لا يحقُّ لأيٍّ كان أنْ يتحدث بإسم الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الحاسمة والخطيرة، ألاّ الرئيس محمود عباس (أبو مازن) الذي كان أحد المؤسسين الأوائل والذي لم يتردّد إطلاقاً في أن يقود وفد المفاوضات مع الإسرائيليين والذي كان أول القادة الذين إلتحقوا بالراحل ياسر عرفات (أبو عمار) في قطاع غزة، وفي الوقت الذي كان فيه "المزاودون" يعتبرون عملية السلام على أنها إستسلامٌ لـ "العدو الصهيوني" وأنها تفريطٌ بالقضية المقدسة.. قضية فلسطين.

كان بعض كبار القادة الفلسطينيين عندما بدأت عملية السلام وانفتحت أبواب التفاوض مع الإسرائيليين قد تردّدوا حتى في الموافقة على الذهاب بوفدٍ ضمن الوفد الأردني إلى مؤتمر مدريد الشهير في عام 1991، ذلك المؤتمر، الذي كان بداية هذه المسيرة الطويلة.. التي عمليّاً لا تزال متواصلة حتى الآن، الذي كانت رعته الولايات المتحدة ومعها الإتحاد السوفييتي في ذلك الحين، وحقيقةً أنّ محمود عباس (أبو مازن) كان الأكثر دعماً للراحل الكبير ياسر عرفات (أبو عمار)، رحمه الله، وأنه لم يتردّد في أنْ يرئس الوفد الفلسطيني الذي بات مستقلاً وانخرط في مفاوضات ثنائية مع الإسرائيليين.

وحقيقةً إنه عندما اختار "المزايدون" الإبتعاد بأنفسهم عن بدايات تلك المعركة السياسية التاريخية الحاسمة فإنّ "أبو مازن" كان إلى جانب (أبو عمار) بدون أي تردّدٍ وعلى أساس أنّ المفاوضات مع الإسرائيليين هي معركة حاسمة وأنها أهم من معركة الثورة و"الكفاح المسلح" وأكثر، وهنا تقتضي الأمانة التأكيد على أن آخرين من كبار القادة الفلسطينيين لم يتردّدوا ولا لحظة واحدة في أن يكونوا في هذه الدائرة، دائرة عملية السلام مع الإسرائيليين من بينهم بالطبع خليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف (أبو اياد) رحمهما الله وأيضا وفاروق القدومي (أبو اللطف) وبالطبع فإنه "يكتب" لهذا الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه قد أرتقى حلبة المفاوضات مع من كانوا يوصفون بـ"الصهاينة" ولا زالوا بدون أي ترددٍ وذلك رغم كل ما سمعه من تهديد ووعيد من "المزايدين" الذين كان قد التحق بعضهم بـ "صاحب الجماهيرية" معمر القذافي نسأل الله له الرحمة .. رغم كل شيء.

لقد كان (أبو مازن) مقتنعاً بعملية السلام ولا يزال كقناعته بثورة الكفاح المسلح في عام 1965 وقبل ذلك، وحقيقةً أنه قد خاض هذه المعركة السياسة والتي كانت لا تزال لا تقل أهمية عن معركة الثورة المسلحة التي كان أحد رموزها التاريخيين الأوائل، وهكذا فإنه كان أول من ذهب إلى غزة بعد (أبو عمار) وإنه أول من اختار الإقامة في رام الله بعده، وأنه، وهذا يجب أن يقال، قد تحمّل في هاتين المرحلتين، السابقة واللاحقة، ما لم تتحمله رواسي الجبال وأنه لا يزال عرضة لسهام "المزايدين" المعروفين حتى الآن، لكن ومع ذلك فإنه لم يتردّد في أن يحمل الراية الفلسطينية ويتحمل هذه المرحلة التاريخية التي غدت لا أكثر منها صعوبة بعدما أصبح الوضع العربي على ما هو عليه الآن.

وهكذا فإنّ (أبو مازن) كرئيسٍ للشعب الفلسطيني وكقائدٍ له في هذه المرحلة التي تشهد "انفراطاً" عربيّاً غير مسبوق قد دأب على الدعوة لإنعقاد مؤتمر دوليٍّ لعملية سلامٍ حقيقية وفعلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين لكنّ هذه الدعوة بقيت كمجرد صرخة في وادٍ سحيق إذْ أنّ هذا العالم ومنه العرب العاربة والمستعربة بات مشغولاً بآفة "فيروس الكورونا" التي باتت تتغيّر بأفواج أكثر خبثاً وضراوةً والتي أصبحت همّاً فوق الهموم العالمية كلها.. لكنّ الرئيس الفلسطيني مع ذلك لا يزال يرفع فوق مبنى المقاطعه في رام الله علم فلسطين.. علم دولة فلسطين المنشودة التي من المؤكد أنها ستتّحقق .. في عهد الرئيس محمود عباس أطال الله في عمره.