ربما.. لأن أغلب الظن، وبدون أي إثم، أن دافع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت هو أنّ "فيروز"، التي هي ليست "أيقونة" بلاد الأرز وفقط..بل أيقونة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، كانت بإنتظاره لتشنف أذنيه بإحدى أغانيها التي كلها جميلة والتي كنا ننتظر كل جديد منها في صيف كل عام.. وحيث كانت حجارة بعلبك التاريخية تهتز طرباً وتردد كل ما كانت تسمعه مع "دندنات" الذين دأبوا على المجيء إلى الديار "البعلبكية" ليرددوا مع هذه "الأيقونة":
شآم أهلوك أحبابي وموعدنا
أواخر الصيف آن الكرم يعتصر
و"الشآم" بالنسبة لفيروز و"الرحابنة" ليست دمشق وفقط.. إنها هذا الوطن الجميل الذي إسمه: "سوريا الكبرى" والذي إختطفت منه فلسطين وتشظى على هذا النحو المرعب وغاب عنه إهتزاز سيوف "الأمويين" التي كانت تلامس غيوم جبال لبنان المشرئبة بأعناقها نحو سماءٍ كانت صافية لم تكن نجومها ترتجف خوفاً عندما تمر بقربها الطائرات الإسرائيلية التي تشبه غربان الشؤم التي تحمل بمناقريها وريش أجنحتها الموت للأطفال الذين طالما أنّ هذه "الأيقونة" قد أسعدتهم بصوتها الذي يشبه زغردات قُبرّة في أجمل يوم ربيعي في بلاد طالما رددت أوديتها الجميلة صدى صوت فيروز وزغردات نشميات يافا وحيفا.. والقدس التي ورغم أسرها الطويل الموجع لا تزال "عروس عروبتنا".
لقد كنا نطرب مع سعيد عقل الذي كانت جبال لبنان ومعها جبال قاسيون وجبال عجلون وجبل المكبَّر في القدس تطرب عندما تسمع أناشيده "السورية" تتسرب عبر وديان هذه المنطقة التي أبتليت بالغزو المتلاحق على مدى حقب التاريخ البعيد والقريب.. وذلك الغزو الذي كان ودائماً وأبداً يغرق في مياه هذا البحر المتوسط أيْ بحر فلسطين ولبنان وسوريا والذي طالما أن أمواجه المقدسة قد إبتلعت قوافل الغزاة المتلاحقين وبقي هو ليستحم في مياهه الطاهرة.. صوت فيروز الجميل.. وأصوات كل الذين غنوا لفلسطين وجبال لبنان.. ولـ "قاسيون" الذي غنت له مطربة سورية: "من قاسيون أطلُّ يا وطني.. فأرى دمشق تعانق السحب" وهنا فإنني مضطر ألاّ أكمل.. لأن قلبي يتمزق وجعاً وحزناً منذ أن غنت تلك المطربة التي تلاشت مع تلاشي أحلامنا الوردية لهذا الجبل الذي بقي يتابع زمجرات الإنقلابات العسكرية وهدير المدافع التي كانت ترسل قنابلها المدمرة إلى ما كان تركه الأمويون وليس إلى ما نهبه الإنقلابيون وأودعوه كل بنوك الكرة الأرضية.
وعليه وبما أنني قد ذهبت بعيداً عن "فيروز" التي هي "أيقونة" ليس بيروتيه وفقط وإنما أيضاً شآمية ومقدسية وحقيقة وعربية أيضاً ولعل من يريد التأكد من محتوى هذه الكلمات الأخيرة أن يعود إلى ما بقي مخزوناً في بطون "الأشرطة الفيروزية" التي إحتفظت بتاريخ "بعلبكيٍّ" طويل ليتأكد من أن صدى صوت "فيروز" الجميل كان ولا يزال يتردد في كل صيف في كل بيوت دول الخليج العربي وأنّ "دندنات" الطرب التي كانت ترافق صوت هذه الأيقونة اللبنانية والشآمية والعربية كانت تتسرب من تحت "عباءات" و"دشاديش" الذين كانوا "يحجون" فنياًّ إلى "بعلبك" كل صيف وكان صدى همساتهم يتسرب عبر الوديان اللبنانية الجميلة ليصل إلى مدننا القديمة.. وحتى إلى مكة المكرمة وبالطبع وإلى صنعاء وعدن وأبوظبي.. والدوحة والمنامة ومسقط.. التي هي أم المدن وأجمل المدن.