قبل فترة حينما أوشكت ولاية مسعود بارزاني رئيس الإقليم على الإنتهاء وحان وقت صرفه عن كرسي الرئاسة، بذلت قيادة حزبه كل ما بوسعها من أجل إنتزاع سنتين أخريين لولاية بارزاني ريثما يتم إعداد مسودة الدستور المحلي للإقليم والذي سيجيز حسب إعتقادهم لبارزاني الترشح لولايتين جديدتين بواقع أربع سنوات لكل ولاية، ما يعني بقائه بالحكم لعشر سنوات أخرى.
&في بيت أحد أصدقائي دخلت بنقاش حول أحقية بارزاني في البقاء بمنصبه مع أحد كوادر هذا الحزب..ورغم أن هذا الكادر الحزبي كان يحمل رتبة الرائد بالشرطة وهذا يعني بأنه على الأقل حاصل على الشهادة الجامعية،لكني وجدته لا يختلف بتاتا عن أي من رفاقه الآخرين بالحزب، فجميع أعضاء وقيادات هذا الحزب ينقلون موقفا واحدا ينزل اليهم من سكرتير الحزب،والذي يأخذه بدوره من داخل الأسرة البارزانية الحاكمة. سألت هذا المتخرج الجامعي" إعتبرني مواطنا غير حزبيا،لا إتحاديا ولا بارزانيا، لا إٍسلاميا ولا شيوعيا، قل لي لماذا تريدني أن أصوت لصالح بقاء بارزاني بالحكم لسنتين أخريين؟. أجابني بكل بساطة ودون تردد مرددا كالببغاء موقف قيادات حزبه"لأن جناب ( السروك) الرئيس سيشكل دولة كردستان الكبرى"؟
قلت له" هل هذه الدولة سيشكلها بالكهرباء أم بدونها؟. إٍستغرب الرائد موقفي وقال" يبدو أنك تستهزيء بي ؟. قلت له" يا أخي..حزبك يحفر الخنادق على حدوده مع كردستان الغربية ويفرض حصارا قاسيا على شعبها هناك..ويرسل عناصره لقتال حزب العمال الكردستاني بكردستان الشمالية ويدعم بلا حدود سياسات تركيا الأردوغانية لقمع الشعب الكردي هناك..وعلاقاته في أسوأ حالاتها مع أحزاب كردستان الشرقية..أما وضع إقليمنا الجنوبي فلا راتب ولا كهرباء ولامياه صالحة للشرب ولا خدمات والحياة متوقفة تماما، فأي دولة كردستان كبرى سيشكلها بارزاني حتى نعطيه فرصة سنتين أخريين؟
بعد أن أشغلت الآلة الإعلامية لحزب بارزاني الشعب الكردي لفترة طويلة بأن رئيسه مسعود بارزاني يمضي نحو إعلان الدولة الكردية المستقلة، وجددت الأقلام المأجورة هذه الإدعاءات مع إقتراب إنتهاء ولايتيه الرئاسيتين الرسمية والممدة بهدف كسب عواطف الشعب بإتجاه تمديد آخر غير قانوني لرئاسة بارزاني في الإقليم وتثبيته ديكتاتورا جديدا بكردستان، وبعد أن طبل المطبلون وزمر الزمارون من موظفي شعبة التعليقات بالمكتب الإعلامي لرئاسة الإقليم من خلال ردودهم على مقالات الكتاب الأحرار والترويج الزائف للدولة الكردية المنتظرة، خرج بارزاني أخيرا بتصريح أدلى به لقناة روسيا 24 ليؤكد بشكل واضح أن تأسيس الدولة الكردية بات من المحال. فضاع الحلم الكردي وأصبح هذا الحلم الأثير لدى بارزاني رئيس الإقليم مجرد أضغاث أحلام؟
يصف مرتزقة الحزب من موظفي قسم الإعلام الرئاسي الملا مصطفى والد الرئيس الحالي مسعود بارزاني بالأب القائد الذي قاد ثورة أيلول التحررية، علما بأن بارزاني الأب سرق هذه الثورة من قادتها السياسيين والهيئة المؤسسة للحزب من كبار المثقفين الكرد أمثال حمزة عبدالله وإبراهيم أحمد وجلال طالباني وغيرهم من القادة السياسيين الذين بثوا الروح القومية والوطنية لدى الشعب الكردي، وتمكنوا من إنتزاع حق الشراكة الكردية العربية بدستور العراق الجمهوري، ولكن بارزاني الأب حول ذلك الحزب الى حزب عشائري وفرض نفسه قائدا له، وفجر ثورة عشائرية هدفها تصفية العشائر المناوئة لسلطته على منطقة بهدينان، وينسى هؤلاء المعلقين من وراء مكاتب رئاسة الإقليم أن البارزاني الأب كان المحرك الأساسي لإنشطار الحزب وإنقسامه منذ عام 1964 حين داس على المباديء الديمقراطية لهذا الحزب ونصب نفسه قائدا أوحدا للحزب.
يروي السياسي الكردي الكبير نوشيروان مصطفى في كتابه"الأصابع تكسر بعضها" كيفية إندلاع ثورة أيلول التي يدعي حزب بارزاني أنها كانت خالصة لهم. يقول نوشيروان" إثر تأزم العلاقة بين الملا مصطفى وعبدالكريم قاسم، سعى بارزاني الى تحسين علاقاته معه، فقام بإصدار أوامره لنصب كمين لرئيس عشيرة الخوشناو صديق ميران بك الذي كان نائبا في العهد الملكي وعلى علاقة حسنة مع قاسم.وهو ثاني رئيس عشيرة مناوئة له يتم تصفيته بأمر البارزاني..ثم من وراء ظهر المكتب السياسي للحزب قام الملا مصطفى بتحريض رؤوساء العشائر والقبائل للتظاهر المسلح ضد الحكومة،وكان هؤلاء يضمرون الكراهية لقاسم بسبب تشريعه قانونا للإصلاح الزراعي، ولكن أعضاء المكتب السياسي لم يؤيدوا هذه التظاهرات وإعتبروها مضرة بالشعب الكردي، وكانوا يتصورون ومعهم الشيوعيون بأن هذه التظاهرات مدفوعة من قبل القوى الإمبريالية، ولم يكونوا يعلمون بأن الملا البارزاني هو من يدفعهم الى ذلك، لذلك يمكن القول بأن المكتب السياسي كان في واد والملا مصطفى في واد آخر.وهكذا تجمع الآلاف من المسلحين بأنحاء كردستان، وكان الملا مصطفى يظن بأن هذه التظاهرات ستخيف قاسم وحكومته، وأنها ستدفع بقاسم الى الإلتجاء إليه لتسكين الوضع وعندها يستطيع أن يفرض شروطه عليه.لكن حكومة قاسم أصدرت أوامرها الى الجيش المرابط بدربنديخان وبازيان في 9-11 أيلول1961 بالتقدم نحو السليمانية وشاركت الطائرات بالتحليق فوق المتظاهرين فإنفضت التظاهرات وإنسحب المتظاهرون بشكل عشوائي وأخلوا خنادقهم فدخل الجيش الى مواقعهم.ثم بدأت ملاحقة أعضاء الحزب وزجهم بالسجون في مقراتهم الأصلية.
وحين بدأت ثورة أيلول كان الشيخ أحمد البارزاني شقيق الملا مصطفى يقيم في بارزان ولم يقم بأية إستعدادات للثورة بل على العكس حين قصفت الطائرات العراقية بلدة بارزان،فإن الشيخ أحمد أبرق لعبدالكريم قاسم مجددا ولائه وإخلاص عشيرة البارزان له ولحكومته معربا عن إستنكاره الشديد ضد ثورة الملا مصطفى".
وفي لقائي مع السياسي الكردي الدكتور محمود عثمان المنشور بجريدة " إيلاف" أكد لي في مذكراته " أن الملا مصطفى سعى قبل عام 1964 الى تصفية جناح المكتب السياسي الذي ضم كبار مثقفي الحزب ومناضليه من الهيئة المؤسسة لينفرد بقيادة الثورة والحزب، ولذلك عقد مؤتمرا حزبيا ضم اليه كل من يؤيدون نهجه،ثم قام بطرد جميع أعضاء المكتب السياسي المناوئين له لينفرد بزعامة الحزب".وكان هذا الإنشقاق وما ترتب عنها من إضعاف الصف الكردي وشقه الى نصفين هو أحد الأسباب التي أدت الى إنهيار ثورة أيلول والرضوخ لإرادة شاه إيران بوقف الثورة ضد نظام البعث".
حتى أثناء الإنتفاضة الجماهيرية التي إندلعت في ربيع عام 1991 لم يكن لمسعود بارزاني أي دور في قيادتها، فقد فرضته إيران مسؤولا للجبهة الكردستانية وهو جالس في منطقة كرج القريبة من طهران، في حين أن القادة الميدانيين للإنتفاضة والذين واجهوا قوات صدام حسين كانوا من قيادات الإتحاد الوطني والأحزاب الأخرى المؤتلفة معه بالجبهة الكردستانية.
وكان أول من نادى بحق تقرير المصير للشعب الكردي هو الإتحاد الوطني الذي ثبت هذا الشعار منذ أن كان في الجبال، ثم تبنت بقية الأحزاب هذا الشعار كخيار للشعب الكردي، وجاء حزب بارزاني متأخرا ليتبنى هذا الشعار الذي يستخدمه اليوم كلما واجهته أزمة سياسية كذريعة لكسب التعاطف الشعبي.فقد لوح بهذا الشعار منذ أكثر من ثلاث سنوات حين إشتد نزاعه مع نوري المالكي وذهب الى خطوط التماس لينظر من هناك بالمنظار الى ربايا الجيش العراقي كما فعل صدام أثناء قادسيته المشؤومة، وقبل سنتين أيضا لوح بالإستقلال حين تفاقم الفساد وهدد أركان حزبه وحكومته، ومنذ شهرين مع إقتراب نهاية ولايته يستخدم هذا الشعار لخدع الجماهير وإيهامه بالإستقلال في حين أن حكومته لا تستطيع دفع رواتب موظفيها.
لقد تحول شعار الدولة الكردية المستقلة عند حزب بارزاني الى مجرد ورقة زائفة هدفها خدع البسطاء من الشعب، وإلا فإن من لديه أٌقل قدر من الثقافة يدرك حقيقة وماهية هذا الحزب وقيادته ويعلم جيدا بأن قيادة الحزب ليست مؤهلة البتة لقيادة الشعب نحو هذ الهدف الأسمى لأن الشعب لايريد دولة يقودها آل بارزان الى أبد الآبدين، وأن حزبا عشائريا مثل حزب بارزاني الذي حول إقليما صغيرا الى جحيم لايطاق يفر منه الشباب، لا يستطيع بناء دولة كردستان الكبرى، وبالتالي فإن إطلاق مثل هذه الشعارات تبقى مجرد أضغاث أحلام وكلام فارغ لايسمن ولا يغني عن جوع الشعب الكردي الى قوته اليومي.
التعليقات