&&كان ذلك حوالي عام 2000 حين سمعت قصة صديقتان من أصول عربية . مطلقتان تحملان الجنسية البريطانية . الأولى حصلت على طلاقها في المحاكم البريطانية، ووثقته في جامع ريجنت بارك، وتزوجت بعد إنتهاء شهور العدة. حاولت العودة إلى العراق، ولكنها علمت بأن القوانين هناك لن تعترف بطلاقها ولا بزواجها الثاني، وعليه ’تعتبر زانية. الثانية مصرية لم تتزوج بعد طلاقها، ولكنها لم تستطع العودة لأنها علمت بأن زوجها قدم طلبا للمحكمة يطلبها لبيت الطاعة، وأن المحكمة حكمت عليها بتنفيذه. مما سيعرضها للسجن أو تنفيذ الحكم حال عودتها. وهي نفس حالة الخوف التي ’تعاني منها العديد من النساء من الأصول السعودية بالتحديد يعشن في بريطانيا الآن!&

&حينها كتبت رسالة للبرلماني جاك سترو والذي كان وزيرا للشئون الداخلية آنذاك . أسأله ما موقف الحكومة البريطانية، فيما لوتعرضت مواطنتها للتوقيف والإستجواب في قضايا جدلية وتتعارض مع الحقوق والقوانين المعمول بها. كما في قصه صديقتاي. وإذا ما كان بإستطاعة الحكومة البريطانية، إجبار الدول الأخرى على الإعتراف بالأحكام الصادرة من محاكمها. جاءني الرد بأن الحكومة البريطانية لا تستطيع التدخل في مثل هذه القضايا . لأنها ترتبط بالثقافة المحلية وبالدين. وبالتالي لا تستطيع الحكومة البريطانية مساعدة مواطناتها في مثل هذه الأمور. كما ولا تستطيع إجبار أية دولة الأخذ بما يصدر من المحاكم البريطانية لأن لكل دولة السيادة لقوانينها على أرضها؟

فيما بعد علمت بأن الحكومة البريطانية، تتوقف كليا عن مساعدة مواطنيها في حال قيامهم بالإخلال بأي من القوانين المعمول بها في الوطن الأم. ولكني علمت مؤخرا بتعديل هذا القانون، إلى إلتزام الحكومة البريطانية بمساعدة مواطنيها فيما إذا كانوا لا يحملون أية جنسية أخرى بجانب الجنسيه البريطانية.

في الثاني من أغسطس من هذا العام. قامت جريدة الجارديان البريطانيه، وربما تحت ضغط منظمات العمل المدني النسائية، بكتابة مقال تتساءل فيه، عن سبب تأخر الحكومة البريطانية في التصديق على ما وقّعت عليه في إتفاقية إستانبول.. بعد مرور ثلاث سنوات وعشرة أشهر، والتي وقعت عليها العديد من دول الإتحاد الأوروبي منها فرنسا وألمانيا واليونان وإسبانيا وسلوفاكيا والنمسا وفنلندا وأيسلندا ولوكسمبورغ والبرتغال والسويد إضافة إلى دول أخرى. كما ووقعت عليها الدولة الإسلامية الوحيدة تركيا . في مايو 2011. وتنص الإتفاقية المعروفة بإتفاقية إستانبول على العمل على خلق لجنة مستقلة من الخبراء المختصين، ليعملوا على تقديم قرارات دورية عن الإجراءات، التي ستتخذها كل من الدول الموقعه لمناهضة العنف ضد المرأة . بجميع اشكاله، وزيادة في التحقيقات والملاحقات القضائية والإدانات التي ستطال مرتكبي العنف . بما فيها التحرش الجنسي والعنف المنزلي والزواج القسري وتشوية الأعضاء التناسلية للإناث.&

وأن الإتفاقية دخلت حيز التنفيذ إبتداء من الأول من شهر أغسطس.

&وأوردت الصحيفة، بعضا من الأسباب التي قد تكون سبب إعاقة تصديق الحكومة البريطانية، وإن كانت تتناقض مع ما يؤكدة العديد من المسؤولين الحكوميين، بأن السياسة الحكومية البريطانية، تعمل على ردم الفجوة بين الجنسين. وعلى تمكين المرأة في كل مناحي الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية . وربما تكون أسباب تاخرها ..&

&النفقات المالية المترتبة على التصديق. والتي ستلزم الحكومة بخلق لجان جديده لتقديم البحوث المتخصصة في هذا الشأن .&

إلتزام حكومي بتغطية جميع نفقات العلاج وإعادة التأهيل للمرأة المعنفة .

أن الحكومة تبحث، في ما إذا كان بإستطاعتها فرض عقوبة، أو طلب إعادة مرتكبي جرائم مثل قتل الشرف، والزواج القسري، وزواج القاصرات. فيما لو تمت اي من هذه الجرائم في الدول الأخرى (مثلا الدول الإسلامية الأم).&

أن التصديق على الإتفاقية سيفتح الباب لطالبات اللجوء من المعنفات. وسيلزمها بقبولهن في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على الحد من قدوم المهاجرين إليها.&

وأن هذه النفقات، تتعارض مع سياستها التقشفية للحد من النفقات الحكومية.

السؤال الأهم في تقديري. هل ستستطيع الحكومة البريطانية، مطالبة الدولة الأم بإستعادة مثل هؤلاء المواطنين الذين أخلوا بقانونها؟ وتعريض مصالحها الإقتصادية لما قد يترتب عليه من شروط قد تضعها الدول الأم، ورفض تسليم هؤلاء المجرمين، متعللة بان ما فعلوه لا ’يعتبر جريمة. لأنها لا تتعارض مع الدين ولا الثقافة.

فمثلا، نرى ان تركيا، وبرغم تعارض الإتفاقية مع السياسة الحكومية الأردوغانية، التي حكمت تركيا منذ 2002، وسعت خلالها إلى أسلمة المجتمع التركي، والحد من حقوق المرأة بما فيها حق الإجهاض، والتأكيد على ضرورة إنجاب ثلاثة من الأطفال على الأقل. إلا أن تركيا وقعت على الإتفاقية، ’مغّلبة مصالحها الإقتصادية، وطموحها لنيل عضوية الإتحاد الأوروربي. ومبرزة الوجه الحضاري لتركيا، والمرتبط في هذا العصر بالتنديد ووقف كل أشكال العنف ضد المرأة، حتى وإن إتصل بأي تبريرات فقهية ..&

الأهم .. ماذا سيكون موقف الدول العربية من هذه الإتفاقية، خاصة وأن كل أشكال العنف على المرأة تقع ضمن التبريرات الفقهية. فالعنف في ضرب المرأة، لا زال محل مد وجزر. لتوضيح طول العصا و’قصرها وأن لا يترك أثرا. ولا مكان هناك للإعتراف بالإغتصاب الزوجي. وزواج القاصرات معمول به في كل الدول العربية علنا وخفية. إستنادا إلى زواج النبي بعائشة، وهي بنت 6 سنوات. كما درسنا سابقا،وإن حاول بعض الفقهاء القول بحدوث خطأ في حساب عمرها. وأنها كانت في الثامنة عشرة. والزواج القسري الذي يستمد قوته من فقة الولاية. وتشوية الأعضاء التناسلية للمرأة معمولا به في بعض من الدول الإسلامية إستنادا إلى حديث ضعيف.&

السؤال هنا، هل ستتقاعس بريطانيا عن التوقيع والإلتزام بحماية مواطنتها، خوفا من تعرض مصالحها الإقتصادية لهزة؟ متعلله بالخصوصية الثقافية. كما جاء في رد السير جاك سترو سابقا؟ أم أن ضغط وقوة منظمات العمل المدني النسائية ستجبرها على عدم التضحية بالمرأة وتغليب المبادىء البريطانية على أي من المصالح الأخرى؟؟&

وماذا سيكون رد الدول العربية، فيما لو تقدمت بريطانيا بطلب المجرم من مواطنيها لتقديمه للعدالة على أراضيها، بينما لا تتعارض جريمته مع القوانين والنظام القضائي المعمول به في الدولة الأخرى (الأم)؟ كما في حال تخفيف العقوبة على الجاني في جريمة قتل الشرف. أو تزوج المغتصب من مغتصبتة؟؟؟&

ماذا لو عادت إحدى المطلقات، التي صدر بحقها حكم طاعة ولم تنفذه، لزيارة أهلها في البلد الأم السعودية مثلا، وتعرضت للسجن او تنفيذ ذلك الحكم؟؟ فهل ستعيدها المملكة؟ وهل المرأة هنا مجرمة حين رفضت الإلتزام بحكم الطاعة؟؟&

هي ستعتبره مجرما من يقوم بتزويج إبنته القاصرة؟ والمتوافق مع فقه الولاية في قوانينها، وهي التي وقعت على إتفاقية، تبادل المجرمين بعد قتل احد الأمراء لرفيقة في فندق قبل سنوات أم ان هذه الإتفاقية تبقى قصرآ على المتنفذين وذوي السلطة؟

’ترى ماذا سيكون موقف الدول العربية الإسلامية كلها من هذه الإتفاقية؟؟ فبينما يتشدقون ليل نهار بتكريمهم للمرأة، ’يبقون على واحد من أكثر النظم القضائية إجحافا وعدم عدالة للمرأة. وهو قانون الأحوال الشخصية المرتبط بالتبريرات والتأويلات الفقهية، في مقاصد الشريعة والنصوص والأحاديث.

وهل ستعمل الدول العربية والإسلامية، على تكتل واحد لعرقلة العمل بالإتفاقية؟ كما حدث فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، حين تكتلت دول منظمة المؤتمر الإسلامى، مع الدول العربية وبعض الدول الافريقية، لتحويل المجلس إلى منصة للدفاع عن الإسلام، والهجوم على كل من يعترض على أى انتهاكات، يكون سببها القانون الإسلامى، بينما عملوا على تعديل القوانين التجارية والإقتصادية الأخرى. ويبقى قانون الأحوال الشخصية أساس النظام القضائي فيما يتصل بأي حقوق للمرأة. أم ستتغلب عولمة الحقوق وبالتحديد حقوق المرأة في العدالة والمساواة.&

سؤالين يخطران ببالي الآن وبعد وصول الأعداد الهائله من المهاجرين من الدول العربية. هل يعي هؤلاء مدى الإختلاف في الثقافة وفي القوانين المعمول بها في الدول الغربية. وهل سيلتزمون بها؟؟ وهو ما اتمناه قلبيا وعقليا.&

الآخر .. لحكام المنطقة العربيه، إلى متى يبقى العمل بنظام قضائي يلغي إنسانية المرأة وإنسانية المجتمع. ومتى سيعوا بأن حقوق المرأة في المساواة وفي العدالة، هي الطريق الأساسي للديمقراطية، وللإستقرار السياسي، ونبذ العنف. الذي إنتقل من جيل إلى جيل خالقا معه مجتمع العنف.

&

منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية للمرأة&