نص ميثاق الشرف الإعلامي الصادر عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في مؤتمر عقد في تونس في عام 2013 على " نحن الإعلاميون العرب العاملون في مجالات الاتصال والإعلام والمعلومات نلتزم التزاماً ذاتياً نابعاً من إحساسنا بمسؤولياتنا المهنية والقومية، بمواد هذا الميثاق وفقا لمنطلقاته ومبادئه وأهدافه." وشددت بنود الميثاق على ضرورة الالتزام بالمصالح العليا العربية والحفاظ على الهوية العربية وتحري الصدق وقول الحقيقة والالتزام برفع مستوى الثقافة العربية بما يتماشى مع التطورات العلمية والتكنولوجية في العالم وعدم نشر أية مادة من نشأنها نشر الكراهية وإثارة الفتن واحترام الرأي والرأي الآخر ومنع التعبئة والتشهير والابتزاز وغير ذلك من الأسس والأخلاقيات التي تجعل الإعلام الجديد إعلاما مثمرا وبناء وعاملا للوحدة العربية والتأكيد على وحدة المصير وتعزيز الإحساس بالمسؤولية لدى كافة العاملين في الإعلام.

وهذه المبادئ مألوفة لدى الجميع، فهي تأكيد على قوانين الصحافة المفعلة في جميع الدول العربية، ولكنها في هذا الميثاق تشدد على خصوصية الإعلام الجديد. فما الذي يجعل الإعلام الجديد مختلفا عن الإعلام التقليدي؟ يشمل الإعلام الجديد الإنترنت والفضائيات وبالطبع فإن الإنترنت يحمل جميع مواقع شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر وأنستغرام والإيميل واليوتيوب وغيرها من المواقع، مما جعلها تتميز بعدة مميزات تختلف عن الإعلام التقليدي وهي سعة الانتشار وسرعته وسهولته ومجانيته كما أنه تفاعلي ويمكن للقارئ الإدلاء برأيه كما أن الإعلام الرقمي مزود بتقنيات حديثة تجعله مثيرا وجذابا بحيث يجذب أكبر عدد ممكن من القراء أو المستخدمين. فهل يمكن الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي في ضوء هذه الفوضى وشلال الدماء والانقسام والتشرذم في العالم العربي؟

نشرت محطة البي بي سي بتاريخ 19 يونيو 2014 الخبر التالي:

وينشر التنظيم في تغريداته على تويتر تفاصيل موسعة بشأن أنشطته، بما فيها عدد التفجيرات، والعمليات الانتحارية، والاغتيالات التي قام بها، بالإضافة إلى المعابر والمدن التي يسيطر عليها. ومن بين أكثر الهاشتاغات التي يستخدمها التنظيم: #بغداد_تتحرر و #العراق_يتحرر. وبجانب الهاشتاغات يصدر التنظيم مقاطع فيديو ترويجية محترفة من أجل "حملة المليار" التي تناشد المسلمين نشر رسائل، وصور، ومقاطع الفيديو على تويتر، وانستغرام، ويوتيوب دعما لداعش. ويظهر مقطع فيديو، نشر في 17 يونيو/ حزيران، أحد أعضاء داعش يتحدث الفرنسية ويطالب المسلمين بدعم قضية داعش الكترونيا. كما نشر الكثير من المقاطع مع ترجمة انجليزية. ويطلق داعش حملة الكترونية في 20 يونيو/ حزيران لدعم عمليات التنظيم في العراق وسوريا. كما يطلق هاشتاغ جديدا على تويتر باسم #جمعة_نصرة_الدولة_الاسلامية، مطالبا داعميه حول العالم بتصوير أنفسهم وهم يرفعون راية داعش، ونشر صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي أبريل/ نيسان 2014 طور التنظيم تطبيقا الكترونيا مجانيا يسمى "فجر البشائر"، يقوم بنشر التغريدات – التي وافق عليها مدراء داعش الاعلاميين – تلقائيا على حسابات المشتركين في الخدمة.

تشير بعض الدراسات إلى أن 80% من أفراد داعش جرى تنظيمهم من خلال الإنترنت وتشير كذلك أن هناك 90 تغريدة في الدقيقة الواحدة تسيء إلى المملكة العربية السعودية وهذا يساوي 192600 تغريدة في اليوم الواحد. كما كشفت التحقيقات في هجوم مومباي في عام 2008 الذي أزهق أرواح 164 شخصا أن جماعة "عسكر طيبة" الباكستانية نسقت مع منفذي الهجوم وزودتهم بمعلومات عن وجود قوات مكافحة الإرهاب الهندية. وقد ذكر تقرير حديث لقناة السي إن إن الاخبارية ان داعش تنشر أو تعيد نشر ما يزيد على 90 ألف مادة إعلامية ودعائية يوميا في وسائل التواصل بغرض التواصل والتجنيد والدعاية والحشد وجمع التبرعات وتزويج المقاتلين وكذلك تدريبهم على صناعة القنابل اليدوية ونقلهم إلى مواقع "الجهاد"، ونقل عن أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة قوله بالحرف (...إننا نخوض أكثر من نصف معركتنا في الساحة الإلكترونية والإعلامية).

جميع ما ذكر يكشف عن خطورة استخدام المواقع الاجتماعية على الرغم من أنها استخدمت لأغراض غير إرهابية بشكل فعال ومثال ذلك حديث أردوغان للشعب التركي عبر سكايب في المحاولة الانقلابية الأخيرة كما ذكرت المصادر أن أول حراك شعبي استخدمت فيه الرسائل النصية للإطاحة بالرئيس جرى في الفلبين في عام 2001 عندما أطيح بالرئيس جوزيف إسترادا، حيث تجمع المتظاهرون بناء على رسالات نصية للتجمع والتظاهر، أما محمد المهدي فيقول في كتابه "عبقرية الثورة المصرية" أن التنسيق جرى من خلال وسائل الاتصال الاجتماعي

بناء على ما سبق، كيف يمكن الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي؟ هناك عوائق كثيرة تحول دون تطبيقه أولها إشكالية ما هو أخلاقي وما هو غير أخرى، إذ أن تضارب المصالح يفضي إلى تصنيف مختلف حسب رؤية كل طرف، فالأطراف المتناحرة ترى أنها على حق والطرف الآخر على باطل. ثاني هذه العوامل تأثير العولمة التي أدت إلى ظهور برامج تافهة تستغل المرأة بصورة بشعة وتشجع المشاهدين على الاشتراك للفوز بجوائز كبرى، وهي تهدف إلى الربح من خلال ما تنشره من إعلانات للأعمال التجارية. والعامل الثالث هو أدلجة وتسييس الإعلام الذي يجعل كل قناة أو موقع الكتروني يظن أنه نصير للحق ومن حقه تشويه وتخوين الأطراف التي تخالفه. وليس بالضرورة أن يكون الهجوم مباشرا، إذ يمكن التلاعب بالخبر بما يحقق الهدف منه، لنأخذ مثالا بسيطا، فيما يلي خبر تناولته الصحف بطريقتين مختلفتين تماما:

سوريا: النظام يقصف حلب بالكيماوي/دمشق وكالات:

قالت مصادر إن قوات النظام تشن هجمات عنيفة بعدة مناطق جنوب حلب وغربها مصحوبة بقصف عنيف للطيران في محاولة التقدم رغم الهدنة المعلنة، وقد أكدت المعارضة المسلحة صدّ الهجمات. وذكرت المصادر إن 4 أشخاص بينهم طفلان ووالدتهما لقوا حتفهم وأصيب 55 بصعوبات في التنفس بسبب غازات سامة يرجح أنها غاز الكلور جاءت من برميل متفجر ألقته طائرة تابعة للنظام على منطقة سكنية في حي الزبدية بمدينة حلب.


المصدر: جريدة الراية القطرية 12/ 8/ 2016

قصف حلب بالغاز رغم الهدنة الروسية.. وتضارب تركى بشأن مصير الأسد

- عواصم عالمية وكالات الأنباء

ذكرت مصادر من المعارضة السورية وشهود عيان أمس أن اشتباكات عنيفة اندلعت بين الجيش السورى وفصائل المعارضة المسلحة على كامل الجبهة الجنوبية الغربية لمدينة حلب رغم إعلان روسيا وقفا لإطلاق النار لمدة ثلاث ساعات يوميا فى المدينة بهدف تيسير إيصال مساعدات إنسانية للسكان. وأعلن التليفزيون الرسمى السورى أن الجيش أحرز تقدما مساء أمس الأول تحت غطاء من الضربات الجوية باتجاه مواقع بالقرب من مناطق استولى عليها المعارضون الأسبوع الماضي، فيما أكدت مصادر من جماعة جيش الأنصار وحركة نور الدين زنكى وغيرها أن القوات الحكومية تحاول منذ الصباح التقدم باتجاه منطقة الراموسة وسط تصعيد كبير من جانب الطائرات الحربية الروسية مؤكدين استمرارهم فى القتال.............وفى غضون ذلك، ذكرت مصادر طبية لوكالة أنباء «رويترز» أن أربعة أشخاص على الأقل لقوا مصرعهم وعانى كثيرون من صعوبات فى التنفس عندما ألقى غاز يعتقد أنه الكلور مع براميل متفجرة على حى الزبدية فى مدينة حلب.

المصدر: جريدة الأهرام، 12 أغسطس 2016،

هذان الخبران يتحدثان عن نفس الحدث، ولكن الخبر الأول أشار إلى أن الفاعل هو النظام بينما الخبر الثاني جعل الفعل مبنيا للمجهول ولم يشر إلى الفاعل.

لا أحد ينكر أن الإعلام الجديد كان له أثر بالغ في تثقيف الناس، ولكن الأمور بخواتيمها، فهل جعلت هذه الثقافة الناس أكثر وعيا؟ كلا، فالمعرفة شيء والوعي شيء آخر.

لقد استخدم الإعلام الجديد في التخريب والتدمير وقد نشرت صحيفة الغارديان تقريرا مفاده أن الإعلام الجديد فاقم من ظاهرة الإرهاب بشكل كبير. ذلك لأن التنظيمات الإرهابية تقتني تقنيات متقدمة مدعمة بالصوت والصورة وقادرة على المراقبة والوصول إلى المعلومات واستخدام تلك المعلومات في تنفيذ عمليات إرهابية. وتشير دراسة قام بها براينجار ليا إلى أن مواقع الجهاديين تحولت من المواقع التفاعلية إلى المواقع متعددة الطبقات وهذا يعني أن المواقع أصبحت متداخلة فيما قدر ويمان عدد المواقع الجهادية بنحو 4500 موقعا وفي عام 2008، قام السناتور الأمريكي جوزيف ليبرمان رئيس لجنة الأمن القومي في الكونغرس الأمريكي بمخاطبة شركة جوجل وطلب منهم مسح مواقع تنظيم القاعدة. ولكن ذلك لم يقدم أو يؤخر في نشاط تنظيم القاعدة، فقد قدر مركز ويست بوينت لمكافحة الإرهاب عدد المواقع الجهادية الناطقة باللغة الإنجليزية بنحو 100000 موقع في نهاية عام 2007 بالإضافة إلى المواقع الجهادية بلغات أخرى، وتقول مصادر الاستخبارات الأمريكية والأوروبية أن اللجنة الإعلامية التابعة لتنظيم القاعدة واسمها "سحاب" اتخذت من المناطق القبلية في غرب باكستان مركزا لها.

في الولايات المتحدة، لجأ البعض إلى أساليب أخرى منهم أرون ويزبيرد الذي أنشأ موقعا للمراقبة أطلق عليه اسم "انترنت هاجاناه" وهاجاناه كلمة عبرية تعني الدفاع، كان يهدف من خلاله إلى التشهير بمزودي الخدمة الذين يستضيفون مواقع جهادية لكي يقوموا بإزالتهم. وهناك برمجيات يستخدمها الجيش الأمريكي تسمح لهم بالتلاعب سرا بمواقع التواصل الاجتماعي من خلال استخدام هويات وهمية. وفي مارس من عام 2012 قامت القيادة المركزية في الجيش الأمريكي بالتعاقد مع شركة في كاليفورنيا لإنشاء موقع على الإنترنت بهوية مزيفة تهدف إلى إدارة المواقع الالكترونية مكنت القيادة المركزية من تحديد أصحاب عشرة مواقع الكترونية حول العالم، شاركت فيها بهدف نشر مواد مؤيدة للولايات المتحدة والتفاعل مع المشاركين والتصدي لآرائهم.

معوقات مكافحة الإرهاب في الإعلام الجديد

أولا: إرهاب الدولة

إن السبب الرئيسي الذي ادى إلى ظهور الجماعات الإرهابية هو إرهاب الدولة الذي جعل الشباب ناقمين على كل شيء ويعتقدون أن إعادة دولة الخلافة ستحل جميع مشاكلهم ومن أبرز الأمثلة على إرهاب الدول:

إسرائيل. إن ما تقوم به إسرائيل من ابتلاع لأراضي الضفة الغربية والتوسع في بناء المستوطنات ضاربة عرض الحائط بالقرار 242 الذي ينص على إعطاء أرض الضفة للفلسطينيين كما صادرت الأراضي وجرفت المزارع وبنت جدارا فاصلا قسم الصفة إلى قسمين، ولم يحرك أحد ساكنا بينما تحرك حلف الناتو لضرب العراق وليبيا وغيرها من الدول العربية.

الولايات المتحدة. إن ما تقوم به الولايات المتحدة يجعلها أبشع دولة في التاريخ فقد احتلت العراق ودمرته وهي تسيطر على الأمم المتحدة، وتدعم إسرائيل دون قيد أو شرط. كما قامت ببيع أسلحة لإيران بمليارات الدولارات وذلك لتمويل الثوار في نيكاراغوا لشراء الأسلحة وهي الاعترافات التي كشف النقاب عنها في جلسة مجلس الشيوخ في عام 1986 وجاء في الاعترافات أن وزير الدفاع الأمريكي كاسبر واينبيرغر أمر بنقل الأسلحة إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية ومن ثم جرى نقلها إلى وسطاء إيرانيين يعقوب نمرودي ومنوشهر غوربانيفار وتاجر الأسلحة السعودي عدنان خاشقجي ونقلت الأسلحة مباشرة إلى الكونترا على الرغم من ادعائها بدعم العراق في حربه مع إيران. كما تورطت في إدارة الحرب في لاوس من خلال تهريب الأفيون وتهريب المخدرات بهدف تمويل الجماعات المتمردة في فيتنام، وحتى الاستخبارات الفرنسية بعد أن أغلق السوق الآسيوي أمامها في تجارة المخدرات اتجهت إلى الشرق الأوسط وخاصة المغرب لاستئناف نشاطها. وقد أدلى السناتور دانيل إنوي باعترافات بأن الرئيس ريغان أعطى الاستخبارات الأمريكية كامل الصلاحيات لفعل أي شيء لإدارة الحروب في دول العالم الثالث لتنفيذ استراتيجيته. وبهذا يكون كل ما تقوله الولايات المتحدة عن محاربة الإرهاب يقع ضمن إطار العلاقات العامة.

ثانيا: المخططات السرية. نشر معهد جلوبال ريسيرتش مقالة نشرت بتاريخ 19 سبتمبر 2014 ما يلي:

" Much like Al Qaeda, the Islamic State (ISIS) is made-in-the-USA, an instrument of terror designed to divide and conquer the oil-rich Middle East and to counter Iran’s growing influence in the region."

أي أن الولايات المتحدة الأمريكية أتت بهذا التنظيم ومولته ودربته وهي موافقة على الفظائع التي يرتكبها بهدف تقسيم البلاد العربية الغنية بالنفط ولمواجهة إيران. ويضيف التحليل أن الولايات المتحدة عمدت إلى استخدام حركة الإخوان المسلمين في السبعينات في مصر بهدف منع التوسع السوفيتي ونشر الماركسية بين العرب كما دعمت حركة ساريكات إسلام في إندونيسيا ضد الرئيس سوكارنو ودعمت الجماعة الإسلامية في باكستان ضد الرئيس ذو الفقار علي بوتو ثم أسست تنظيم القاعدة لمحاربة السوفييت في أفغانستان. وأخيرا الدولة الإسلامية في العراق والشام. ونظرا لتشعب المواجهات في العراق وسوريا وعودة الحرب الباردة والحرب بالوكالة على أرض العراق وسوريا، فقد قامت الولايات المتحدة بتعزيز الفصائل الإسلامية المتشددة لمواجهة روسيا وايران، بالإضافة إلى الهدف الأبعد وهو حماية إسرائيل، فقامت بتسليح وتمويل وتدريب الجهاديين للتصدي لإيران وحزب الله.

باختصار، لا يمكن السيطرة على الإعلام الجديد ومنع الإرهابيين من استخدامه لأن شركات الإنترنت أمريكية وهي تسعى لجني الأرباح مهما كان مصدرها، وطالما أن الولايات المتحدة تدعم هذه الجماعات فمن الصعب القضاء عليها، وليس للدول المتضررة سوى استخدام "القوة الناعمة" وهو المصطلح الذي قدمه جوزيف ناي.

يرى جوزيف ناي أن الدولة تحتاج إلى القوة الخشنة للدفاع عن نفسها ومواجهة المخاطر العسكرية، ولكن لكسب المعركة على المدى البعيد، لا بد من القوة الناعمة، والقوة الناعمة هي تلك المعركة التي تكسب القلوب والعقول، إذ لا يمكن أن ينقلب العدو إلى صديق إلا إذا أعجبته أفكارك ومواقفك نحوه، وهذا لا يكون باستخدام القوة الخشنة والقتل وسفك الدماء. فكيف يمكن للدول أن تستخدم القوة الناعمة لكسب العقول والقلوب؟ لا شك أن البناء عملية شاقة وإقامة العدل يعني صداما مع أصحاب المصالح والمتنفذين، ورفع مستوى التعليم يحتاج إلى دعم بشري ولوجستي ونشر المحبة والتآخي يتطلب تطهيرا للأنفس وتنقية للسرائر، ولكن إذا وجدت العزيمة، فلا بد من تحقيق الهدف.