اعتمدت النظم السياسية فى الشرق الأوسط على مدار عقود فكرة الأيدلوجية الدينية كجزء من وسائل تعزيز مكانة&الحاكم، وكان للدين دورا كبيرا فى دعم نظم مستبدة وترسيخ شرعيتها الباطلة.

ثأثير الدين بالمنطقة، ونفوذه الروحي والسياسي على أتباعه،&جعل منه قوة مؤثرة فى خدمة الساسة والطغاة، وأصبح نفوذ رجال الدين حاضرا فى أى عملية ديمقراطية شكلية،&بصورة أصبح معها مشهد الشيخ والقس جزءا لا يتجزأ من مشاهد السياسة بالشرق الأوسط.

هذا المشهد المختلط بين الدين والسياسة وضع المنطقة على فوهة بركان، ففى ظل جماعات إسلامية وصلت للسلطة عبر إطار ديمقراطيحتى لو شكلي،&وفى وجود قوى رافضة لممارسات&تلك الجماعات،&ولكنها عاجزة عن تحقيق نتائج ملموسة على الأرض تستطيع منافسة تلك القوى الملتحفة بالدين، دخل الطرفين فى صراع&خسرت فيه الشعوب ملامح ما تبقي من ديمقراطية لم تكتمل النمو.

هذا الصراع بين الإسلاميين ومعارضيهم، نتج عنه صراع جديد وربما أشد &ضراوة، صراع ما بين القوى الدينية المتجذرة فى الشارع، والقوى العسكرية التى وصلت للسلطة عن طريق الللعب على تناقضات ومصالح القوى السياسية، لتدخل دول المنطقة&فى&الثنائية المقيتة التى أحرقت الحرث والنسل منذ ستينات القرن الماضي ثنائية العسكر والإخوان.

"عسكر واخوان"&لعبة أصبحت أشبه بالقط والفأر فى دول الشرق الأوسط، فالصراع بين الطرفين أصبح جزءا من موروثات المنطقة، فعندما تتجه لأى دولة بالمنطقة يبحث عقلك دوما عن طبيعة نظام حكمها،&وموقف الإسلاميين منه.

هذه الثنائية المقيتة، خدمت الطرفين وظلمت الشعوب، فالعسكر أو الأنظمة الحاكمة، جعلت من كل معارضيها اخوان لتبرر سياساتها القمعية تجاههم، والإخوان جعلوا من كل منتقديهم عسكر أو مستفيدين من النظام بصورة أصبحت معها الشعوب&تحترق&بين سندان العسكر،&ومطرقة الإخوان.

ربما لم تخلو دولة عربية من تلك الثنائية المقيتة، وفشلت كل محاولات القوى المعارضة الغير مؤدلجة فى صناعة طريق ثالث أو تيار بديل&قادرة على تحطيم ثنائية&العسكر والإخوان.

فى سوريا، وبعد سنوات من الدم والنار،&تبدو الأوضاع على وشك التغيير، وهناك ملامح واضحة على سقوط تلك الثنائية المقيتة، فمنذ اندلاع انتفاضة مارس 2011 للمطالبة برحيل نظام الأسد وما تبع ذلك من ممارسات قمعية وجرائم ارتكبها النظام بحق شعبه.

جرائم الأسد حولت الثورة لصراع مسلح، بين قوتين كلاهما يعتمدان فى بقاءهما على القوى الخارجية، فنظام الأسد&العسكري&الذى لا يستطيع دخول الحمام دون إذن من موسكو أو طهران فى مواجهة الحركات المسلحة&ذات الإيدلوجية الدينية&التى تمولها وتدعمها&وتقودها&أنقرة.

من رحم الصراع السوري، خرج تيار ثالث أو طريق جديد لا يدعم النظام،&ولا يقف فى خندق المعارضة، تيار يعارض المعارضة، ولا يدعم النظام.

&فى شمال سوريا، ولدت فكرة الأمة الديمقراطية&كإطار جديد للتعايش بين مكونات المنطقة وشعوبها، بعيدا عن أى معايير أو اعتبارات مذهبية أو دينية عرقية أو حزبية.

فى شمال سوريا، هناك فكرة سياسية عابرة للقومية والتوجهات الدينية، فكرة لها رصيد شعبي كبير على الأرض، تيار عريض استطاع أبنائه تحويل فكرتهم لواقع ملموس عن طريق تشكيل إدارة ذاتية تتولي شئون حياتهم وتدبير أمورهم.

إدارة نجحت أن تجعل من نفسها رقما صعبا فى مستقبل سوريا الجديدة بعد أن أصبحت مناطقها الأكثر آمنا فى عموم سوريا بشهادة المنظمات الدولية ودول العالم العظمي.

لأول مرة نجد تيار سياسي بالشرق الأوسط، يتسابق أبنائه على&تقديم أنفسهم، والتضحية بأرواحهم فى سبيل الفكرة وليس طمعا فى الحور العين&كما يحدث فى معظم دول الشرق الأوسط.

هذه الحالة المختلفة التى صنعتها الإدارة الذاتية بشمال سوريا، جعلتها فى مرمي النظام السوري ومعارضته على السواء، فالكل يكرهها ويتهمها بكل نقيصة، فالنظام يراها خونة وعملاء، والمعارضة ذات المرجعية التركية تراها كفرة ملحدين!

الطريق الثالث الذى صنعته الثورة بشمال سوريا، يمثل&بارقة أمل لشعوب المنطقة فى التخلص من ثنائية العسكر والإخوان، وعلى تلك الشعوب أن تعي جيدا أن دعمها لمشروع الإدارة الذاتية هو دعم لثورتها فى طريق الوصول لنظام سياسي يتسع للجميع ولعملية ديمقراطية يحلم بها الجميع.

&

وعلى الإدارة الذاتية أن تدرك أنها تحمل على كاهلها، طموحات وأحلام شعوب المنطقة بأكملها،&وأن تسعي بشكل جدى لتطوير نفسها،وتطهير صفوفها وتقديم النموذج الأمثل لتلك التجربة الديمقراطية التى نتمني أن تتكحل أعيننا يوما برؤيتها تسود&عموم&المنطقة.. ويقولون متى هو قل عسي أن يكون قريبا.