&أخيراً تمكن العلماء في أواسط شباط 2016 من اكتشاف الموجات الثقالية وهي خطوة جبارة تماثل في أهميتها اكتشاف إشعاعات الخلفية الميكروية الأحفورية للكون المرئي CMD التي تعود إلى مرحلة الانفجار العظيم وسيترتب على ذلك تطورات مهمة في عملية فهمنا للكون المرئي وإدراكنا لحقيقته. فبعد اكتشاف موجات الجاذبية التي تنبأ بها آينشتين بات من الممكن رؤية ولادة الكون في لحظة الانفجار العظيم وتقديم الدليل &العلمي على وجود الثقوب السوداء المنتشرة في كوننا المرئي لأن رصد هذه الموجات الثقالية نجم عن اندماج الثقبين الأسودين على بعد أكثر من مليار سنة ضوئية عن الأرض، حيث أنتج هذا الحدث طاقة هائلة تزيد أكثر من ثلاثة أضعاف كتلة الشمس بيد أن هذه الطاقة تتخذ هيئة موجات ثقالية وتنتج ضوءاً يزيد بكثير عن الانفجارات الناجمة عن مجمل المستعرات &العظمى &ـ السوبرنوفا ـ الموجودة في كوننا المرئي &مما يشكل في حد ذاته حدثًا كونيًا هائلًا، حدث في أعماق الكون.&

يلمس العلماء اليوم أن أغلب ما يتحقق من اكتشافات في مجال علم الكونيات والفيزياء النظرية وفيزياء الجسيمات الأولية كان آينشتين قد تنبأ بها في نظريته النسبية الخاصة والعامة وكذلك ماكس بلانك وبيتر هيغز وكورت غودل، وغيرهم من العلماء الأفذاذ. &بالرغم مما واجهوه من اعتراضات ورفض وسخرية وتعنت من قبل المؤسسة العلمية التقليدية، التي عدت أفكارهم نوعاً من الهراء والهرطقة.&
يعتبر كورت غودل Kurt Gödel أكبر عالم رياضيات في عصرنا الحديث وهو العقل الموازي لعقل آينشتين في الفيزياء وهو صديقه الشخصي أيضاً.&
كان غودل الطفل يمتلك موهبة فذة وفضول علمي نادر لدى أقرانه فهو يريد أن يعرف أي شيء وكل شيء ويطرح مئات الأسئلة في نفس الوقت مما أثار ذهول والديه ومعلميه في المدرسة وكان دودة مكتبات يقرأ كل ما يقع بين يديه وقد التهم مؤلفات الفيلسوف أوغست كانط دفعة واحدة ولم يبلغ بعد مرحلة النضوج. ولقد طرح على رفيقه داخل إحدى المكتبات الضخمة في ألمانيا قائلاً :" هل يوجد شيء ، بعد كل هذه الجهود والمؤلفات والكتب والأبحاث لا يمكننا معرفته بعد ذلك؟" . وفي عام 1930 وفي خضم بحثه عن أجوبة عن تساؤلاته الوجودية والفلسفية، وحيداً أو في إطار حلقة تفكير هي " حلقة فينا الشهيرة" التي كانوا يناقشون فيها موضوع " الوضعية المنطقية positivisme logique " حيث كان الهم الأكبر لديهم هو استنطاق المنطق ولا شيء غير المنطق لمعرفة سر الوجود، نبتت بذور نظريته الرياضية عن &اللاتكامل l’incomplétude أو عدم الاكتمال. وهذه النظرية هي أعقد وأكمل وأغنى وأصعب نظرية رياضية إلى اليوم ولا يعادلها سوى النسبية &والكموم أو الكوانتوم في الفيزياء المعاصرة. وقد تبلورت أفكاره الرياضية المنصوص عليها والمعلن عنها في مرحلة مبكرة من حياته العلمية، في دراسة نشرها سنة 1931 في إحدى المجلات العلمية المتخصصة في الرياضيات وأحدثت صدمة لدى المتخصصين في هذا العلم من أمثال عالم الرياضيات الكبير هيلبرت Hilbert الأستاذ في جامعة غوتنغين Göttingen وفحواها يقول:" إن كل نظام منطقي هو بالضرورة وعلى نحو لا مفر منه &لا متكامل أو غير مكتمل وهو أمر مثبت رياضياً " مما ينسف كافة الجهود السابقة على مدى قرون التي حاولت أن تجعل من الرياضياات نظاماً كاملاً وقادراً على حل كافة المشاكل &والمعضلات مما قوض حلم المعلم الكبير هيلبرت، في حين &كانت النظرية قد أسرت لب آينشتين وإعجابه. ولكن عندما وصل هتلر للسلطة سنة 1933، تغير كل شيء فغادر آينشتين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتبعه بعد فترة قليلة كورت غودل بعد أن تعرض للاعتداء عليه من قبل ميليشيات الحزب النازي الحاكم باعتباره يهودياً. التحق بصديقه آينشتين في برينستون في معهد الدراسات المتقدمة وبدأ تعاونهما العلمي الذي استمر عقوداً طويلة.
كان آينشتين ضعيفاً في الرياضيات مقارنة بالفطحل كورت غودل. وكانت معادلات غودل المليئة بالرموز غير المفهومة شديدة الصعوبة بالنسبة له، ومع ذلك ، وبفضل هذه النظرية الرياضية، أراد آينشتين أن يثبت أن الصدفة ليست هي سيدة الطبيعة و لا يمكنها أن تكون كذلك محاولاً أن يثبت بأن الميكانيك الكمومي أو الكوانتي &ناقص وغير مكتمل، من خلال تحديه لنيلز بور &بأطروحته الموسومة مفارقة EPR، مع زميليه بوريس بودولسكي Boris Podolsky وناثان روزين Nathan Rosen. فآينشتين يصر على وجود حالة واقعية للجسيم الأولى حتى قبل المباشرة بقياسه &أو رصده على النقيض من نيلز بور Niels Bohr، وأتباعه الذين يعتقدون أن الطبيعة غير معروفة وغير محددة indéterminée إلا حين يتم رصدها. يعزو آينشتين ذلك &إلى كون الطبيعة غير مكتملة وبالتالي علينا أن نأخذ في الحسبان عامل " التنوعات أو المتغيرات الخفية variables cachées، فالجسيم الأولي يتصرف بطريقة تبدو لنا عشوائية أو اعتباطية لكنها في واقع الأمر تخضع &لقوانين خفية لا نعرفها هي التي أطلق عليها آينشتين المتغيرات الخفية".
كان عالم الرياضيات الشهير جون فان نيومان John Von Neumann أحد أكثر المتحمسين لنظرية غودل الرياضية في اللاتكامل أو عدم الكمال و اللاإكتمال &l’incomplétude وأحد أقطاب &نظرية رياضيات الصدفة mathématiques du hasard، وكان أستاذ غودل في مدرسة البولتكنينك في زيورخ وقال عنه في مذكراته" إنه الطالب الوحيد من طلابي الذي كان يرهبني ويثير أعصابي بذكائه وموهبته، لقد كان سريعاً في حل المسائل على نحو مذهل" لذلك &كان نيومان مأخوذاً ومسحوراً بجمال &وحقيقة وصحة نظرية كورت غودل وقال بإمكانية تطبيقها على الظواهر المرصودة على المستوى الكمومي أو الكوانتي. ونشر دراسة ي هذا المجال سنة 1932 وقال فيها ما معناه إن الأحداث التي تقع في مستوى الجسيمات الأولية تبدو لنا غامضة وغير واضحة ويتعذر سبرها ولكن في واقع الأمر يعود ذلك لكون معلوماتنا ومعرفنا هي القاصرة والناقصة أو غير الكاملة وبالتالي ينبغي أن ننظر للصدفة على إنها نوع من اللاتكامل أو عدم الاكتمال الأساسي أو الأولي. فلا فائدة و لا معنى لأية محاولة في أن نكون دقيقين عندما لا نعرف عماذا نتحدث ". فكل ما فعله نيومان هو تطبيق نظرية غودل الرياضية على الواقع الفيزيائي في مستواه اللامتناهي في الصغر. ولتدعيم رؤيته &لجأ في نفس الوقت إلى نظرية المعلومة الحاسوبية &de l’information théorie وطرح تساؤله الجريْ :" كيف نفهم ما يدعى بالصدفة في ظاهرة كمومية أو كوانتية؟ والجواب هو بمساواة &الصدفة مع شكل الفوضى البادية على أية ظاهرة كمومية أو كوانتية، أي بغياب المعلومة اللازمة &الناجمة عن اللاتكاملية أو عدم الاكتمال الغودلي، الذي يسمى في الفيزياء &الأنثروبي. فالأحداث &التي تقع في مستوى اللامتناهي في الصغر ، أي المستوى الكمومي تبدو عشوائية أو اعتباطية &كما أوضح ذلك مبدأ الريبة أو &اللايقين &principe d’incertitude، لهيزنبيرغ، لكن ذلك لا يعني أنها تحدث بفعل الصدفة بل وفق نظام غير مرئي لا نعرفه أو لم نكتشفه بعد. والأمر الأكيد الآن هو أن معلوماتنا العلمية بشأن مثل هذه الظواهر قاصرة وناقصة وغير مكتملة وهي النتيجة التي توصل إليها العالم الفرنسي برنارد إسبانيات Bernard d’Espagnat الحائز على جائزة تمبلتون سنة 2009. ولقد أثبت تجربة آسبيه Aspect حول الانتقال الكمومي أو الكوانتي الآني téléportation quantique صحة مبدأ هيزنبيرغ مختبرياً، حيث يبدو الواقع محجوباً وسيبقى كذلك لأن ما يبدو منه للعيان ليس سوى جزء ضئيل من حقيقته. ولقد أشار كورت غودل نفسه إلى أن معلوماتنا عن الواقع كانت وستظل ناقصة وغير مكتملة. بسبب اللاتعيين أو اللاحتمية الكمومية أو الكوانتية l’indétermination quantique. ويبدو أن آينشتين لم يكن مخطئاً كلياً عندما خالف بور وقال أن هناك شيء ما ينقص الميكانيك الكمومي أو الكوانتي &التقليدي المعروف &وإن هناك متغيرات خفية &يمكن لقيمها الحسابية، لو عثرنا عليها وتمكنًا من حسابها، أن تتحكم هي بالذرات الأولية وتقرر متى يجب أن تتفكك. وبهذا الصدد كتب أحد منظري &الصدفة الكمومية أو الكوانتية hasard quantique &وهو العالم كريستيان كلود Christian Claude من جامعة أوكلاند في مقال شهير له نشر سنة 2005 :" إن &مبدأ اللايقين أوالريبة الهيزنبيرغي l’incertitude &ينطوي على الصدفة التي تنطوي بدورها على مبدأ &اللاإكتمال أو عدم الإكتمال &الغودلي l’incomplétude ".&
إن المعلومات &الرقمية أو الحاسوبية &للعالم الفيزيائي تجد منبعها &في العالم التجريدي ذو الجوهر الرياضياتي. وهناك تركيبة خفية &ومجهولة في الوقت الحاضر هي التي تتحكم بالعلاقات &بين العالم الفيزيائي le monde physique والعالم الرياضي le monde mathématique &. وليس بوسع المعلومات التي توسم &الظواهر الفيزيائية أن &تعدل أو تغير أبداً &المعلومات الخاصة بالعالم الرياضي مما يترتب على ذلك وجود قانون حفظ المعلومة &Loi de conservation de l’information &الذي يجعل من المعلومة الرياضية مجالاً ثابتاً invariant &لا يتعرض للتغيير .
نستخلص من ذلك إن الصدفة &كما توجد في حقيقتها التي نلمسها في حياتنا، ما هي إلا مجرد إنعكاس في العالم الفيزيائي &لشيء ما مدرج في ذلك العالم المستقل &التجريدي &المتسامي أو المتعالي &المعروف بالعالم الرياضياتي le monde mathématique &.&
إن هذا العالم المتعالي موجود في الــ " الهناك " أو الماوراء، &في اللامكان L’Ailleurs، وهذا الحيز المكاني التجريدي لا يحتوي على المادة ولا على الطاقة &المعروفين لدينا وكل ما يحتويه هو المعلومة الافتراضية الرقمية الحاسوبية L’information informaticienne ، والتي هي ماهية لا مادية essence immatériel &أو جوهر غير مادي لا يتواجد في المكان الإقليدي ولا في الزمان الواقعي le temps réel، بل في &ما يسميه علماء الرياضيات الزمن الخيالي أو المتخيل le temps imaginaire المركب الذي يحسب بالأعداد الخيالية les nombres imaginaire &حيث تقبع الصدفة &المحكومة بنظام غير مرئي يتعدى بكثير نظامنا الواقعي المحسوس. حيث ينهار الــ " هنا " والــ " هناك " كما يقول عالم الرياضيات جون بيل John Bell صاحب مبدأ كليات بيل &الرياضية intégralités de Bell . الذي يوضح لنا إن جسيمين أوليين ماديين &منفصلين عن بعضهما، كما يبدوان لنا، لكنهما في واقع الأمر مرتبطين ببعضهما على نحو غامض بشيء مجهول غير مرئي يوصل المعلومة بينهما بأسرع من الضوء بكثير على نحو آني متزامن تماماً مهما كانت المسافة التي بينهما ، حتى لو كاناً على طرفي &الكون المرئي المتقابلين، أي على تخوم الكون المتباعدة بمليارات السنين الضوئية. بعبارة أخرى نستشف من ذلك إن البنى أو البنيات الرياضياتية structures mathématiques هي التي تأمر وتتحكم بالظواهر.
ذلك يعني &أن ذاكرة الكون المرئي محفوظة إلى الأبد على شكل بايتات معلوماتية حاسوبية هي بمثابة الشفرة الوراثية الكونية L’ADN Cosmique، على غرار ما يوجد في الحامض النووي &لدى البشر.
&يتبع
&