كتب الصديق محمد الحاج صالح بوستا على صفحته في الفيسبوك متسائلا" ماذا لو ان الكفار المسيحيين صنعوا لقاح للكورونا لكن في مكوناته مواد من الخنزير او دمه؟ ياحلاوة! من اين نأتي بلقاح حلال!؟".
اتت الردود عليه والتعليقات من قبل بعض الاسلاميين، وبعض الشباب الذين علاقتهم بالدين ولادية فقط!! مشينة بلغتها وتفاهة شتائمها. وانا اذ اعيد طرح سؤاله هنا على السادة القراء، لكي نحاول ان نستقرأ معا، الحالة التي تواجهنا من جهة ووصلنا اليها من جهة أخرى.
كما جاءت تعليقات اخرى تحاول ان تفتي في الحالة وبطريقة مهذبة، تحاول الاستناد الى مراجع نصية قرآنية او فقهية. هذا جيد بالطبع ان نفكر ونحاول ايجاد اجوبة ذات طابع عقلاني.
مجرد ان يتم طرح هذا التساؤل من قبل محمد وغيره الكتاب والمهتمين، يشير الى الحالة التي نعيشها سواء في سورية، او فيما يسمى العالم الاسلامي.
النقطة التي يجب التركيز عليها هي التي تتعلق بحالة الفصامات المتعددة التي يعيشها الانسان في مناطقنا. هذه الحالة لا تتحملها الاديان بقدر انشغالها او اشغالها بالسياسة. الاديان في منطقتنا على الاقل، مجيرة بالكامل لصالح الفاعل السياسي. حتى اللغة الشتائمية التي انهالت كرد على البوست، هي تعبير عن هذا الاشغال السياسي للأديان في هموم السياسة، قواها ومصالحها. مصالح الفاعلين فيها.
المواطن الذي تم احتكاره من قبل هذه السلطات، يدار بطريقة تربوية وقمعية بالآن معا، كي تبقى دورة انتاج واعادة انتاج هذه السلطات مع هذا النوع من المواطنين. مهمته شتم اعداء السلطة او وضع حذاءها فوق رأسه.
عندما يكون هنالك نظام ديمقراطي ودولة قانون، وتوزع عادل لإدارة المصالح بشكل سلمي. لن يعجو أي دين عن ايجاد الاجوبة لاي سؤال تفرضه طبيعة الحياة ومتطلبات تطورها. حتى لو تم الخلاف بين الفقهاء حول أي موضوع او فتوى، سيحل بطريقة ديمقراطية ايضا وسلميا.
من جهة اخرى لابد لنا من التركيز ان اشغال الدين بالسياسة من اجل مصالح سياسية، يعني اشغاله من اجل تأمين مزيدا من القمع والديكتاتوريات السياسية. هل وجدتم رجل دين او عالم دين واحد يحكم في دول العالم الاسلامي؟ ام ان الحكام هم عسكر او يستندون على العسكر لبقاء المجتمع محتجزا داخل سلطاتهم. نرى الان كيف تتعامل سلطاتنا مع جائحة الكورونا؟
السلطة الاسدية رفضت حتى اللحظة الاعتراف بوجوده في سورية. رغم ان ايرانيي الاسد او الاسديين الايرانيين، خط سفرهم مفتوح لسورية ومنها، من اجل قتل الشعب السوري. تماما كحال لبنان والعراق. حيث اكدت كل المؤشرات ان سبب انتشار الكورونا في لبنان الجار لسورية، هو إيران.
عندما تكون دار الافتاء مستقلة عن انشغالات السياسة السلطوية، ستجد اجوبة لكل ما تفرضه سنن التطور في هذه الحياة. النظام الديمقراطي ودولة القانون وحدهما العلاج من كل هذه الفصامات التي يعيشها المواطن في بلداننا المنكوبة بسلطات ابادية وقاتلة. ليست مهمتي هنا الافتاء لكن من الافضل طرح اشكاليتنا على العلن. مناقشتها بشكل نستطيع ان نضع هذه الاشكاليات في سياقها الفعلي ورؤية الفاعل التاريخي فيها، والذي هو فاعل سياسي بالدرجة الاولى والاخيرة.
نلاحظ مثال مؤسسة الازهر التي يديرها العسكر. ما نوع انشغالاتها؟ مؤسسة الافتاء في سورية ما نوع انشغالاتها؟ تستطيعوا المرور على كل الدول في العالم الاسلامي. تجدوا دار الافتاء حيث هوى السلطة الحاكمة ومصالحها هو الحاضر الاول والاخير، رغم ان هذا الهوى فاسد وقاتل وابادي. لم نسمع من السلطة في إيران شرحا كيف اجتاح الكورونا ايران؟ وكيف تحولت إيران الى مصدر لهذه الجائحة الى العالم؟ كيف تعاملت مع الشعب الايراني الذي يستحق حياة كريمة، كبقية شعوب الارض.
كل الاديان لديها مشاكل فقهية وتطورية. لكن يجب ان تلحق السياسة لتعرف ماذا يجري على مستوى هذه الاديان ومعتنقيها في حياتهم اليومية. ما تحتاجه بلداننا هو بالضبط دولة قانون وحريات ونظام ديمقراطي. أي كلام غير هذا او صراعات هي من اجل ديمومة هذه السلطات الفاسدة. وكل كورونا وأنتم بخير.