر ان تقتل اكبر عدد منهم ومنهن بان تقتل نفسك بقنبلة تحولك الى اشلاء ومعك عدد كبير من الأبرياء واللذين لا تعرفهم ولا يعرفونك ولكنك تفعل ذلك لأنهم يختلفون عنك في المذهب وممكن ان تقتل اكبر عدد منهم حتى لو كانوا داخل احد المساجد في أعقاب صلاة الجمعة، وهذا هو ما يفعله الانتحاريون الارهابيون.
...
وإذا قضينا على ثقافة الكراهية يكون في هذا نهاية للارهاب، فكيف نفعل ذلك، القضاء على ثقافة الكراهية تبدأ من المنزل بان تشجع الام ابناءها على التزاور مع الجيران المختلفين عنها في العقيدة او المذهب او اللون او الجنس، وان تشجع اولادها وبناتها ان يلعبوا مع اولاد هؤلاء الجيران، وفي أعيادهم نتبادل معهم التهنئة والهدايا، وبهذه المناسبة اذكر نكتة سمعتها حديثا:
هناك شيخ مصري مشهور أفتى بان تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد المجيد حرام وتم نشر فتواه في جميع وسائل الاعلام والإنترنت، وعندما علم الرئيس السيسي بذلك اتصل به وهو في قمة الغضب وخاصة بعد ان قام بنفسه بزيارة الكاتدرائية لتهنئة بابا الأرثودكس بعيد الميلاد المجيد:
السيسي: انت يا جدع انت ..أصدرت فتوى بان تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد حرام؟
الشيخ: والمسيح الحي ما حصل يا ريس!!
...
وبعد دور المنزل يأتي دور المدرسة والتعليم والتي يجب ان تقوم بتغيير المناهج لكي يدرس الطلاب تاريخ الأديان الاخرى لانه كما ذكرت فان الانسان عدو ما يجهل، فإذا درس الطلاب من سن صغيرة جدا تاريخ الأديان الاخرى فان ذلك سوف يجعل الطلاب يحترمون انباع الأديان الاخرى.
وبعد ذلك يأتي دور مناهج التعليم والتى يجب ان تشهد ثورة حقيقية لالغاء النصوص التي تحض على الكراهية بل وتحرض على القتل وتشجع تدريس النصوص التى تشجع الحب وتشجع حرية العقيدة
ويعد ذلك يأتي دور اجهزة الاعلام وبعض القنوات الدينية والتي تعرض احيانا برامج ليس فقط تقوم بنشر ثقافة الكراهية ولكنها تحرض على القتل المخالف للدين وعلى اتباع المذاهب الاسلامية الاخرى، والبعض يحرض على الغرب وأمريكا والعالم كله!!
ثم هناك المشايخ في العديد من المساجد حول العالم والذين يحرضون المسلمين على عدم التعايش مع الاخر ولقد سمعت ورايت مشايخ في قلب أمريكا يحرضون على عدم التعامل مع الأمريكان وعلى تجنب السلام عليهم قدر الإمكان (الا للضرورة القصوى) هذا في عقر دار أمريكا فما بالك ما يحدث في مساجد كندهار وبيشاور والمطرية!
وبدون البدء فورا بنشر ثقافة التعايش مع الآخرين وثقافة المحبة بدلا من كراهية العالم كله سيظهر لدينا الف داعش!
التعليقات