في تقرير لمجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، نشر قبل فترة، ذكرت فيه: إن أمريكا لا يجب أن تقع في خطأ إشعال "حرب الخليج الثالثة"، مشيرة إلى أن إيران تمثل تهديدا، لكنه لا يرقى لأن يكون سببا في إشعال حرب ستكون باهظة الثمن. ولفتت المجلة إلى أن الحرب مع إيران غير ضرورية، وسيكون لها أضرارا على المصالح الأمريكية، مضيفة: "رغم أن إيران تعد عدوا لواشنطن، إلا أنها لا تمثل تهديدا عاجلا لأمريكا كما يصوره الصقور في الإدارة الأمريكية، من أمثال "جون بولتون" مستشار الأمن القومي الذي ارغمه "ترامب على الاستقالة. وتؤكد المجلة: " ان الحرب مع إيران لن يكون لها معنى، وسوف تتناقض مع مصالح أمريكا وما يريده الأمريكيون"، مشيرة إلى ان التهديد الإيراني لأمريكا يحتل المرتبة الرابعة بعد كوريا الشمالية، الصين وروسيا (القوى النووية الثلاث).

استغلت واشنطن في وقت سابق، تجارب إيران الصاروخية في تبرير الانسحاب من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5 + 1)، حول البرنامج النووي الإيراني، بحسب المجلة، التي أشارت إلى أن طهران لم تصنع سلاحا نوويا ومازالت لم تفعل ذلك حتى الآن، لأنها تقوم بتصدير 98% من اليورانيوم المخصب، الذي تنتجه إلى روسيا تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية.

لا شك ان "ترامب" قد اخذ في الاعتبار وعوده العديدة التي اطلقها منذ انتخابه بعدم اشراك الولايات المتحدة في المزيد من مستنقعات الشرق الأوسط، وإيران لا تشكل أي تهديد مباشر او وشيك للولايات المتحدة، وطبقا لتقارير مفتشي الأمم المتحدة فلقد تم احتواء برنامج ايران النووي. ايران لا تهدد الأمن القومي الامريكي مباشرة او غير مباشرة ولو هددته لحاربتها امريكا دون إذن ولا تحريض من احد.

ساحة النزاع الحقيقية بين أمريكا وإيران اليوم ليست دول الخليج العربي أو اليمن، بل هو العراق الذي يعتبر مجالا حيويا إيرانيا بامتياز، ومخزنا نفطيا هائلا، وهو الملعب الحقيقي والمحدد لمعركة النفوذ بين البلدين، والمتحكم الوحيد في فرص التعايش بين القوتين الأمريكية والإيرانية. وهو الذي يقيم الدليل أيضا على العمل الفعال الذي قام به الإيرانيون خلال عقدين من الزمن منذ غزو العراق في العشرين من شهر مارس عام 2003م، من أجل تأسيس قاعدة حقيقية لهيمنة مستقبلية تضمن لإيران التصدي سياسيا واستخباريا لأية نوايا عدوانية أمريكية أو غير أمريكيةضدها.

يشكل العراق بالنسبة للأمريكيين الممر الاستراتيجي الذي قد يمكنهم من إحكام السيطرة على مفاتيح تحركات إيران في المنطقة، كما انه بمثابة البوابة الأكثر تأثيرا للسيطرة على إيران، والإبقاء على التواجد العسكري الأمريكي في العراق بمثابة قطع حلقة الوصل بين أذرع إيران في سوريا ولبنان.

الحرب في المنطقة ليست حلا لأية مشكلة، بل ربما تخلق مئات المشاكل الاستراتيجية المستقبلية التي ستدخل منطقة الشرق الأوسط برمتها في عصر جديد من الفوضى والدمار البشري والعمراني، وليس هناك من حل إلا التفاوض المباشر بين دول الخليج العربية وإيران لإيجاد حلول لكل قضايا الخلاف المطروحة بعيدا عن التدخلات الأجنبية الأمريكية وغيرها. الجغرافيا التي تجمع بين دول الخليج العربي وإيران لا يمكن تغييرها. اذا اندلعت حرب كبرى في المنطقة (لا سمح الله) فإن النتيجة الحتمية انها ستعيد المنطقة برمتها (دول الخليج وإيران) 50 سنة الى الوراء، بينما لن تخسر الولايات المتحدة شيئا.

في اعتقادي الشخصي ان إيران (آجلا ام عاجلا) سوف تجلس على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة للاتفاق على تعديل الاتفاق النووي الحالي، وما هذا التناوش والتجاذب إلا محاولة إيرانية لتحسين وضعها التفاوضي، فالحصار الاقتصادي يخنق الشعب الإيراني، وعواقبه أشد واخطر على الحكومة الإيرانية من الحرب، وهم يعلمون ذلك.