امريكا تنظر إلى مصالحها ولا تنظر إلى مصالح من حولها
بعد عام واحد من إبرام اتفاقية الدوحة بين حركة طالبان والحكومة الأميركية، وبمجرد سحب القوات الأمريكية من افعانستان انهارالجيش الأفغاني الذي كان قوامه 325 الف جندي. انهار الجيش الافغاني على الرغم من مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة والغرب على تأهيله وتدريبه.
وتكشف التقارير الدولية بأن الغرب ضخ مبالغ ضخمة في تأهيل القوات الأفغانية على مدار السنوات الماضية، وأن الولايات المتحدة الامريكية لوحدها أنفقت أكثر من ألف مليار دولار خلال 20 عاماً، لتدريب وتجهيز 325 ألف جندي أفغاني (حسب تصريح الرئيس الامريكي جوبايدن).
وقبل ساعة الهروب والانهيار، كان الجيش الافغاني يحتل المرتبة 75 عالميا في قائمة أقوى جيوش العالم، وكان لديه 325 الف جندي، بينهم 175 الفاً من القوات العاملة و150 الفاً من القوات شبه العسكرية. كان للجيش الافغاني 46 مطار عسكري و27 طائرة بينها (طائرات قاصفة ـ تدريبية ـ مروحيات)، إضافة إلى 1065 مدرعة و120 مادافع ميدانية و25 مدافع ذاتية الحركة. ومن الجدير بالذكر ان ميزانية الدفاع كانت 4 مليارات دولار.
كل هذه القوات انهارت بسرعة البرق ولم تصمد امام زحف حركة طالبان، الحركة التي رفعت علمها (الامارة الاسلامية في افغانستان) فوق السفارة الامريكية والسفارات الاجنبية الاخرى باستثناء سفارة (تركيا، باكستان، الصين وروسيا) قبل ان ترفعها فوق القصر الرئاسي بعد ان دخلوا إلى قلب العاصمة الافغانية كابل.
اسباب انهيار الجيش الافغاني
حول اسباب انهيار الجيش الافغاني، ألقى العقيد إدريس عطاي، القائد في الجيش الأفغاني، باللوم على كل من الولايات المتحدة وحلفائها وقادته الأفغان وقال: "انهار جيشنا لانه ليس لدينا أي استراتيجية للحرب، لقد أسيء استخدام قواتنا خلال السنوات الماضية، وتم تعيين من لا يستحقون في مناصب قيادية، لذا نحن اليوم في هذه الفوضى". يستطرد عطاي قائلاً: "امضيت حياتي المهنية كعسكري في قتال الارهابيين وفي الاخير منح الغرب الشرعية السياسية والثقة لهم على الرغم من انهم كانوا متفقين معنا بان الطالبان حركة ارهابية، ورغم ذالك سلموهم مستقبلنا على طبقٍ من ذهب بعد 20 عاماً من القتال".
وحسب تصريح عطاي يتبين بان لا عطاي ولا عسكريين اخرين لم يعرفوا بان امريكا تنظر فقط إلى مصالحها ولا تنظر إلى مصالح من حولها، والاكثر من هذا انهم لم يتّعظوا من جُلِّ تجاربهم الماضية ولم يتعلموا من طعنات الولايات المتحدة القاتلة لحلفائها.
هل يتكرر سيناريو افغانستان في العراق؟
مع تزايد الإحباط لدى المسؤولين الأمريكيين بعد فشل الحكومات العراقية المتعاقبة بعد سقوط الصنم في ادارة البلد وتفشي الفساد في المؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية، والتي انفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات لتدريب الجيش العراقي وتجهيزه على مدى 18 عاما من جهة، والضغوطات الكبيرة التي مورست ولا تزال تمارس على الجانب الأمريكي من قبل الاحزاب والميليشيات الموالية لإيران وبدعم مباشر منها والتي تقوم بين فينة واخرى بقصف معسكرات والبعثات الدبلوماسية الامريكية في عموم العراق وتحديداً بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس من جهة ثانية، إضافة إلى القرار البرلماني الصادر في 5 كانون الثاني 2020، الذي يدعو إلى خروج القوات الأمريكية من البلاد، والاتفاق الاخير المُبرم بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والرئيس الامريكي جو بايدن على تحوّل القوات القتالية الأميركية الموجودة على الأرض في العراق إلى قوات استشارية توجّه وتدرّب نظيرتها العراقية وتدعمها بمعلومات استخباراتية في نهاية العام الحالي، كل هذه الامورتدفع الولايات المتحدة ان تفكر وتسعى لإيجاد تكتيك جديد يختلف عمّا اعتادت عليه الإدارة الأميركية لإعادة دورها وترتيب أوراقها من جديد في المنطقة والعراق تحديداً .
انظروا إلى العراق
تدعي الولايات المتحدة انها تحارب القاعدة وداعش واخواتها (صنيعة السي آي إيه)، بالضبط كما ادعت بانها تحارب حركة طالبان والقاعدة من أجل حرية الشعب الافغاني، هذه الحركة التي تستخدمها اليوم اميركا لمصلحتها بعد عقدين على إزاحتها من الحكم من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة إثر هجمات الحادي عشر من أيلول 2001.
ومن الجدير بالذكر ان تكلفة الحرب في أفغانستان (أطول الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة) تخطت التريليون دولار، إضافة إلى مقتل أكثر من 2401 جندي أميركي، و3943 متعاقداً حكوميا، منذ بدء القتال في نهاية 2001 وحتى توقيع اتفاق السلام في الدوحة بين حركة طالبان وإدارة ترامب في نهاية شباط 2020.
وعليه من المحتمل جداً ان تستخدم الولايات المتحدة داعش واخواتها والبعثيين وبعض من الميليشيات الاسلامية الارهابية عندما تقتضي مصلحتها وتسمح لهم بالتجمع من خلال تاسيس تنظيم جديد مقابل ضمانات وآليات تنفيذ تمنع استخدام الأراضي العراقية من قبل أي جماعة أو فرد ضد أمن الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وتعهّداً بعقد محادثات السلام مع الحكومة العراقية كما فعلت مع حركة الطالبان. وان إشادة دونالد ترامب بالدكتاتور صدام حسين دليل وبرهان على ذالك عندما صرح وقال نصاً: "انظروا إلى العراق، في السابق لم يكن يتواجد إرهابيون في العراق، كان صدام حسين يقتلهم على الفور، أما الان فقد اصبح العراق جامعة عريقة للإرهاب"!
المصالح اولاً
يرى مراقبون أن الولايات المتحدة لاتنسحب من العراق بدون ان تترك (حصان طراودة) جديد في العراق وعلى ابواب الدول الإقليمية وخاصة (الجارة إيران) ليثقل كاهلها بالأعباء المادية الضخمة ويشكل لها وللاحزاب والميليشيات الموالية لها مصدر قلق على المستويين المالي والأمني.
في حين يرى آخرون انه على الرغم من ان الوجود الأميركي في العراق متفق عليه ضمنيًا بين كل من يتولّى السلطة في بغداد حتى وان تكون (الدولة الاسلامية الفاشية ـ داعش) والتي تطلّ برأسها وتقوم بفعاليات عسكرية بين الفينة والأخرى وخاصة في مناطق وقرى إقليم كوردستان ومنها جبل (قرجوغ)، وعلى الرغم من ان وضع وموقع افغانستان الجغرافي يختلف تماما عن أهمية العراق النفطية وموقعه الجغرافي المؤثر إلا ان العديد من المحطات التاريخية لاتنفي حقيقة انسحاب القوات العسكرية للولايات المتحدة وحلفاءها وشركائها في التحالف من العراق بين ليلة وضحاها اذا اقتضت مصالحها، وان تصريح وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بليكن حول مصلحة بلاده بالانسحاب من أفغانستان والذي قال: "كنا في أفغانستان لغرض واحد فقط ، وهو معاقبة الارهابيين الذين هاجمونا في 11 سبتمبر"، وان انسحاب أميركا المفاجئ في 2019 من مناطق واسعة ممتدة من رأس العين إلى تل أبيض في شمال سوريا، لتحتلها تركيا والفصائل الإرهابية والتكفيرية التابعة لها بالاتفاق مع اردوغان خير دليل وبرهان على ذالك.
رسالة جو بايدن التحذيرية إلى الحكومات الفاسدة
بايدن كان صريحاً في خطابه يوم أمس وهو يدافع عن صحة قرارالانسحاب من افغانستان والذي قال نصاً: "أن الولايات المتحدة أعطت الجيش الأفغاني كل الفرص للتمكن من محاربة طالبان، لكن القادة السياسيين الأفغان استسلموا وهربوا من البلاد فيما رفض الجيش الأفغاني القتال". وتابع : "أن القوات الأميركية يجب ألا تقاتل وتموت في حرب رفضت القوات الأفغانية خوضها، لا نكرر أخطاء الماضي بالبقاء والقتال في صراع ليس في مصلحة الولايات المتحدة".
وهنا لابد ان نسأل حيتان الفساد في بغداد واربيل: هل وصلتكم رسالة بايدن التحذيرية؟
اخيراً ..
ان ما يحدث اليوم في افغانستان تلخصه مقولة الدبلوماسي الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر: "ليس من مصلحة أمريكا أن تحل أية مشكلة في العالم بل من مصلحتها الإمساك بخيوط المشكلة وتحريك هذه الخيوط حسب مصلحتها".
ويبقى السؤال الاهم: ماذا لو رفعت امريكا وإيران يدهما من العراق، هل تأتي ساعة الحساب والهروب وتزدحم مطارات العراق بالفارين وفي مقدمتهم كبار الفاسدين وحيتانهم كما شاهدنا مطار كابول الدولي بعد 20 عاماً على إعلان الرئيس الأمريكي بوش الأبن إنهاء حركة طالبان الارهابية في افغانستان؟َ!
التعليقات