"2 ـ 2"

الحديث عن الفساد السائد في إدارتي أربيل والسليمانية اللتين تمثلان إقليم کردستان العراق(وأقول إدارتين لأنها فعلا کذلك وکل ماهو عام بيهما فهو هش لايعول عليه)، هو حديث ذو شجون ولاسيما وإنه قد أصبح الشغل الشاغل للشعب الکردي، مثلما إن الادارتان قد ملئتا العالم ضجة وصخبا بشأن مکافحتهما للفساد وجدية محاربتهما لهذه الظاهرة السلبية التي کانت السبب في هد وتحطيم أکبر وأعظم الامبراطوريات على مر التأريخ، ولکن هل إن هناك فعلا حربا ومواجهة جادة ضد الفساد في إدارتي أربيل والسليمانية ونية صادقة من أجل إجتثاث هذيه الظاهرة السرطانية؟
لاريب من إن الحديث عن مکافحة الفساد وإجتثاثه يقود بالضرورة ومن حيث نريد أو لانريد الى قضية العلاقة"السلبية"السائدة بين إدارتي أربيل والسليمانية مع أنقرة وطهران، ذلك إن هذه العلاقة تخفي بين طياتها الکثير من الاسرار والمبررات والعوامل التي ساعدت وتساعد على تفشي الفساد وتغلغله في مختلف مفاصل الادارتين وبالاخص إذا ماعلمنا بأن الفساد"المافيوي"معشعش في إيران وترکيا ومن الطبيعي جدا أن ينتقل بصورة تلقائية الى الادارتين من جراء ترسيخ العلاقة مع هذين البلدين، خصوصا وإن عدد کبير جدا من الشرکات الغارقة بالفساد ونشاطات مشبوهة وبشکل خاص تبعيتها أو علاقتها بمخابرات طهران وأنقرة، ومن دون شك فإننا يجب أن ننتظر توقعات سلبية قهرية من جراء تواجد هکذا شرکات وحتى أن تتسبب بخلق وإيجاد شبکات ذات أنشطة مشبوهة متنوعة.
إدارة أربيل إتهمت وتتهم إدارة السليمانية بالفساد والاخيرة ترد لها الصاع صاعين وتقوم بنشر غسيل الطرف الآخر على حبال وسائل إعلامها في وقت نجد إن هناك الکثير من الاصوات المحايدة التي تنبري لتتهم الادارتين بالکذب والخداع ومن إنهما غارقتان في فساد لاحدود له، بل إن الحديث عن المليارات المتکدسة لقادة الادارتين في المصارف العالمية ومظاهر البذخ والترف الطاغية على بطانتي العائلتين المالکتين للإدارتين الکرديتين، قد صار يتم تکراره حتى إنه أصبح مثل"حکاية الذبابة"(1) الشائعة في التراث الکردي، والمثير للسخرية إن هناك ثمة ظاهرة سائدة في أربيل والسليمانية على حد سواء وهي السماح للصحافة ووسائل الاعلام بإنتقاد الادارتين طرح السلبيات السائدة فيهما ولکن الاکثر إلفاتا للنظر هو إن مايطرح لايٶخذ بنظر الاعتبار بل وکأنه مجرد هواء في شبك ولکن، وفي حالة تعدي الحدود المسموح بها فإن ذلك يعني بأن الصحفي قد وقع جعل دمه مباحا، کما جرى وللأسف البالغ للعديد من الصحفيين الملتزمين والذين صاروا معروفين للعالم وليس للشعب الکردي فقط.
الادارتان زعمتا وتزعمان على مر الاعوام المنصرمة بجديتهما في الحرب على الفساد ومکافحته من دون أن يکون لذلك أي دور وتأثير على أرض الواقع، إذ أن طيب الذکر "محمد مهاتير" عندما أعلن الحرب على الفساد في ماليزيا فإنه قد أفلح في إسترجاع مبالغ طائة حسنت من الاوضاع المختلفة للبلاد وجعلت من ماليزيا واحدة من النمور الاسيوية، لکن الذي يجري في الادارتين هو مجرد جعجعة من دون أن نرى طحينا مما يدل على کذب وخواء وزيف مزاعم محاربة ومکافحة هذه الظاهرة السرطانية التي هدت وحطمت کما ذکرنا أعظم الامبراطوريات عى مر التأريخ، وبإختصار شديد فإن أحفاد آل برزان وآل طالبان من الممکن أن يخوضوا الحروب والمواجهات"المحدودة" ذات الطابع الدونکيشوتي على کافة الجبهات لکنهم وعندما يتعلق الامر بالفساد فإنهما يحجمان عنه حتى بقدر أقل من مواجهاتهم الدونکيشوتية، فيما نجدهما يبرعان والى أبعد حد في حربهم الکلامية الفارغة ضد الفساد ويقومون الدنيا ولايقعدونها ولکن بالکلام والکلام فقط وکما قال الشاعر الکردي أحمد مختار جاف"کل ذلك مجرد کلام والکلام لايغدو نقدا ليدخل الجيب"!
کلمة أخيرة، حرب الفساد يبدأ من الاعلى للأسفل وليس العکس فالقاعدة السفلى للفساد تعتمد بالضرورة على سندها في الاعلى وکما إن قتل الثعبان يجب أن يکون من الرأس وليس من الذيل فإن الفساد المستشري في الاقليم يجب أن تتم مکافحته من الاعلى، فهل سيتم أمر کهذا ولاسيما وإن قيادتي الادارتين قد برعتا في إطلاق التصريحات العنترية بمکافحة الفساد والقضاء عليه ولکن من دون أي نتيجة، ولانريد أن نذهب بعيدا بأن نقول حاميها حراميها، ولکن نقول إن هناك ليس ثمة خيط رفيع فحسب بل حبل عريض جدا يربط بين شبکات الفساد وبين الاعلى وهذا الحبل صار من الصعب کما يبدو على أصحاب المليارات قطعه بل وعلى العکس من ذلك يحرصون على المحافظة عليه أيما حرص!!