مسبار الأمل الإماراتي، جهود من العمل والإيمان بالعلم، ورحلة مثابرة وتجربة تستحق الإعجاب والتقدير للإمارات لاقت تشجيعاً ومباركات، وأيضاً الكثير من الشكوك والكلام غير المنصِف من قِبل بعض العرب.
تعمل الإمارات من سنوات بل عقود على تطوير دولتها ورفع شأن شعبها بالعلم والرفاهية وتأمين كل ما يلزم شعبها ودولتها ليكونا في مصاف الأمم المتطورة، وتضع لنفسها خطوة جدية في تاريخ الحضارة والإنجازات العلمية بعدما حوّلت بلدها الإمارات من منطقة في صحراء إلى دولة متقدمة اقتصادياً وعمرانياً وعلمياً وحتى ثقافياً يرغب بزيارتها من كل أنحاء العالم، فحتى كتب معالم السياحة في الغرب لا تخلو من ذِكر دبي وأبراجها ومنتجعاتها التي يقصدها الآلاف سنوياً.
هذا والجدير بالذكر أنْ سبق إنجاز مسبار الأمل إطلاق الإمارات لحملة قرارات في أواخر العام الماضي تعزّز الحريات وتحمي الحقوق المدنية، قوانين جديدة سيما في قوانين الأحوال الشخصية مضمونها حماية الحريات الشخصية ومناهضة التمييز على أساس ديني أو طائفي أو جندري بما في هذا حرية المرأة والعلاقات والخيارات الشخصية بشكل عام والترويج لثقافة التعددية والأديان والمعتقدات المتنوعة قولاً وتطبيقاً عملياً في بادرة لفصل الفكر الديني تدريجياً في ثقافة الشعب وليس فقط في القوانين والسياسة، وهي قفزة نوعية متقدمة تُحسَب للإمارات إيجاباً نسبةً لعمر البلد زمنياً.
فما وضع البلدان العربية مِمَّن شكّك وانتقد وماذا فعلوا هم في بلدانهم؟
رغم أنه قد يكون من الإجحاف الكلام اليوم عن وضع بعض البلدان ما بعد حروب دامت لسنوات أنهكَت البلاد والشعوب، وهو ما يسارع كثيرون لاستعماله كمبرر لتوجيه سهم اللوم على الثورات الأخيرة وكل من دعمها بأنها وحدها سبب تأخير هذه البلدان، ولكن، وما يغفل عنه كثيرون، هو أن البلدان التي وصلَتْها الثورات العربية لم تكن قد وضعتْ خطواتها الأولى على طريق التطوير ولا حتى فيما يخصّ بنيتها التحتية الداخلية قبل الكلام عن المشاركة في بحوث علمية مع الخارج سواء في عالم الفضاء أو غيره من ما قبل الثورات، ما جعلها في مرحلة متراجعة وإخفاق مستمر في تطوير البلاد وتأمين أدنى مقوّمات الحياة الكريمة لشعوبها وهو ما نشهده اليوم كناتج عن عدم التأسيس لهذا من البداية وليس فقط نتيجة الحروب الأخيرة.
فدول بلاد الشام على سبيل المثال وليس الحصر أو مصر وليبيا واليمن أو حتى دول المغرب العربي من أغنى الدول وتقع على أفضل المواقع الجغرافية أهميةً، ومع هذا لم يستثمر حكّامها ومَن تولّاها لعقود في تطويرها وتحسين مستوى المعيشة والدخل للفرد والتقدم العلمي والتكنولوجي والانفتاح الثقافي وغيره. وفي الوقت الذي أطلقت فيه الإمارات مجموعة قرارات لتعزيز الحريات وحماية الخيارات الفردية؛ كانت الكثير من حكومات تلك البلاد تقوم بحملة لملاحقة المدنيين شباباً ونساءًا ومحاصرتهم بأقل حقوقهم وحرياتهم وخياراتهم الفردية تاركين الفقر والانهيار الاقتصادي والبطالة والفساد وانعدام سبل العيش وفوقها لا حقوق مدنية أساسية ولا حتى أدنى مقوّمات الحياة للفرد.
يقول البعض إنّ الإمارات اشترت هذه المبادرة بالمال، وكل العاملين في هذا المشروع أمدّتهم بالمال والمعدات وكل ما يحتاجونه علماً أنه بدأ العمل على هذا المشروع في الإمارات من سنوات باشتراك أكثر من 200 مهندس وموظف واختصاصي في علم الفضاء تمّ تدريبهم وتحضيرهم في مركز للفضاء في دبي بالتعاون مع مؤسسات علمية أميركية وغيرها، وهو مسار طبيعي للتطوير يسعى من خلاله أي بلد لإنشاء تحالفات علمية مع جامعات ومراكز أبحاث متطورة لمشاركة المعرفة ونقلها للأجيال للاستفادة والعمل على هذه الأسس وهذا ليس عيباً ولا غلطاً، وخُصِّصَت ميزانية كبيرة لدعم هذا المشروع.
فأيهما أفضل أن تستثمر دولة في أموالها للعلم ودعم العلم ورفع شأن شعبها وتحسين البلد؟ أو أن تستثمر أموالها لمصالح أشخاص وحكّام وعائلات من مسؤولين حكوميين وسياسيين وتجار حروب ودين ليعيش هؤلاء برفاهية ويموت باقي الشعب تحت مستوى الفقر والبلاد تحتاج للتحسين من كل النواحي؟ ألا يحدث هذا مع شعوب كثير من البلدان العربية وهم من أغنى البلدان ومع هذا شعوبهم تموت جوعاً وقهراً وأصبحت تحلم بأدنى مستلزمات العيش وبالسلام والأمان الحقيقي المدعوم بدولة القانون والحقوق المدنية والحريات وليس أمان القبضة الأمنية؟! فالفقر أنهك الناس وأفقدها الشعور بالسلام، والإيديولوجيات وشمّاعة القضايا القومية لم ولن تصنع سلاماً ولا حضارةً ولا شعوباً متحابة والناس تموت جوعاً.
يقول آخرون عن مبادرة الإمارات: “الأموال قد تشتري حضارة ولكن لا تصنعها ومن ليس له حضارة وتاريخ ليس له دور في التطوير.” ما هي حدود الحضارة أولاً ومَن يحدّد متى أو مَن يستطيع اللحاق بحضارة ما أو مشاركة ما وما المشكلة من التعلّم من حضارات قائمة ومحاولة اتّباعها؟ ثانياً، مَن قال إنّ هذا وحده شرطاً أساسياً للتقدم وهل حضارة آلاف السنين لبلاد كانت وحدها عاملاً بديلاً كافياً للتطوير المفقود اليوم وسابقاً فيها أم كان قد وجب العمل الدؤوب لاستثمار هذه الحضارة والتاريخ بكل الطرق من أجل التطوير؟ ماذا فعلوا مَن تولّوا الحكم على بلاد الآلاف عام حضارة لرفع مستوى الشعوب والبلاد معاً؟ ماذا فعلوا بمفكّريهم وعلمائهم ومؤسساتهم؟ هل دعموهم أم دفعوا بمفكّريهم ومبدعيهم للهروب والخروج بحثاً عن فُرص؟ هل بُني خلال عقود ماضية في هذه البلدان العربية مخابر لبحوث علمية أو حتى جامعات على مستوى عالمي لدعم هكذا بحوث علمية أو مستشفيات حديثة؟
عربياً، تعمل الإمارات ذات الخمسة عقود على تمويل وشراء الخبرات العلمية ودمجها في مجتمعها في تخطيط واضح للمستقبل علمياً وللانتقال لاقتصاد المعرفة وليس فقط النفط لاحقاً من جهة ولتأسيس لمجتمع متنوّع ثقافياً ومتصالح مع هذا التنوّع يساهم في دعم السلام العالمي من جهة، بينما يعمل قطبي الإسلام السياسي السني والشيعي تركيا وإيران وقطر بينهما وغيرها على تغذية الحروب والفتن وصرف ملايين الدولارات على المرتزقة والأسلحة والحروب في بلدان الآلاف عام حضارة وتمزيق هذه البلدان وإنهاك الشعوب الضحية بتواطؤ مع سياسيين وقيادات من الداخل والخارج وكل من له مصلحة بهذا. إنه مثال بسيط ومفارقة عن استثمار الأموال، وحتى بعض البلدان العربية التي ليس فيها حروب لم يتم الاستثمار فيها لأجل تطويرها وانفتاحها، فإننا اليوم بأمس الحاجة لمن يعمل للعلم والانفتاح ويستثمر الأموال لدعم العلم أو حتى لشراء الخبرات العلمية للاستفادة منها من أجل التطور والسلام والحريات، فالمهم اجتراح الطريق نحو التطوير السريع الذي لم يلحقه مَن جلس فقط على أطلال الحضارات أو أمجاد الماضي ليطرح رأياً كلاسيكياً يقول من أين للإمارات هذا وهو لم يتقدّم قيد أنملة كل هذه العقود.
ربما الإمارات لا تملك تراكم معرفي وتاريخ يتكىء على حضارات سابقة، ولكنها حكماً في الطريق الصحيح نحو التطور والعلم في تجربة تستحق منّا الثناء والتشجيع والأمل بمستقبل أفضل متمنّين أن تحذوَ حذوها باقي البلدان العربية، فما نقوله ليس إلاّ رغبةً منا بأن تعيش شعوبنا حياةً كريمةً تستحقها كباقي الشعوب والأمم.
مبروك للإمارات، وإلى الأمام.
التعليقات