إحدى أخطر الإشكاليات والمعضلات التي تواجه العالم في اللحظة المصيرية الراهنة أن التعافي من جائحة "كورونا" مرهون بتحرك دولي جماعي على نفس الدرجة من الفاعلية والصرامة والحزم في التصدي لتفشي الفيروس بين الشعوب وفي مختلف الدول، لأن استمرار وجود بؤر للفيروس في دولة ما وعدم السيطرة عليه يبقي الخطر قائماً ويعني استمرار ايقاف حركة التنقل والسفر والطيران بين مدن العالم ودوله خشية أن يعاود الفيروس انتشاره من خلال حركة المسافرين عبر الحدود البرية أو الجوية للدول.
من هنا يبدو العالم أجمع معنياً بفاعلية سلطات كل دوله في مواجهة هذا الخطر الصحي الكارثي، فلا يمكن لنظام أو دولة ما الادعاء بأن الأمر يمثل شأناً داخلياً محضاً أو أنه يتعلق بأمور السيادة الوطنية وغير ذلك لأن التجربة قد اثبتت، عملياً، أن دول كثيرة تدفع كلفة باهظة للتعتيم والتكتم وغياب الشفافية في دول مجاورة.

حديث التعتيم والتكتم معروف ومتداول والاشارة لأطرافه لم تعد سراً، ولكن الأهم من الاتهامات والردود في هذا السياق هو استخلاص الدروس والعبر من تجربة الفترة القصيرة الماضية، فلم تعد فكرة تفشي الوباء تمثل "عاراً وطنياً" كما كانت بعض الأنظمة والسلطات في دول معينة تعتقد في بدايات الأزمة، التي اجتاحت أكثر الدول تقدماً وتطوراً في مختلف المجالات، وفي مقدمتها الولايات المتحدة بطبيعة الحال.
الحقيقة التي يجب أن ينتبه إليها الجميع الآن هو ضرورة التصرف بمسؤولية وحذر وصرامة بالغة، فالخطر الداهم لم يعد مجالاً للتوظيف الاعلامي والمتاجرة السياسية، وتردد بعض الدول في فرض اجراءات أشد حزماً سيعود وبالاً على البشرية كلها، وقد يدفع الملايين حول العالم ثمن التردد والحسابات التي تخلط بين "الصحي" و "السياسي" في أزمة شعارها الوحيد وعنوانها الأساسي هو "تهديد صحي غير مسبوق".

يقول تقرير حديث اعده باحثو "إمبريال كوليدج" في لندن إنه يمكن إنقاذ أكثر من 30 مليون شخص حول العالم من فيروس كورونا في حال تحركت الدول بسرعة، وبحسب التقرير، فإن من الضروري اتخاذ إجراءات حازمة للتباعد الاجتماعي، وأنّ التصرف المبكر ربما يقلل الوفيات بنسبة تصل إلى 95 في المئة، وهذا الأمر يؤكد أنه لا مجال لتردد السلطات في بعض الدول في مواصلة إجراءات التصدي للخطر، لاسيما إذا كانت هذه الدول تتخذ ما هو أشد وأكثر صرامة من هذه الاجراءات في حال تعرض مصير النظام السياسي لتهديد احتجاجات شعبية بسبب الظروف المعيشية أو غير ذلك كما يحدث أحياناً في إيران!
يقول التقرير إنّ عدم القيام بأي شيء لمكافحة الفيروس سيجعل العالم يواجه احتمال وقوع حوالي 40 مليون حالة وفاة هذا العام، وأن التحرك الصارم المبكر لمنع انتقال العدوى إلى عدد أكبر من الناس يمكن أن يسهم في إنقاذ 38.7 مليون شخص، أي خفض معدل الوفيات بنسبة 95 في المئة.

الأمر إذا جد لا هزل فيه، ولا مجال للخلط فيه بين الأوراق، وإذا كان من الممكن تفسير ، وليس تفهم"، عزوف ملالي إيران عن قبول عرض المساعدة الأمريكي للتصدي لتفشي فيروس "كورونا" بين أبناء الشعب الايراني، رغم أن الرفض في هذه الحالة ربما يمثل خطأ بشعاً في حق آلاف الضحايا الذين يبحثون عن مساعدة ولو من أشد أعداء نظامهم الحاكم، فإن المثير للتساؤل والاستغراب معاً أن يلغي الملالي مهمة ـ كان قد طلبها بنفسه ـ لفريق تابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" لمواجهة تفشي فيروس "كورونا" الذي تعتبر إيران واحدة من أشد دول العالم تضرراً منه وتسبب في وفاة أكثر من ألفي شخص وإصابة مايقرب من ثلاثين الفاً.
وبحسب تقارير اعلامية إيرانية، فإن منظمة "أطباء بلا حدود" تقدم الدعم للشعب الايراني بتنسيق مع 3 وزارت إيرانية هي: الخارجية والداخلية والصحة، وقامت بتدشين مستشفي ميداني في محافظة أصفهان الواقعة وسط إيران، وهذا ليست المرة الأولى التي تعمل فيها هذه المنظمة الدولية داخل إيران، فهي موجودة هناك منذ سنوات وتقدم الدعم الصحبي من خلال برامج تهدف إلى مساعدة متعاطي المخدرات (تضاعف مدمني المخدرات في ايران خلال السنوات الماضية ليبلغ نحو ثلاثة ملايين شخص أي حوالي 5ر3 % من السكان) واللاجئين والمشردين وغيرهم من المجموعات المستضعفة التي تواجه عوائق في طلب الرعاية الصحية، خصوصاً مرضي التهاب الكبد والأمراض الوبائية المنتشرة بسبب ضعف قدرات النظام الصحي الايراني، كما تقدم المنظمة الدعم الصحي لنحو مليوني لاجىء أفغاني وسكان ايرانيين في مشهد قرب الحدود الأفغانية، أي أن لديها فرق وطواقم طبيعة عديدة تعمل في مناطق إيرانية مختلفة.
وسائل الاعلام الايرانية نشرت تقارير تفيد بأن وزارة الاستخبارات هي من نسقت مهمة فريق طبي تابع لمنظمة "أطباء بلا حدود"، ولكن سرعان ما تم حذف هذه التقارير والاعلان عن الغاء مهمة فريق المنظمة الدولية غير الحكومية، المعروفة بأنشطتها إزاء مواجهة الكوارث والأوبئة، وطردهم من الأراضي الايرانية بفعل ضغوط مارسها الملالي المتشددين الموالين للمرشد علي خامنئي، كما ذكرت صحف إيرانية!

في تفسير ذلك، تقول صحف إيرانية، أن واقعة الطرد قد تمت عقب خطاب لخامنئي اتهم فيه الولايات المتحدة بتصنيع فيروس "كورونا" معملياً واستهدافه "جينات الإيرانيين" ! وكان حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة "كيهان" المحلية المقربة من مكتب المرشد الإيراني، قد اعرب عن رفضه إرسال منظمة "أطباء بلا حدود" معدات طبية إلى بلاده بدعوى دعم فرنسا لمشاريع الولايات المتحدة ضد إيران، وكذلك قال النائب البرلماني عن محافظة أصفهان حسين علي دليجاني أن "أطباء بلا حدود" تسعى لإجراء أبحاث حول فيروس "كورونا" بعيدا عن أنظار المتخصصين في بلاده، وكذلك التوصل إلى نتائج حول مدى تأثير المرض "المشبوه" على جينات الشعب الإيراني!

هل رأيتم هزلاً واستخفافاً بأرواح البشر أكثر من ذلك؟! وكيف يمكن لأناس يتولون مسؤولية شعب كبير كالشعب الايراني أن يفكرواً بهذه الطريقة ويديرواً أزمة تعصف بالضحايا من شعبهم على مدار الساعة بهذه الطريقة والرؤية الساذجة للأمور!
تفكير الملالي التآمري يمكن أن يهدر جهود العالم أجمع في مواجهة "كورونا"، ويجب على منظمة الصحة العالمية أن يكون لها وقفة مع مثل هذه الممارسات التي تمثل خطراً داهماً على العالم أجمع.