&تقرير "جون تشيلكوت" رئيس لجنة التحقيق البريطانية في الحرب على العراق لم يأت بشيئ جديد حول الأسباب الحقيقية للغزو غير الشرعي الأمريكي – البريطاني للعراق في 19 مارس عام 2003م، بل كل حسناته (حسب اعتقادي الشخصي) هو انه وثق الجرائم البشعة التي ارتكبتها الحكومتين الأمريكية والبريطانية بحق العراق وشعبه ليتسنى للجيل الحالي والاجيال القادمة الاطلاع عليها. أشارت دراسة مسحية اجرتها مجلة "لانسيت" الطبية المرموقة الى ان حوالي 655 الف عراقي قتلوا خلال اربع سنوات فقط، اي منذ بداية الغزو في 19 مارس 2003م وحتى 11 اكتوبر 2006م، وهو رقم تخطى باقي التقديرات.&

ومن حسناته ايضا انه كشف للشعب البريطاني ان رئيس الوزراء السابق "توني بلير" كذب على الشعب البريطاني وممثليه في البرلمان. حيث يدعي "بلير" انه اعتمد على معلومات خاطئة زودته بها اجهزة المخابرات البريطانية، بينما تؤكد الأجهزة الاستخبارية والأمنية البريطانية انها نبهت الحكومة آنذاك (اي قبل الغزو) بأن التقارير والمعلومات التي يسربها الأمريكيون حول امتلاك العراق لقدرات نووية ليست سوى تقارير مزيفة. كل ما في الأمر هو ان "بلير" اعطى وعدا للرئيس الأمريكي "بوش" بالوقوف معه، حيث قال له في رسالة خاصة وقصيرة جدا: "سأكون معكم مهما كانت الظروف"، وفي سبيل ذلك قام بتزييف الأدلة لإثبات ان العراق كان يشكل تهديدا مباشرا لبريطانيا، وأن لندن يمكن ان تتعرض للهجوم في ظرف 45 دقيقة.&

أما بخصوص الكذبة الكبرى، اي امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، فقد اكد "هانز بليكس" رئيس فريق مفتشي اسلحة الدمار الشامل في العراق، انه وفريقه قد قاموا بحوالي 700 عملية تفتيش في 500 موقع قبل اندلاع الحرب ولم يجدوا اثرا لأسلحة الدمار الشامل العراقية، واخبروا كل من "توني بلير" ومجلس الأمن الدولي بذلك.&

أما بخصوص عدم شرعية إحتلال العراق، فقد اكد السيد "كوفي عنان" الأمين العام السابق للأمم المتحدة في الخامس عشر من شهر سبتمبر 2004م بأن إحتلال العراق غير شرعي ويتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة، حيث ان من اهداف الأمم المتحدة الواردة في المادة الأولى من الميثاق هي "حماية السلم والأمن الدوليين".&

بعد سقوط بغداد، قام الرئيس الأمريكي بإرسال فريق تفتيش برئاسة "ديفيد كي" الذي كتب تقريرا سلمه إلى الرئيس الأمريكي في 3 أكتوبر 2003م نص فيه أنه " لم يتم العثور لحد الآن على أي أثر لأسلحة دمار شامل عراقية"، وأضاف "ديفيد كي" في استجواب له امام مجلس الشيوخ الأمريكي بالقول:" أن بتصوري نحن جعلنا الوضع في العراق أخطر مما كان عليه قبل الحرب".&

وفي يونيو 2004م، وفي سابقة هي نادرة الحدوث أن ينتقد رئيس أمريكي سابق رئيسا أمريكياً حالياً، قال "بيل كلنتون" في مقابلة له نشرت في مجلة تايمزTime Magazine أنه كان من الأفضل التريث في بدء الحملة العسكرية لحين إكمال فريق "هانز بليكس" لمهامه في العراق. ولكن جورج بوش قال في 2 أغسطس 2004 م "حتى لو كنت أعرف قبل الحرب ما أعرفه الآن من عدم وجود أسلحة محظورة في العراق فإني كنت سأقوم بدخول العراق".

هذا الاعتراف يؤكد الأسباب الحقيقية لإحتلال العراق وإسقاط نظامه كما ذكرتها بعض المصادر وقتها هي:

1) تدمير القدرات العسكرية والاقتصادية العراقية لإخراج العراق من ساحة الصراع العربي – الاسرائيلي.

2) الهيمنة على سوق النفط العالمية ودعم الدولار الأمريكي، حيث أن صدام حسين كان قد اتخذ قراراً في عام 2000م باستعمال عملة اليورو كعملة وحيدة لشراء النفط العراقي بدلا من الدولار الأمريكي.

3) ضمان عدم حصول أزمة وقود في الولايات المتحدة بسيطرتها بصورة غير مباشرة على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم.&

4) المصالح الشخصية لبعض شركات الأعمال والشركات الكبرى المصنعة للأسلحة في الولايات المتحدة.

5) دعم واستمرار الشعبية التي حظي بها الحزب الجمهوري الأمريكي إبان احداث سبتمبر 2001م بغية استمرار هيمنة الحزب على صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة.&

6) تطبيق ما ورد في مذكرة أركان حكومته "تشيني-رامسفيلد-ولفوتز" التي كتبت عام 2000م والتي تمهد لدور استراتيجي أكثر فاعلية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.&

7) إنجاز المهمة التي لم يكملها والده "بوش الأب" في حرب تحرير الكويت، او ما يعرف بحرب الخليج الثانية.&

ماذا يفيد الاعتذار المقدم من بعض الساسة البريطانيين مثل "جون برسكوت" الذي كان نائبا لرئيس الوزراء "توني بلير" في عام 2003م، و "جيريمي كوربن" زعيم حزب العمال الحالي، والشعور بالندم بعد الخراب والدمار اللذين لحقا بالعراق، واتسعت رقعتهما لتشمل سوريا وليبيا واليمن، مخلفة مئات الألاف من القتلى والجرحى، وعشرات الألاف من اليتامى والأرامل، وملايين النازحين داخل وخارج الوطن العربي. أتمنى على منظمات حقوق الانسان - غير الحكومية - في الوطن العربي ان تبادر بالتنسيق مع منظمات حقوق الانسان في بريطانيا وعائلات الجنود البريطانيين الذين لقوا حتفهم في العراق لملاحقة "توني بلير" قضائيا اذا كان هذا ممكنا.&