الحوار الخاص والتاريخي الذي بثته قناة السعودية إلى جانب مجموعة من القنوات العربية، والذي أداره بجدارة؛ المذيع السعودي المتألق عبد الله المديفر مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كان بالفعل حواراً شاملاً ومعبراً من حيث التوقيت والضرورة. فمرور خمس سنوات من بداية مشوار رؤية السعودية 2030 بدت مناسبة قوية للإجابة على الكثير من الأسئلة العالقة، لاسيما في ظل التحولات التي مرت بها المملكة، والمنطقة العربية والعالم.
كان الحوار مفتاحاً للكثير من الأبواب التي فتحها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وكشف عبرها للشعب السعودي طبيعة التحديات التي تواجهه في هذه المرحلة، وطرق الاستجابة لتلك التحديات، من خلال حضور متميز وخطاب متماسك وقدرة على تحديد موضوعات الحديث عبر السرد السلس، بالرغم من تشعب رؤوس الموضوعات التي تطرق إليها الحوار وضيق الوقت المضغوط، ولكن مع ذلك، كانت إجابات ولي العهد أكثر من كافية ومفيدة ودقيقة.
بطبيعة الحال، كان الهم الاقتصادي من أهم المحاور التي أجاب عنها ولي العهد إجابات لم تنقصها الصراحة والدقة، لاسيما من خلال الحديث بلغة الأرقام التي لا تكذب. سواء لناحية الفرص والتحديات، أم الانجازات التي تمت في هذا الصدد.
أثناء ذلك الحوار التاريخي والمتشعب كان واضحاً أن ولي العهد يدور حول رؤية واحدة وشاملة، وهي كيفية تأمين مصالح المواطن السعودي وتحقيق رفاهيته في ظل أوضاع وتحديات لم تشهدها المملكة والعالم من قبل.
وعلى ضوء هذه المصلحة التي تصب فيها كل سياسات المملكة داخلياً وخارجياً، تحدث الأمير محمد بن سلمان حديثاً صريحاً عن ملفات كثيرة، دلت على أن الشفافية المطلوبة في العلاقة المتبادلة بينه وبين الشعب السعودي هي نقطة الارتكاز، ولهذا كان باستمرار يتحدث بعبارات عكست الصراحة والمعرفة فيها رسالةً واضحةً للشعب السعودي. اللغة الهادئة والحديث الواثق، والرؤية الواضحة، في تلك الملفات، كانت في تقديرنا هي مربط الفرس في هذا اللقاء التاريخي. لقد كان الإدراك واضحاً في رؤية الأمير محمد بن سلمان لخلفية الاصلاحات والمشروعات التي قادها في الداخل من أجل التعايش مع عالم اليوم، حيث استخدم ولي العهد عبارة مهمة جداً، حينما ردد بأنه ليس هناك حاجة لاكتشاف العجلة في العلاقة مع العالم، لأن عالم اليوم تحكمه قواعد ناظمة وقوانين أصبح الأخذ بها هو العلامة الفارقة للاندماج فيه.
حديث ولي العهد عن الخطط الإسكانية، والمشروعات التنموية التي تستهدفها رؤية 2030 كان كذلك مربوطاً بملفات خارجية تتصل بالاستثمار والشراكة الاقتصادية مع دول العالم ، كما كان واضحاً في ذلك اللقاء أن الأمير محمد بن سلمان كشف عن رؤية أبانت ببراعة تشابك التحديات الداخلية المختلفة مع الخارج في عالم أصبح اليوم من الأهمية بمكان النظر إليه وفق شبكة من الفاعليات والنظم المتطورة، لذلك كان الأمير يتنقل في الحديث عن موضوعات مختلفة لكن كان بينها رابط منهجي بدا واضحاً في الطريقة التي حاول الأمير محمد بن سلمان أن يوصل بها أفكاره.
التحديات السياسية في منطقة الشرق الأوسط والعلاقة مع إيران، والولايات المتحدة، واليمن ودول العالم الأخرى، أبان فيها ولي العهد رؤية واضحة عن سياسة المملكة القائمة على الانفتاح والحوار والعيش المشترك، في ظل تفاهمات عقلانية وضرورية سواء بالنسبة لإيران أو بالنسبة للوضع في اليمن.
وأخيراً في خصوص الهوية الدينية للمملكة تحدث الأمير بوضوح وبعيداً عن التزام أي مذهب متشدد، لأن أي تشدد هو شكل من أشكال التطرف، وسيولد بالضرورة تطرفاً مضاداً، كما أن منهج القرآن الكريم في آياته الواضحات والقطعيات هو المنهج السديد الذي يسع جميع المسلمين. لقد كانت هناك أكثر من ضرورة لحوار 15 رمضان مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ونعتقد أن ما سمعه المواطن السعودي من ولي العهد في ذلك الحوار هو بمثابة خارطة طريق واضحة لغد مشرق ومستقبل واعد بكل التحديات والاستجابات.