قال لي سياسي مخضرم وخبير نفطي بارز(كلكم مسؤولون عما وصلت إليه أحوال العراق اليوم من تدهور في كل الميادين). كان جوابي موافقة على ما قال حين أنظر عقوداً وعقوداً الى وراء. الجميع أخطئوا ولكن بدرجات، مابين من اعترفوا جهاراً نهاراً بأخطائهم وصححوها، وهم أقلية، وما بين أكثرية لم تر داعياً لإعادة النظر ولو بحدها الآدنى .. حديث اليوم هو عن دور الزعامات السياسية والدينية الشيعية ، على مدى فترات تاريخنا الحديث، ولحد اليوم. حديثي عن دعوات الجهاد للوقوف الى جانب العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى مع أنها احتلت العراق اربعة قرون، واضطهدت شيعة العراق بوجه خاص. ومع بداية العراق الجديد، دعوات مقاطعة انتخابات المجلس التأسيسي، ومقاطعة الوظيفة الحكومية ومدارس الدولة، ثم مقاطعة التجنيد الاجباري في الثلاثينيات.&
ومع ثورة 14 تموز نشأ حزب الدعوة سراً ليحارب الثورة بحجة أنها انقلاب إنجليزي، وكان يتعاون في ذلك مع الحزب الاسلامي الإخواني المجاز. وهبت المرجعية الدينية الشيعية للتنديد بالزعيم قاسم والثورة، وكفَّرت اليسار، وذلك احتجاجاً على صدور قانون الآحوال الشخصية المدني .. تلك كبوات وأخطاء لم تستفد من عبرها الزعامات الشيعية مع الحرب على صدام وبعدها. كما لم تستفد من أخطاء اللآخرين. ومن مؤتمر لندن، عشية الحرب ، طرحوا مقولات ( الاكثرية الشيعية) و(المظلومية الشيعية) بدلاً من تصدّر المناداة بمبدأ المواطنة والمساواة والمظلومية العامة زمن صدام.
&وما ان سقط النظام السابق، ووجود ظروف معقدة وصعبة، نادت الزعامات السياسية والدينية الشيعية الى الانتقال الفوري للانتخابات وفي اول مناسبة، في زمن مجلس الحكم، عملوا في مجلس الحكم على إلغاء قانون الأحوال الشخصية، ولكن القرار جوبه بمعارضة قوية، ففشل. وفي الانتخابات الاولى صبغوها بصبغة طائفية، وأعلنوا أن قائمتهم هي قائمة السيد على السيستاني، وقد صدق الناس بسبب صمت الاخير .. وفي انتخابات ما بعد الولاية الاولى للمالكي، وعندما فازت قائمة الدكتور اياد علاوي بالمرتبة الاولى، هرع أقطاب الاحزاب الشيعية الى ايران ووجدوا صيغة تفسير باطل لمعنى الاكثرية، باعتبارها اكثرية برلمانية، فجاء المالكي للسلطة من جديد ليواصل سياسات طائفية استئصالية، ويخلق الازمات ، ويطلق العنان للفساد، بداية من العائلة ... وبعد ان سلم الموصل الى داعش ابتكر نظرية أن داعشاً هو (ثورة السنة على الشيعة) وهكذا وهكذا، كانوا يرددون ان كل ما مر من فترات حكم كان يمثل (حكم السنة) طبعاً، ذلك باطل، وانما الصحيح أن معظم الحكام كانوا في بعض العهود كانوا من السنة، ولكن دون وجود سياسات مقررة لتهميش الشيعة . كانت رئاسة الوزارة في العهد الملكي من نصيب ساسة سنة في اكثر الأحيان، ولكن ساسة شيعة وصلوا للمناصب أربع مرات. والمراسيم الدينية الشيعية كانت تتم دون قيود، سوى في بعض ايام ياسين ألهاشمي، ثم بعيد انتفاضة آذار 1991. وليكن، ولنسلّم، كان (حكم السنة) ، فلماذا لم يضربوا المثل الايجابي عندما استلموا معظم المناصب والمؤسسات الاساسية للسلطة، ومنها رئاسة مجلس الوزراء ، والقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية ومعظم المناصب الهامة الاخرى في الدولة ؟؟
لقد تصرفوا وكأن الدولة هي دولتهم، وراحوا يتاجرون بالمشاعر الدينية للشيعة بأمل كسبهم، وسخروا الدولة للمراسم الشيعية، التي أضافوا كل يوم مناسبة جديدة الى ماسبق، مع تعطيل دوائر الدولة. وعملوا على تقديم المرجعية الدينية الشيعية وكأنها مرجعية سياسية للعراق ولجميع العراقيين على اختلاف الاديان والمذاهب. وقدموا الذرائع لكي تصف وسائل إعلام عربية الحكم اليوم بأنه حكم شيعي، تابع لإيران ، مع ان جماهير الشيعة تعاني من الفقر والبطالة والتهميش كالآخرين، والمتاجرة بمشاعرهم الدينية بتجييش الدولة في المناسبات الشيعية من زيارات مليونية ومناسبات كثيرة اخرى لم تكن معروفة من قبل. وكل ذلك برعاية الدولة والأموال العامة مع ان الدولة يجب ان تكون محايدة، فتحترم كل المناسبات الدينية والمذهبية وتحرص على ادائها بهدوء، وليس الاقتصار على مناسبات شيعية وحسب بما يشبه(تشييع) الدولة وكأنها للشيعة وحدهم.
وبدلاً من اعطاء المثل للآخرين في النزاهة والالتزام بمبدأي المواطنة والمساواة، تصرفوا على نحو أخر، وانحدر العراق في الفساد الى مضرب الامثال. وهذا لا يعني ان الاخرين أبرياء، ولكن من في أيديهم أهم عجلات السلطة يتحملون المسؤولية الاولى. لم يتعظ سادتنا الآماجد بالأخطاء الماضية ولا استفادوا من السير المشرفة لفريق من الساسة الشيعة الذين مروا في تاريخنا الحديث، أمثال رضا الشبيبي، وجعفر ابي التمن، وسعد صالح ومحمد الصدر وغيرهم . وكيف ننتظر منهم الاقتداء بنزاهة ووطنية عبد الكريم قاسم ، وهم الذين استكثروا ان يصفوه بالشهيد ... كما استكثروا ذلك على الآلاف من المناضلين الديمقراطيين من مختلف ألاتجاهات الذين ضحوا من اجل شعبنا العزيز.
الموضوع يتسع للمزيد والمزيد، ولكي نختم المقال بالعودة للتاكيد على ان ما حدث للعراق ويحدث هو من اخطاء الجميع والتدخل الخارجي.....
&