عوامل اختناق العراق كثيرة وعديدة، نلمسها بالواقع المعايش، يمكن تلخيصها بما يلي: وجود سلطة فاسدة من الحكومة والاحزاب والكتل النيابية لا تحمل اي معنى للوطنية والمسؤولية والمواطنة، وسيطرة مجموعات مسلحة وميليشيات عسكرية على زمام الامور وتهديد الدولة بكل مؤسساتها واجهزتها ودوائرها، وحضور مخفي وعلني للاجهزة المخابراتية التابعة للدول القريبة والبعيدة وتحكمها ببعض القرارات والشؤون الداخلية للعراقيين، ورمي القوانين ومواد الدستور عرض الحائط وفرض حالة من غياب الدولة والقانون بحكم الامر الواقع، وتفشي فساد رهيب بكل انواعه المالية والادارية والفنية في كل مفاصل السلسلة الهرمية للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وترسيخ ثقافة الفساد داخل مكونات المجتمع بجميع مجالاتها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وارساء ثقافة العنف داخل المكونات الشبابية والمذهبيية والسياسية للمجتمع العراقي، وتخريب نظام التربية والتعليم بحيث بات بعيدا عن بناء الانسان والفرد الايجابي البناء، وتدمير نظام الصحة والرعاية الطبية للاطفال والنساء وكبار السن بحيث باتت حالة الافراد والاسر غير محمية باي شكل من اشكال الرعاية الصحية.
وعوامل انهيار العراق باتت مكشوفة للعيان وبدأت تظهر اثارها ونتائجها في حياة كل العراقيين، وقد فرضت منذ عقود، وهي تشمل ما يلي: ظهور اثار مميتة وقاتلة للحروب التي مر بها العراق على حياة المواطنين والبيئة والتربة والهواء والمناخ، وزيادة معدلات التصحر للاراضي وتعرضها سنويا الى المزيد من عوامل التعرية بسبب عدم وجود خطط بديلة لمجابهة التصحر ومقاومة عوامل التعري، وارتفاع ملوحة الاراضي الزراعية وبالتالي حصول نقص متواصل سنويا في مساحة الاراضي الصالحة للزراعة، وحصول زيادة في معدلات نمو السكان بمعدلات سنوية شبه عالية وعدم وجود خطط ومشاريع مقابلة وذلك لضمان بيئات حياتية وتنموية لاحتضان تلك الزبادات الكبيرة في اعداد نفوس العراقيين، والتقلص الرهيب في مساحات توفير المحاصيل والحبوب والمواد الغذائية لتحقيق الكفاء الذاتي من الامن الغذائي لعموم العراقيين، والنقص الشديد في تأمين المياه الصالحة للشرب وزيادة سيطرة الدول الاقليمية على مصادر تأمين المياه للشرب والزراعة والصناعة، وتحكم دول الجوار على منابع ومصادر النهرين الدجلة والفرات وبدون حساب اي اعتبار للدولة العراقية.
واضافة الى عوامل ومظاهر الاختناق والانهيار الجارية على الساحة العراقية، نجد ان مخاطر الاجواء الكارثية التي يعيشها العراق كشعب ودولة وحكومة على المدى القريب، تنحصر بفرض عالم من الفساد العملاق لا مثيل له في االعالم، وذلك من خلال وجود سلطة حاكمة من الاحزاب والمليشيات والسلطات التشريعية التنفيذية والقضائية متميزة بفساد رهيب في كل مفاصل الكيان المعاصر للعراق، حيث نجد ان الموارد المالية العامة مسخرة فقط للحكام الفاسدين ولا حصة ولا مساحة للمواطن فيها ولا للدولة، وتتم سرقات متواصلة لعشرات ومئات المليارات من الدولار، بينما البلاد بلا بناء ولا تنمية ولا ادارة من طراز الدولة، ولا خطط ولا مشاريع ولا برامج لتلبية احتياجات المواطنين، والادهى قيام الحكومة بضرب القدرة الشرائية للعراقيين، وذلك من خلال خفض سعر الدينار ورمي اعباء اقتصادية ومعيشية ثقيلة على اكتاف المواطنين وكأنهم اعداء، وسد باب الفرص امام الشباب الخريجين والعاطلين عن العمل، وكأن الحكومة لا علاقة بها ابدا.
وفي خضم هذه المآسي المتراكمة على العراق، والاختناقات التي يعيشها المواطن، وتلمس اسباب الانهيار الاتي للدولة والكيان السياسي، وفي ظل الازمات المالية والاقتصادية والمعيشية والحياتية المغروسة فيها البلاد، تخرج علينا الحكومة لتعلن عن مشاريع عملاقة، بناء محططات نووية، وانشاء عاصمة جديدة بديلة لبغداد، وبناء مليون دار سكن، علما ان الحكومها عمرها قصير، فما الغرض من اعلان هذه المشاريع الكبيرة، هل هي اوهام ام لعبة جديدة لفساد عملاق ؟.
بالختام نستعين بالمثل الكردي القائل "رفع الحجر الكبير دليل على عدم رميه"، لذا يبدو ان الساسة الذين ظهروا بفعل تضحيات شباب احتجاجات تشرين، عيونها باتت على عقد صفقات عملاقة للتعويض عن ما فاتهم في السنوات الماضية التي زفت خزائن الموازنات السنوية السابقة الى كتل سياسية مافيوية جاءت من مستنقع الفين وثلاثة لتفعل فعلتها في اختناق العراق والتمهيد لانهياره في العقود القريبة القادمة، والله من وراء القصد.