لقد بدأت تغيرات ملفتة للنظر في عالم العولمة الجديد، بعد أن وفرت التكنولوجيات المتطورة الفرصة لمشاركة باقي دول العالم، بما حققته حضارة الغرب من تطور علمي وصناعي تكنولوجي، واقتصادي مالي، وقد كان ذلك بارزا في الصين، بعد أن تخلصت من ايديولوجيات ماوتسي تونج المفلسة، ليرجع ثانية الدور القيادي للمملكة الوسطى الصينية. ولقد استطاعت الصين خلال ثلاثة قرون، أن تتقدم على اليابان، كثاني اقتصاد عاملي، ولتصبح مصنع عالم العولمة الجديد، مما أدى لزيادة مدخرتها النقدية بشكل غير مسبوق، بل لتصبح الدولة الاولى التي تملك الديون الامريكية، والتي تزيد عن الثلاثة تريليون دولار. ويبقى السؤال: هل سيضعف الاقتصاد الصين هيمنة الدولار الامريكي؟ وهل ستهيمن عمولتها النقدية، اليون، في سوق العولمة؟
&&للاجابة على هذه الأسألة سنتدارس عزيزي القارئ معا مقال كتبه مارك فلمنج، بالصحيفة الالكترونية الاستراتيحية، ستراتفور، بعنوان، البنك الإستثماري الجديد للصين: نبؤة خديجة، يقول فيه: "كتب في الخامس من شهر أبريل الجاري، وزير المالية الأمريكي السابق، لورانس سمرز، يقول بأنه في هذه اللحظة سيتذكر العالم بأن الولايات المتحدة قد فقدت دورها كضامن للنظام الاقتصادي العالمي، ويرجع ذلك للظروف التي قامت الصين باطلاق مشروع بنك البنية التحتية الاستثماري الاسيوي، وحذرا من نمو الطموحات والتأثيرات الصينية، نصحت الولايات المتحدة حلفائها بعدم المشاركة، ولكن شارك الكثير منهم، ليكون ذلك محرج لواشنطن، وقد تكون نبوؤة لورانس سمرز خديجة حتى الان. ولفهم السبب علينا فهم أساسيات الموقع الاقتصادي الميهمن للولايات المتحدة في العالم.
فقد وقعت المملكة المتحدة، المديونة بشدة، خلال الحرب العالمية الثانية، صفقة اعارة وتأجير، سلمت فيها القواعد البحرية البريطانية للولايات المتحدة، كمبادلة للدعم المالي الأمريكي. ليؤدي ذلك لنقل سيطرة محيطات العالم إلى الهيمنة الأمريكية. واجتمع الحلفاء بعدها بثلاثة سنوات في مؤتمر برتون وود، لتشكيل نظام اقتصادي عالمي لما بعد الحرب، ليبرز نظام مالي أعتمد على الدولار، بالاضافة لصندوق النقد الدولي، الذي يراقب الحركة التجارية، مع البنك الدولي، الذي يوفر الدعم المالي للعالم النامي، والجدير بالذكر بأن مركز الأثنان في الولايات المتحدة، وبذلك ورثت الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصاد العالمي.&&
وقد عمل النظام الاقتصادي العالمي بشكل فعال خلال 25 سنة الماضية، بعد أن برزت الولايات المتحدة بعد الحرب كأقوى اقتصاد عالمي، كما ادت خطة مارشال لتدفق الاموال الأمريكية إلى أوروبا الغربية لكي يتم بناء بنيتها التحتية. وفي عام 1971 تورطت الولايات المتحدة في حرب فيتنام، وقد استطاع الرئيس رتشارد نيكسون من خلال نظام البرتون وود أن يدفع& كلفة حرب فيتنام بطباعة كثرة من الدولارات، وبذلك صدر التضخم الناتج عن الحرب على اقتصاد العالم أجمع. ولكن عارضت فرنسا ذلك، ودفعت لولادة نظام نقدي أضعف من موقع الدولار، بالرغم من بقاءه كعملة عولمة مهيمنة.&
ولقد كان لمركز الولايات المتحدة المهيمن، بعملتها العالمية، فائدة مختلطة. فقد شجعت شعبها على زيادة استهلاك البضاعات الصناعية المتطورة، لتصبح الدولة مديونة باستمرار، ولترتفع ديونها بشكل تضخمي، في الوقت الذي كانت تمول العالم بدولاراتها الورقية.& وبذلك، انغلقت الولايات المتحدة مع باقي العالم في الية تكافلية لعقود عدة، بالرغم من أن المركز المالي الأمريكي أخذ في التدهور المستمر. وقد استمرت الولايات المتحدة خلال العقود القليلة الماضية في موقعها كرئيسة للمؤسسات الدولية النقدية. كما أسست الولايات المتحدة مع اليابان في عام 1966 نسخة اسيوية من البنك الدولي، وهو بنك التنمية الاسيوي، ليكون مركزه في مانيلا، في نفس السنة التي بدأت الصين ثورتها الثقافية، بزعامة ماوتسي تونغ، والتي شلت الاقتصاد، وقللت من اهتمامها بالنظام العالمي. وبالرغم من التغيرات الهائلة في الصين مؤخرا، لم يتقدم موقعها في البنك التنموي الاسيوي.
ويبدو بأن الصعود الصيني سيؤدي لحلحلة الوضع. فنموذج النمو الذي تبعته بيكين بعد الاصلاحات الاقتصادية في عام 1978، والتي تشابهة اصلاحات ما بعد الحرب، الذي نهجته اليابان والمانيا، وذلك بأبقاء الكلفة الداخلية منخفضة، مع زيادة& المدخرات. وقد أدى ذلك بالصين لجمع كميات هائلة من المدخرات المالية تصل لحوالي 3.8 تريليون دولار. وتحاول الصين الان في خلق توازن، بالانتقال من النموذج الادخاري الى النموذج الاستهلاكي، وبعبارة أخرى، تحاول الانتقال لتكون الولايات المتحدة القادمة.
وينظر حلفاء الولايات المتحدة للصين بأنها دولة ضخمة، وتملك كمية هائلة من الدولارت، وقد تحتاج للمساعدة في كيفية صرف مدخراتها، كما تحاول أن تصبح سوق هائلة للمستهلكين، لتتشابه موقعها اليوم مع مركز الولايات المتحدة في عام 1944، حينما كانت تملك مدخرت نقدية هائلة. ومهما يكون حقيقة المسار الاقتصادي الصيني خلال العقد القادم، سيحاول حلفاء الولايات المتحدة توجيه انفسهم نحو نفس فكرة ذلك المسار.
وفي الوقت الذي تجد الصين - بأموالها الهائلة ومشاريعها الاقليمية الكثيرة والضخمة- بأن المؤسسات الاقليمية التي يمكن أن توجهه من خلالها اموالها واستثمارتها، مهيمن عليها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. وخاصة بأن الكونجرس الامريكي احتاج لخمس سنوات، لكي يقرر أن كان من الممكن رفع حق الصين في التصويت بصندوق النقد الدولي، ليعكس موقع اقتصادها الجديد. لذلك، من المعقول أن تفكر الصين ببساطة في أن تنشئ مؤسساتها بدل من محاولة التاثير على مؤسسات موجودة كبنك الاستثمار الاسيوي، ولذلك ولد البنك الأسيوي الجديد.
وقد توفر هذه المؤسسة الجديدة، فرصة لحلفاء الولايات المتحدة الذين شاركوا في تأسيس البنك الجديد، كالمملكة المتحدة واستراليا، لبناء علاقة مع عملاق سوق المستقبل. فقد حسبت كل دولة شاركت في هذا البنك، بأن قليل من المحاباة، قد تربح فرص استثمارية من بيكين، تتفوق على خطر استنكار الولايات المتحدة. وقد تكون تلك لحظة مهمة، بل اعتبرها الاعلام العالمي تحدي لنظام البريتون وود، وخطر على الوضع الاقتصادي العالمي الراهن.
وقد لا تمثل هذه الاحداث تغير زلازالي لنظام عام 1944. فقد احتاج نظام البرتون وود، وتأجير القواعد ليكونا فاعلين، وتخلص بريطانيا من زمام القيادة، لامرين مهمين، الوقت والارباك الهائل. فلم تكن قضية حجم القوة العظمى كافية، فمع أن الاقتصاد الامريكي اصبح الاكبر في العالم في عام 1870، أي قبل 74 سنة من مؤتمر برتون وود، ولكن بقت عظمة بريطانيا وهيمنتها، ليحتاج لحربين عالميتين لتزلزل الوجود البريطاني، مع اعلان تشرشل الحرب الشاملة في عام 1940، قبل أن يتدهور الاقتصاد البريطاني لمستوى منخفض جدا، لكي تقبل بريطانيا التنازل عن هيمنتها لامريكا، كبدل للمساعدات المالية الأمريكية.
وبالعكس، فقد تجاوز الاقتصاد الصيني الولايات المتحدة في عام 2014، وقد احتاجت لحسابات سحرية لتحقق ذلك.& ومن ناحية العملة، فقد حقق اليون الصيني قفزة خلال السنتين الماضيتين، لينتقل من المركز 14 الى المركز الخامس في استخدامه في المدفوعات الدولية. ولكن يبقى اليون حتى الان يمثل فقط 2.2 % من المدفوعات الدولية، ويحتاج فترة طويلة لكي يتحدى الدولار الامريكي الذي نصيبه 44.6%. كما أن اليون الصيني ليس في الحقيقة قابل للتحويل حتى الان، وهو متطلب أساسي لاحتمالية عملة احتياطية. كما أن هناك سبب اخر، وهو اننا لم نلاحظ لحظة البرتون وود بين الولايات المتحدة والصين، حيث لم نلاحظ صفقة اعارة وتأجير حتى الان.
فالولايات المتحدة مسيطرة على الخطوط البحرية في العالم، لذلك هي صاحبة القرار في تجارة العولمة، ولن تتغير هذه الحقيقة في وقت قريب. كما أن المركبة التي تدفع لصعود وسقوط الامبراطوريات، معلقة على عجلة كبيرة، والتي تحتاج لقوة هائلة ولفترة طويلة لكي تسمح لثورة كاملة. فالاتفاق الذي تم خلال الحرب العالمية الثانية، احتاج لالية طويلة، صعدت فيها الولايات المتحدة، وانحدرت فيها المملكة المتحدة. ومع أنه تمت تحولات هائلة في الصين، خلال العقود الثلاثة الماضية، ولكنها لم تصل للموقع الذي تستطيع أن تتحدي الداعائم التي بنيت عليها هيمنة العولمة للولايات المتحدة.& ولنا لقاء.

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان