قبل حوالي الشهر(منتصف فبراير 2015) انشغلت الصحافة البريطانية بثلاث مراهقات بريطانيات (15، 15 و 16عاما) من أصول اسيوية - محجبات - غادرن الى تركيا، و يعتقد أنهن عبرن الى سوريا للالتحاق ب (داعش) و لم تعرف الى الان الدوافع و الاسباب ان هي الاً تكهنات. موضوع التحاق المراهقات بالقتال في سوريا جديد وغامض و صادم للجميع بمن فيهم عوائل الفتيات.&
علما بأن المخابرات البريطانية اعترفت أنها كانت على معرفة ببعض الاتصالات الالكترونية للفتيات و لم تتخذ أي اجراء، فهل هي أرادت لهن مصيرا بائسا – متوقعا سلفا - ليكنً عبرة للالاف غيرهن ممن قد يفكرن بفعل مماثل – فبريطانيا عملت كالطبيب الذي يقرر التضحية بالجنين حتى الأم تعيش – أنا شخصيا اتقبل هذه الفكرة و أقبل تبريرها فبريطانيا و سلامة أمنها القومي فوق الجميع. حتى على المدى البعيد، ما الذي نتوقعه من هؤلاء الفتيات ان هن عدن -بعد حين- الى بريطانيا؟ و على المدى الأبعد ما المنتظر من الجيل الذي ستنشئة امهات متطرفات مثلهن للدولة ان هن تزوجن و أنجبن؟
ترى ما هي أسباب حمًى ما يسمى ب "الجهاد" التي اصابت هذا الجيل؟ انا برأيي:
1- التعليم الخاطئ بالمساجد المحلية: وصف أحد الصحفيين العرب مساجد فرنسا بعد حادثة "تشارلي ايبدو" "بأوكار الأفاعي". و لعله لم يخطئ في وصف البعض منها، فحلقات تعليم القران في أماكن كثيرة حول العالم – من بينها الدول العربية - لا تخضع للرقابة. فالمعلمون في كثير من هذه الحلقات لا هم من المتعلمين أو المثقفين، و لا هم من الاسوياء المعتدلين فهم لا يتقون االله في الامانة التي بين أيديهم (تعليم الصبية). يستغلون كون الاطفال عجينة طيًعة، فيحشوها بأفكارهم العدائية المتطرًفة. ليسوا هم من التدريسيين و لا هم مجازين و قد يكونوا من محدودي التعليم و الذكاء، يفرحهم أن يجدوا في الصغار آذانا صاغية و عقولا مصدُقة لكل ما يقولون، و السؤال الذي أسأله نفسي دائما هو: هل أن هؤلاء المفسدون واعون لما اقترفوا أم أنهم يضنًون أنهم يحسنون صنعا؟ (يعني مثل ما نقول، مصدقين أنفسهم). و هل انهم يقدمون ابنائم قرابين للجهاد المزعوم؟ وهنا يجب أن لا نعفي الأهل من المسؤلية، فكثير منهم يوصلون أبنائهم بأيديهم لحلقات التلقين تلك و أقل ما يتوجب عليهم التأكد مما يحدث هناك.
2- سذاجة و معلومات مضلًلة: من المؤكد ان أولئك الفتيات الصغيرات ساذجات، هن من المجتهدات دراسيا و ممن يغرقن انفسهن حتى الاذان بالكتب، يقضين جلً وقتهن في القراءة و تصفح الانترنت، "مثقفات القراءة" التي لا تغني عن الخبرة العمليًة في الحياة والتي تزيد من الذكاء الاجتماعي. أي أنهن "غبيات اجتماعيا"، غير قادرات على تمييز المعلومات المضلًلة التي تصل لايديهن. عشن في الغرب الذي يحترم المراة، لم يشهدن او يشاهدن الرجل الشرقي و هو يقول "الشرع حلًل لي اربعة" او "انه على الزوجة أن تطيع زوجها"، و لم يشعرن بالاهانة ممن يدعي "ان ضرب الزًوج زوجته هو في مصلحتها لانه انما يؤدبها"، لم يعانين من رجل ينادي ب "بيت الطاعة" أو بانتزاع حضانة الاطفال من أمهم. لا يعرفن أن الكثير من الدول العربية انما تظلم نساءها بالقانون، و أنها كثيرا ما تنصر القوي على الضعيف و تنتصر للغني لا الفقير. و هناك من يصور لهن المدن الاسلامية كمدن فاضلة و ليتهن يعلمن كم من ظلم يرتكب باسم الدين. و ليتهن يعلمن أن ما من دولة اسلامية يوجد فيها عدل دول أوروبا. هل سمعن بالناشطات السعوديات من أمثال "لجين الهذلول" التي سجنت لانها فقط حاولت عبور حدود الامارات للسعودية و هي تقود سيارتها برخصة قيادة اماراتية، في الوقت الذي تمنع فيه المراة من القيادة في السعودية و بحجة الدين ايضا.
3- حب المغامرات: كثيرة هي افلام المغامرات التي ابطالها من الاطفال -كمجموعة أفلام "هاري بوتر"- و الموجهة أساسا للاطفال و المراهقين، و التي تنتهي عادة بالنصر و الفخر لمجموعة الاطفال الذين يغيروا العالم من حولهم دون خسائر او احزان. و قد حصلت لي أنا شخصيا حادثة تجعلني أفكر بهذا الاتجاه و بقناعة تامة، فليس كل من يتوجه للجهاد "المزعوم" يذهب بسوء نيًة، و هذا ما يفسر انضمام المراهقين أوروبيي الاصل. و الحادثة كانت حين كنت في ابو ظبي العام 2004 اسكن و عائلتي في الطابق الثامن من مبنى مكوًن من 22 طابق. ففي يوم من الايام شب حريق في الطابق الثالث عشر و طلب من الجميع اخلاء المبنى بسرعة، فاسرعت و اولادي الثلاثة الى اسفل السلم و الدخان يزداد كثافة كلما هبطنا الى اسفل – لا ادري لماذا - في موقف درامي. ثم خرجنا من المبنى من بابها الرئيس يصحبنا دخان كثيف. كل ما كان يدور ببالي حينها الرعب الذي سببه الحادث للاولاد في هذا الوقت المتاخر من الليل، وقتها كنًا نستعد للنوم. حينها التفتت ابنتي -و كان عمرها 9 سنوات- قائلة: واو.... حلو "ادفينتشر". رد فعل غريب و غير متوقع. اذن نحن لا نعرف كيف يفكر الاطفال و ان كانو ابنائنا، فالاطفال الذين ينشأون في بيئة مترفة قد لا يسمعوا بأطفال يحيون حياة صعبة، اجبروا على عيش حياة المغامرة يوميا.
4- الالعاب الالكترونية: من الغريب ان لا أحد يلوم اليوم ما يحدث حاليا على الالعاب الالكترونية على الرغم من أنها أصبحت العالم الذي يعشيه أطفالنا و يتعلمون فيه و منه. علميا نحن متاكدون من ان الاسباب و الظروف المختلفة تعطي نتائج مختلفة. ظروف طفولتنا و الالعاب التي كنا نلعبها تختلف كليا عنها اليوم. فاليوم يقضي الطفل يومه مع الالعاب الاكترونية التي يكون موضوع معضمها "العنف"، هو يركز جدا في الشاشة أمامه بشكل ينسيه ما حوله ومن حوله حتى أنه لا يسمعهم يعيش منعزلا في عالمه "الفيرتشوال". الاطفال يعيشون عالمهم الافتراضي طول النهار و الليل احيانا كثيرة، و بالاضافة الى الخراب و الدمار داخل اللعبة فان أعصابهم تكون مشدودة تحت ضغط خيبة الخسارة وحماسة الانتصار، انهم يصرخون هستيريا فرحا او حزنا. شتان بين متعة العاب اليوم ومتعة العابنا بالامس. طبعا فارق كبير بين من يقضي يومة في عتمة خلف الشاشة و بين المتعة التي يشعر بها مجموعة من الاطفال تلعب بالكرة في الهواء، يضحكون و يمرحون. تحقق شركات الالعاب الالكترونية ارباحا خيالية، فكونها لديها القدرة المالية اولا، و كونها تنشر اعلاناتها على الاف المواقع ثانيا، يشكلان سببان كافيان لاسكات الالسن عن المناداة بتحديدها و فرض السيطرة عليها أو محاسبتها.&
ملاحظة: جميع الاسلحة و المعدات المستعملة في القتل و التدمير هي صناعة غربية، لها استعمال وحيد لا ثاني له. دول الغرب تصنًعها و تروًج لها كغيرها من الصناعات. نحن العرب لا نشترك ولو جزئيا في ايجاد آلات و معدات القتل تلك، و هذه هي الحسنة الوحيدة في أننا لم ندخل عصر التصنيع بعد.
التعليقات