لم يکن هناك من يتصور بأن الجمهورية الاسلامية الايرانية التي أسسها آية الله الخميني، والتي عول عليها العالمين العربي و الاسلامي کثيرا، بإنها ستنتهي في مفترق مواجهة المملکة العربية السعودية و العمل من أجل نشر ثقافة المعاداة لها و إعتبار الانتصار عليها إنتصارا للإسلام!

السعي للظهور بدثار إسلامي أبعد مايکون عن الطائفية، کان سعي الجمهورية الاسلامية الايرانية ولاسيما عندما کان هنالك رجال دين متسمين بالحکمة و المنطقة نظير المرحومين آية الله طالقاني و آية الله المنتظري، لکن هذا المسعى"التعايشي"و"الإنفتاحي"، لم يکن يروق لصقور الجمهورية التي بنيت على أساس نظرية ولاية الفقيه الإقصائية، ولهذا فإن التيار المتشدد المشبع بالفکر الانعزالي ذو البعد الطائفي قد هيمن على مقاليد الامور و صار صاحب الکلمة الفصل.

في بدايات الثمانينيات، کان هناك ثمة خطاب فکري في طهران يدعو للتقريب بين المذاهب و يٶکد على الوحدة الاسلامية و ضرورتها و أهميتها القصوى، وقد کان لهذا الخطاب تأثير کبير في جذب قطاع عريض من الشارعين العربي و الاسلامي حيث إنبهرا کثيرا بهذا الخطاب و إعتبراه أساسا يمکن البناء و التعويل عليه، غير إن الاحداث و التطورات اللاحقة التي جاءت تترى و من کل صوب و حدب، بدأت تفقد هذا الخطاب مصداقيته و تجعله ک"خشب مسندة"!

اليوم، وفي ظل عهد علي خامنئي، والذي أصابته الکثير من الهزات و الارتجاجات بما جعلته عرضة للکثير من المواقف و الاوضاع التي أقل مايقال عنها محرجة، نظير الحديث عن خلافته بل و حتى إقصائه، هذا إذا لم ننسى ماقد ردده المتظاهرون في إنتفاضة 2009، ضده و قاموا بتمزيق و حرق صوره، لايبدو إن الاوضاع في الجمهورية التي أسسها الخميني تسير على مايرام، خصوصا بعدما تم سحبها و إستدراجها و توريطها إقليميا بما يشبه حرب إستنزاف لدولة تواجه أوضاع إقتصادية بالغة السوء، من غير الاوضاع القلقة و المتوترة داخليا بين جناحي خامنئي و رفسنجاني و التي لاتحمل الخير في محصلتها النهائية لإيران و الشعب الايراني.

في هذا الخضم، وبعد التطورات الدراماتيکية التي أعقبت سيناريو(الانقلاب الحوثي) المعد و الموجه من طهران، فإن الاخيرة قد وضعت القادة السعوديين في موقف لم يتسنى لهم فيه المحافظة على حلمهم و تحفظهم، وإن عملية"عاصفة الحزم"، لم تکن إلا آخر العلاج بوجه جنوح و طموح قادة الجمهورية الاسلامية الايرانية من أجل التقدم صوب منطقة تحتسب ضمن نطاق النفوذ السعودي، کما إن حضور الامير شخصيا في التجمع السنوي الکبير للمعارضة الايرانية في باريس و خاطب زعيمة المعارضة الايرانية مريم رجوي و العدوة اللدودة لطهران في خطابه أمام أکثر من 100 من الايرانيين الذين حضروا التجمع:" وانت يا سيدة مريم رجوي، فسعيك لتخليص شعبك من السرطان الخميني ملحمة اسطورية ستبقى مثل الشاهنامة مسطورة في التأريخ."، هي رسالة ذات مغزى لطهران تٶکد بأنه لم يعد هنالك من خيار سوى مواجهة النفوذ و الهيمنة الايرانية المستشرية في المنطقة، رغم إننا نميل الى إن حضور الامير السعودي في هذا التجمع قد أسس لبداية مرحلة جديدة قد تعيد النظر في الکثير من الامور و القضايا المتعلقة بالملف الايراني و آثاره و تداعياته على المنطقة و العالم.

حضور الامير الفيصل الى جانب وفد رسمي من مصر، و وفود تمثل 14 بلدا عربيا آخرا، ليس مجرد إستعراض أو للإستهلاك الاعلامي إن صح التعبير، وانما هو تأکيد على إن مشوار التدخلات التي بدأتها طهران في المنطقة تحت ذرائع و حجج مختلفة، لم تعد قابلة للهضم و التحمل من قبل دول المنطقة ولاسيما السعودية التي تعتبر الهدف الاستراتيجي لطهران من أجل بسط کامل سيطرتها على العالمين العربي و الاسلامي، والحق، فإن السعودية حاليا آخر جدرا محکم في الامن القومي العربي يقف بوجه الجنوح الايراني.

الحضور العربي المميز في التجمع الاخير للمعارضة الايرانية و المتمثلـة بالمجلس الوطني للمقاومة الايرانية، کان بمثابة الصدمة لطهران، غير إن هناك أکثر من سٶال يطرح نفسه بعد هذه الخطوة العربية الايجابية في الاتجاه الصحيح وأهمها: ماذا بعد هذه الخطوة العربية؟ کيف سيکون شکل التعاون و التعاطي مع المجلس الوطني للمقاومة الايرانية و هل سيتم الاعتراف به رسميا و فتح مکاتب له في البلدان العربية؟ هل سيتم العمل من أجل دعم و مساندة الاتجاه الموازن للشيعة العرب الرافضين لأطروحة نظام ولاية الفقيه؟