خطر على بالي هذا السؤال، وانا اقراء التعليقات التي علق بها مشاهدي ومشاهدات صورة، كانت نشرت على صفحات الفيسبوك لشابين يرتدون ملابسـ تشي بميول نسائية حسب اغلب التعليقات. فالتعليقات لم تقتصر لا بل لم تتعلق بالراي بالزي كراي شخصي، بل ان اغلبها، أشار الى وجود معاقبة وتربية وبعضهم طالب بقتلهم وازالتهم من الوجود.

سؤال اخر تبادر الى ذهني وهو اذا كنا نحن من ندين الناس بهذه القسوة لمجرد نوعية الملبس، يا ترى كيف سندينه لنوعية معتقداته الدينية والسياسية، والتي قد تكون مناقضة لما نؤمن به.

المعلقون والمعلقات أتوا من أوساط مختلفة، ومن طوائف مختلفة، المعلقون والمعلقات وضعوا انفسهم حكام يحق لهم الإدانة وانزال القصاص باناس لمجرد ارتداء ملابس قد لا يرتضيها المعلق. على ماذا يدل ذلك، الا يدل ان شكوانا من الأحزاب ورجال الدين ورجال السياسية والاقتصاد والقانون هي شكوى غير صحيحة، لانهم جزء منا ومن معتقداتنا. عجيب امر شعوب تطالب بالحريات وهي في الان ذاته تبدي رغبتها في انزال عقاب بشخص لا يرى او لا يلبس ما يروه او يلبسوه. اذا المسألة ليست خاصة او محددة، انها ليست صدام حسين او المالكي او الصدر او البرزاني او او، انها واقع اجتماعي ثقافي يجثم على انفاسنا ويمنعنا من ان نتفهم الحريات، ويجعلنا نعتقد ان كل ممارسة غير مالوفة لدينا هي معول لهدم كل معتقداتنا. وعلى هذا الأساس يمكن ان نستنتج من ان معتقداتنا هشة لدرجة انها يمكن ان تهدد بنوعية الملابس او الآراء، ليس هذا بل ان التعمق بالحالة يبين لنا اننا كشعوب، يمكن ان نضحي بكل شيء من اجل معتقدات او مفاهيم او عادات، أي نعم يمكن ان نضحي بالناس وبكل سهولة، لان الانسان في نظر البعض هو أداة وليس الغاية.

ومع الأسف ان الحراك الليبرالي، ومن غير قصد يسير في هذا الاتجاه، وليس في الاتجاه الذي يدعوا اليه وهو ترسيخ مبداء الحريات وقدسية الانسان ومساواته بغض النظر عن لونه ومعتقده ولغته. ودليلنا ان هذا الحراك يكاد ان يكبل نفسه بنفس المفاهيم بحجة مسايرة المجتمع، هذا المجتمع المتقوقع على ذاته والذي يابي ان يتحرك الى الامام ابدا، وكل الدلائل تبين انه سائر نحو الانفجار والتشضي. وما الاحتراب والتنافس العنيف الحالي الا حالة أولية لما قد يحدث ليس على مستوى الطوائف بل يمتد داخل الطائفة الواحدة بذاتها.

قد لا يتذكر الكثيرون احداث التي تلت عام 1968 في اوربا، من اتساع رقعة ثورة الشباب لتشمل كل شيء، هذه الثورة التي اعتقد الكثيرين انها الخاتمة التي ستقضى على الحضارة الغربية، لما رافقها من ممارسات تجاوزت الأعراف السائدة في كل مناحي الحياة، فعرفت بثورة الانحلال والمخدرات، ولكن الملاحظ ان اغلب قادة اوربا اليوم هم من هؤلاء الشباب الذين كانت شعورهم ولحاهم الطويلة علامة فارقة فيهم، وكان اغلبهم يسهر في الساحات يشربون ويسكرون مطالبين بحريات اكبر واكبر وتفهم لمتطلبات الحياة ما بعد الحرب العالمية الثانية. سارت الحياة طبيعية، أي نعم ان هذه الثورة أحدثت تغييرات في الكثير من مفاهيم الاجتماعية والحريات الفردية، ولكن الدول والمجتمعات استوعبتها واحتضنتها، ولم يطالب احد بابادتهم بحجة الحفاظ على العادات والتقاليد، وثبت ان المطالب كانت محقة، فخلقت مجتمعا اكثر تفهما وفردا يتمتع بحريات اكبر وترسيخ الحراك السلمي المعادي للحروب وبالأخص حينها الحرب الفيتنامية.

مجتمعاتنا المؤمنة، ياخذها الرعب من شاب اطال شعره، رغم ان اجداد الكثيريين منا كانت شعورهم طويلة قبل مائة او اكثر من السنين، مجتمعاتنا او شعوبنا القوية والمحاربة، يهزمها ملبس فتاة تنورتها اعلى من الركبة بسنتيمترين، اننا شعوب حارسة لعادات وتقاليد ومعتقدات، وليست العادات والتقاليد والمعتقدات ادواة لاجل تطوير واغناء الناس بالمفاهيم التي تساعدهم في معركة الحياة.

ان الهتنا وانبياءنا بحاجة منا للدفاع عنهم ليل نهار، فهم ضعفاء يرتعشون لاي نقد يوجه اليهم والى ما دعوا له، انهم اضعف خلق الخالق، أي ان الله الخالق هو اضعف من البشر، ولذا فعليهم حمايته من كل تجاوز، مطلوب من كل منا ان يكون حارسا لله، يحميه ويذود عنه، وكاننا نسينا انه الخالق، والذي يمكن ان يقل كن فسيكون. ومن هذا المنظور المرعب والمخيف، هل يمكن ان نفهم نحن حقا مفهوم الحريات وقداسة إنسانية الانسان، باعتقادي ان الامر صعب جدا، ان لم يكن مستحيلا.

مادامت الغالبية تفكر بهذه الطريقة، فان تسلق ظهورهم باسم الايمان والتقاليد، سهل ويسير، وهذا ما يعملوه قادتنا، الذين لا يفكرون بالمستقبل ومتطلباته، بل انهم يفكرون كيف يعملون من اجل تسوير الشعوب في سجون مغلقة لا تتقبل أي تغيير.

ليس امام شعوبنا الا حلان، أولهما الخضوع للامر الواقع والاستمرار في الصراع والقتل والتدمير، الذي سيتحول الى داخل كل طائفة ليفتتها، وفي النهاية الباقون سينهارون وسيقبلون باملاءات تاتيهم من الاخرين، وسيفهمون بعد كل الدماء انه كان عليهم ان يتعايشوا مع التعدد لانها سنة الحياة، او ان تظهر فئة تحمل بذور التنوير الحقيقي، وتدعو صراحة الى تقديس حياة الانسان وحرياته، تجتاح المجتمع ومن كل الألوان والطوائف، حركة تبعد الدين عن الحياة اليومية الجامعة، حركة تمنح حلولا عابرة للخوف الطائفي والقومي والديني، ولن تنجح مثل هذه الحركات الا اذا كانت غالبيتها من النساء، لان المراة هي نقطة ضعف هذه المجتمعات، هي تلك التي يعتقد ان شرف المجتمعات محفوظ بين فخذيها، وهي تلك الايقونة التي كل واحد يريد ان يستملك اكثر عدد منها. من هنا سيضطر المجتمع المتفكك او المهدد بالتفكك ان يحاول ان يتصالح مع ذاته وان يفتح ابوابه لتغيير قد لا يتوقف لانه سنة الحياة.