انطلاقا من الاحداث التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط، والتغيرات الكبيرة التي تحصل فيها خاصة بعد البروز المفاجيء تنظيم داعش الارهابي، وفي اكثر من لقاء ونقاش صرحت ان داعش الارهابي تنظيم مخابراتي متعدد الاهداف والغايات وتقف ورائها اطرف عديدة اقليمية ودولية، وكل طرف يستفاد منه حسب ادارة مصالحه في المنطقة، وتشير القراءات المحفية للسطور التي تدون بها سجل الاعمال الوحشية وسلسلة الممارسات الارهابية وتوالي الهجمات العسكرية للتنظيم في العراق وسوريا الى ان داعش لابد ان تقف ورائه جهات واطراف قوية تملك المقدرة العسكرية والقدرة التكنولوجية والموارد المالية لتغذيته وتقديم كافة اشكال الدعم والعون التسليحي والمالي والخبرة القتالية والفنية،& والتقارير المخابراتية والسحافية تشير بوضوح ويقين الى ان مقاتلي داعش قد تلقوا تدريبا عسكريا وقتاليا عاليا بمستوى تدريب الجيوش العسكرية لدول المنطقة اضافة الى حيازتهم على اسلحة متقدمة ووسائل تكنولوجية وتقنية متقدمة لا يمكن توفيرها بسهولة لدى المجموعات والحركات المسلحة، وكذلك حيازتهم على خبرة فنية جدا عالية في مجال استخدام وصناعة الالغام والمتفجرات وتفخيخ السيارات والاليات والمركبات.

واستنادا الى التصارع غير العقلاني المزمن الموجود في المنطقة لاسباب أمنية ودينية ومذهبية وقومية واجتماعية واقتصادية فان اللعب والسيناريوهات التي تترتب عن الصراعات الاقليمية الدائرة تتحول الى دراما دامية تدفع شعوب المنطقة ثمنها بالدم والمعاناة الانسانية، واضافة الى الابعاد المحلية والاقليمية فان صراعات المنطقة اخذت ابعادا دولية واستمر بها الزمن لعقود طويلة مثل الصراع بين اسرائيل وفلسطين والعرب وايران والاتراك والكرد واخيرا الحرب السنية الشيعية، وداعش من رحم هذه الصراعات ظهر بشكل ملفت للنظر انطلاقا من تشدد سني متشدد وشديد البأس في التعامل مع المسلمين والاخرين وكأن لا جنة الا لداعش.

والملفت للنظر ان القيادة التي تقود التنظيم الارهابي في العراق والشام هم بالاساس عناصر استخبارية ومخابراتية وعسكرية كانت تابعة لنظام الرئيس المعدوم صدام حسين، ويبدو ان هذه القيادات تتصرف بنفس النهج والعقلية والتقاليد العنيفة والدموية والقمعية التي كان يعمل بها نظام البعث البائد، وطريقة ابتكارهم وتبنيهم لانواع قاسية ومعذبة من اشكال الموت ليست وليدة افكارهم الدينية بل هي بالاساس وليدة الفكر القمعي والدموي للبعثين العراقي والسوري.

ولهذا فان القراءات الواقعية تستقرأ منها ان التنظيم الداعشي تقف ورائها قيادة خاصة من المخابرات العراقية القديمة اعدت وشكلت للتعامل مع احداث العراق لما بعد سقوط نظام البعث، واغلب الظن ان الامر الصادر بتشكيل هذه القيادة المخابراتية قد صدر قبل السقوط بايام او خلال فترة مسار الأزمة بين بغداد وواشنطن، ويعتقد ان القرار الخاص بهذا التشكيل قد صدر شخصيا من قبل صدام نفسه او بقرار جماعي من قبل قيادة حزب البعث المنحل، ولابد ان يكون لهذا القرار وثيقة رسمية غير مكشوفة لحد الان.

وأغلب الظن ان هذه القيادة الامنية البعثية هي التي قادت عمليات ما سميت بالمقاومة باشكال وتنظيمات ومسميات عديدة ضد القوات العسكرية للولابات المتحدة وضد العهد الجديد بالعراق وجيشه واجهزته الامنية، وكذلك اعلان الحرب ضد المكون الشيعي بدوافع انتقامية وبدفع من قبل اطراف اقليمية، وحصل ما حصل من عنف وقتل وارهاب واسالة دماء لنفوس عراقية بعشرات ومئات الالوف خلال سنوات العقد المنصرم.

ولكن الجديد في الامر بالتزامن مع السقوط وظهور ما يسمى بالمقاومة هو الاختراق الكبير للاجهزة المخابراتية الاقليمية والدولية في الوضع الامني والاقتصادي والاجتماعي وفي اغلب المجالات، والتدخل السافر لدول مجاورة وغير مجاورة& في الشأن العراقي والتأثير على القرار السياسي والامني والاقتصادي لنظام الحكم الديمقراطي الجديد في بغداد.

ورافق هذا الوضع اختراق كبير لتنظيمات المقاومة السنية كحركات ومجموعات مسلحة من قبل اجهزة مخابراتية اجنبية، وتولد منه تشكيل وتقوية تنظيمات عديدة باشكال عديدة ومتنوعة الى ان وصل الى تقديم اقوى نموذج لتنظيم مسلح ارهابي باسم الجهاد والتكفير بعد تفكيك منظمة القاعدة تحت عنوان تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام وبالتالي اعلان دولة الخلافة الاسلامية وتحت راية سوداء لا يشع منها الا الظلام وتحت لواء خليفة كان عنصرا في المخابرات العراقية القديمة، والاسلام براء من هذه الدولة المزعومة، والتقرير الذي نشرته صحيفة امريكية اشار الى ان اغلب القيادات الرئيسية والصف الاول ممن يتحكمون بداعش كانوا بالسابق عناصر مخابراتية لنظام صدام.

واستنتاجا يبدو من خلال غرس شبكة متداخلة من قبل اجهزة مخابراتية دولية وعربية واقليمية داخل داعش ومخططة بدقة تمكنت اطراف عديدة من التحكم بمسار توجهات واهداف التنظيم، وخاصة الدول المجاورة للعراق، ولكن يبدو من خلال اطالة فترة البقاء غير المتوقعة للدولة الارهابية في العراق وسوريا والتوسغ الاقليمي لها وامتداد اذرع منها الى ليبيا وتونس ولبنان ومصر واليمن، ان وراء هذا التنظيم لاعب دولي كبير وبارع في التحكم بهذا التنظيم وتدبير تكتيك الهجمات التي يقوم بها المقاتلون الداعشيون خاصة وان الاغلبية منهم اجانب، ويبدو ان هذا اللاعب لايقل حجما ولا وزنا ولا دورا ولا قدرة ولا تأثيرا عن الدول الكبرى ولكنه ليس من الدول الشرق الاوسطية.

وفي الختام نوجز رأينا بالقول واستنادا الى قراءة لنا قد تكون بحاجة الى ادلة ووثائق ولكنها قد تكون قريبة كل القرب من الحقيقة وهي ان تنظيم داعش الارهابي تشكيلة ارهابية مخابراتية اقليمية ودولية شكل لاهداف وغايات تخدم دول عديدة في المنطقة على حساب شعوبها وكذلك تخدم مصالح اطراف عالمية ولكن تقودها قيادة من المخابرات العراقية القديمة.

كاتب صحفي من كردستان العراق
&