كلمات مفتاحية: برنامج الصدمة، الصفات الايجابية، دولة القانون، العراق، التجربة الاجتماعية، يوتيوبرز (youtubers).

المدخل:
أثبت العراقيون أنهم أبطال (برنامج الصدمة) المعروف والذي يقدم من على شاشات قنوات عربية مختلفة، ويتم تنفيذه سنوياً في عدد من البلدان العربية. يتم فيه عمل مشاهد تمثيلية تستهدف اختبار عدد من الصفات الشخصية للمواطن العادي العابر، مثل: الحس الإنساني، خصوصاً منع الإساءة للفئات الهشة بالمجتمع (معاقين كبار سن، أطفال، نساء..الخ)، ويتجسد التدخل بعدم سكوتهم على السلوكيات الخاطئة، والجارحة للكرامة الإنسانية، حتى لو تطلب الأمر منع (المسئ بالقوة). كذلك يتم اختبار خصائص الكرم من خلال مساعدة المحتاج، وإغاثة الملهوف وعابر السبيل، ومنع السلوكيات المنحرفة مثل السرقة وما إلى ذلك.

إن توفر الخصال الايجابية التي برزت بعفوية، في حلقات البرنامج المذكور، على أمد السنوات الماضية، وبرامج أخرى مماثلة لدى بعض اليويوبرز (youtubers) تحت عنوان (تجربة اجتماعية)، تعكس قيماً ايجابية معروفة لدى هذا الشعب. وبعيداً عن خطاب الحماسة والتعص، نقول أن هذه القيم الايجابية متوفرة مقابل قيم وممارسات سلوكية سلبية أخرى موجودة أيضاً. لكن هذع الخصال الإيجابية وتكرارها بهذه ىالعفوية، تؤكد ثبات ثباتها بما يعكس جانباً من الطابع الوطني/القومي (National Character) للشخصية العراقية، وهو ما تؤكده شهادات الكثير من العرب والأجانب الذين عاشوا في العراق أو زاروه، أو تعاملوا مع عراقيين.
السؤال والجواب:
هنا يخطر ببالنا سؤال كبير، وهو:
لماذا لا تتمدد هذه الصفات الإيجابية إلى منع سلوكيات منحرفة، بل تُعدُّ جرائماً، تخالف القانون، والعدالة الاجتماعية، وتعيق بناء الدولة في هذا البلد خصوصاً خلال مرحلة ما بعد ٢٠٠٣، مثل الرشوة، والمحسوبية، وعدم الاتزام بالظام، ومخالفة القانون (على سبيل المثال نظام المرور)، وعدم الإلتزام بالدور (السرا) كما يسمى باللهجة العراقية، في مواقف كثيرة، والتجاوز على الممتلكات العامة، والإساءة والتجاوز على البيئة وغير ذلك!؟؟؟!!!!

لاشك إن هذه تبدو مفارقة، حيث نرى المواطن العادي لا يتقبل ظلماً يقع على عاتق انسان ضعيف، رغم أنه ليس في موقع المسؤولية (الرسمية)، بينما يغض الطرف عن تجاوزات كبيرة على القانون، والنظام العام، ويتمثل مقولة (آني شَعليّا) أي أنها ليست مسؤوليتي.!!

وإذا ما جاز لنا الاجتهاد في تفسير هذه المفارقة، فإننا نرى أن أهم وأول الأسباب هو، إرث انفصام العلاقة بين المواطن والدولة (المتمثلة بالحكومة كما يفهمها تقليديا)، لازال مهيمناً. بل لقد تعزز نتيجة استمرار (أدلجة) الدولة وطبعها بطابع هوية فئوية. فمن دولة (حكومة) برجوازية خلال العهد الملكي، إلى قومية خلال عهد الأخوين عارف، إلى دولة الحزب الواحد و(الزعيم) الواحد خلال فترة الحكم البعثي، ولاحقاً دولة المحاصصة و(الأغلبية المذهبية) وهيمنة الأحزاب الدينية، التي ساهمت بتعويم الفساد والدكتاتورية التي انتقلت من أحادية إلى (متعددة الأقطاب والرؤوس).

إن غياب مبدأ تكافؤ الفرص، وانعدام العدالة الاجتماعية، لاشك من شأنها أن تؤدي إلى غياب هذا الدور الذي نتطلع إليه لدى المواطن العادي، بمثلما يبهرنا في المواقف الأخرى التي ظهرت في برنامج الصدمة، أو نصادفها في حياتنا اليومية.

يضاف إلى ما ذكرناه أعلاه، غياب ثقافة المواطنة، والمسؤولية الاجتماعية عامة، ومسؤولية المواطن تجاه مصالحه ممصالح غيره (المجتمعية) خصوصاً، هي جانب آخر يستحق الإلتفات إليه والتثقيف عليه على شتى المستويات.
الستراتيجية والآليات:
باعتقادنا يمكن نشر وتعميم الصفات الايجابية، بحيث نستطيع أن نثقف المواطن، ونبث فيه روح الشجاعة والمسؤولية الاجتماعية، بما يمكن أن يساهم في جانبٍ من إصلاح الوضع الحالي للبلد، ويسد الثغرات التي تركها غياب أو ضعف القانون، خلال الحقبة القريبة الماضية.
إن آليات تنمية هذا السلوك، وتلك الخصائص تقع على عاتق كل من:
المؤسسات التربوية والجامعات، ووسائل الإعلام كافة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمنتديات الثقافية، والنخب المثقفة، وكل من له علاقة بذلك.
إن من ضمن ما نتطلع إليه هو برامج (صدمة)، و(تجارب اجتماعية مصوَّرة)، تتعلق باختبار شجاعة، ووعي المواطن، على منع خرق القانون في بلده، ومدى تحلّيه بالوعي، والحرص على بناء دولة قانون حقيقية.

أيضاً من الآليات هي إشاعة العمل التطوعي الذي يخدم المصلحة العامة وليست الخاصة، تلك الأعمال التي لا تكون مدفوعة بـ(الأجر والثواب الديني) فقط. وقد لفت نظرنا مؤخراً توسع مشروع (من الصحراء إلى الخضراء)، الذي يستهدف تحسين البيئة من خلال المباشرة بزراعة الأشجار وتوسيع المساحات الخضراء في البلد من قبل متوطعين شباب، نظموا أنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد لاقوا إعجاباً وترحاباً كبيرين، ومساندة ودعم مادي بصيغ تبرعات من بعض المواطنين لأغراض تنفيذ برنامجهم الوطني، حيث يشترون الشتلات والنباتات الجاهزة للزراعة، والتسهيلات.

* د. حميد الهاشمي، مختص بعلم الاجتماع، لندن