الكل خائف في العراق والكل يترقب ولا يدري مالذي سوف يحدث. جمهور القوى المتنافسة مستنفر برمته وعناصره المسلحة متمترسة بأسلحتها بانتظار الأوامر. الشعب في وادي والطبقة السياسية الفاسدة التي تحكم البلاد منذ ثمانية عشر عاما، والشعب بوادي آخر.

ما يزال العراق مستقطباً إقليمياً ودولياً ومنهوباً من الداخل والخارج، ومن قبل طبقته السياسية الحاكمة ومن إيران وحزب الله اللبناني، وفاقداً للسيادة، وعرضة للانهيار والفشل التام. وهو يقف اليوم بين قطبي الرحى. ففي الداخل تتقاسمه القوى المتنازعة والمتنافسة على تقطيعه بين مكونات فرضت نفسها على حساب الوطن والمواطنة، كالقوى الكوردية ــ الحزب الديموقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير والقوى الإسلامية الكوردستانية ــ والقوى السينية ــ تقدم وعزم والحزب الإسلامي والعشائر السنية ــ والقوى الشيعية الموزعة بين صدريين وولائيين، بين جيش المهدي، والعناصر المسلحة من الولائيين وبين أحزاب ومرجعيات دينية، بين دولة ضعيفة وجيش ضعيف ومخترق بالاندماجيين، وميليشيات مسلحة خارجة عن القانون وتضع نفسها فوق القانون وتتحدى سلطة الدولة، وتتصارع فيما بينها كما هو الحال بين الميليشيات الصدرية المسماة سرايا السلام والميليشيات الموالية لإيران المهيمنة على تشكيلات الحشد الشعبي التي أفتى بوجودها المرجع الأعلى علي السيستاني لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، لكنها تنمرت وتعاظمت قوتها وتسليحها بفضل دعم إيران لها، ككتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وألوية بدر المسلحة وغيرها من التسميات العديدة والتي تدعي أنها فصائل المقاومة على غرار حزب الله اللبناني المتناغم معها. وعلى الطرف الآخر أتباع حركة الاحتجاج الشعبية المعروفين بالتشرينيين، وجلهم من الشباب وال فئات المسحوقة، الذين طالبوا باسترجاع الوطن وإطاحة نظام المحاصصة الطائفية والعرقية والقومية والدينية، وخاض جزء منهم تجربة المنافسة الانتخابية لأول مرة.

تعاقب على العراق خمسة رؤساء وزاراء فاشلون طيلة ثمانية عشر عاماً منذ سنة إطاحة نظام صدام حسين عام 2003 ولغاية اليوم، وهم أياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، وكان هذا الأخير أفضلهم نسبياً لأنه لم يرشح نفسه في الانتخابات عكس سابقيه رغم طموحة بتجديد الولاية الثانية له لأنه أختير لقيادة المرحلة الانتقالية بعد إقالة عادل عبد المهدي وتنظيمه للانتخابات المبكرة وسنه لقانون انتخابات جديد يعتمد الدوائر المتعددة وليس الدائرة الواحدة ونظام القوائم، لكنه لم ينجح في إنقاذ البلاد المفلسة اقتصادياً ولا إعادة الخدمات الضرورية للمواطن وعلى رأسها الكهرباء وهي عماد كل تطور وتنمية زراعية وصناعية وتجارية واستثمارية، ولا محاسبة ومعاقبة المجرمين الذي قتلوا واغتالوا المتظاهرين، ولم يحاسب الفاسدين أو يسترجع الأموال المنهوبة.

أخيراً تم تنظيم الانتخابات الشريعية في 10 أكتوبر 2021 وتمخضت نتائجها عن أرقام خلخلت نظام التوافقات السابق وتوزيع المقاعد حسب قوة وأهمية الكتل السياسية وليس حسب عدد الأصوات التي تحصل عليها كل كتلة : مقتدى الصدر يعلن أن تحالفه هو "الكتلة الأكبر" في البرلمان أي في مجلس النواب العراقي القادم بعد إعلان نتائج الفرز الإلكتروني الأولية، مؤكدا استعداده لتشكيل تحالفات "وطنية" بغية اختيار رئيس وزراء صدري. وكانت المفوضية قد نشرت على موقعها على شبكة الإنترنت، أسماء المرشحين الفائزين بمقاعد في البرلمان بحسب المحافظات، وعدد الأصوات التي حصلوا عليها، دون الإعلان عن أسماء الكتل، ثم قامت بتغيير بعض الأسماء جراء ضغوط وتهديدات بعض الكتل السياسية التي تمتلك ميليشيات مسلحة، ورفض تنسيقية القوى الشيعية لنتائج الانتخابات والتي تضم دولة القانون وفتح ــ بدر والعصائب وغيرها ــ وــ تجمع قوى الدولة ــ الحكمة و الإصلاح أي عمار الحكيم وحيدر العبادي. "الكتلة الأكبر" بموجب الدستور العراقي هي التي تشغل أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات النيابية، والتي ستعين لاحقًا رئيسًا للوزراء. لكن قانون الانتخابات الجديد عدل هذه الفقرة واعتبر الكتلة الفائزة بالانتخابات هي صاحبة العدد الأكبر من الأصوات وهي التي يجب أن تشكل الحكومة، وحدها او من خلال تحالفات مسبقة. وقال الصدر في بيانه: "من الآن فصاعدا لا ينبغي أن تكون الانتخابات ونتائجها والتحالفات التي تشكلت بعد ذلك مصدرا للخلافات والنزاعات والصراعات والمواجهات، بل من الضروري حتى منع الاقتتال وتعكير صفو السلام". والأمن، والإضرار بالناس وأمنهم وقوتهم وكرامتهم وسلامتهم". وشدد على أن "العملية الديمقراطية يجب أن تتسم بالشفافية والنزاهة وروح المنافسة الشريفة وقبول الطرف الآخر والنتائج مهما كانت. الانتخابات هي صوت الشعب". وأضاف القيادي في "سائرون": "أعلن أننا قبلنا بالقرارات والنتائج التي أعلنتها الهيئة المنظمة للانتخابات، أي المفوضية، مهما كانت. لقد دعمنا الشعب خلال هذه العملية الديمقراطية" ومنحنا الأغلبية الفائزة. وواصل قوله: "اكتشفنا أن الكتلة الصدرية هي أكبر كتلة انتخابية وشعبية، لذلك سنسعى إلى تحالفات وطنية غير طائفية أو عرقية، وتحت خيمة الإصلاح وفق التوقعات التي ينتظرها ويرغب بها الشعب لتشكيل حكومة نزيهة تهتم بحماية الوطن وأمنه وسيادته" بيد أن مقتدى الصدر أعلن على شاشة التلفزيون بياناً نارياً هدد وتوعد فيه الميليشيات المسلحة حتى تلك التي تدعي المقاومة، وحل الحشد الشعبي أو دمجه في الجيش والقوى الأمنية التابعة للداخلية وتجريدها من السلاح الذي يجب أن يكون في يد الدولة حصراً، اي دولته هو، ومحاسبة ومحاكمة ومعاقبة الفاسدين، وتوفير الخدمات، وصيانة واحترام هيبة الدولة وتأمين استقلالية وسيادة العراق. أما "الإطار التنسيقي" الذي يضم القوى السياسية و "الحشد الشعبي" وعلى رأسها "تحالف الفتح" و "ائتلاف دولة القانون" و "عصائب أهل الحق" إضافة إلى "كتائب حزب الله فقد أعلن "رفضه" الكامل "لنتائج الانتخابات التشريعية التي جرت الاحد الماضي ودعا إلى تظاهرات سلمية واعتصامات في الشوارع ومداخل المنطقة الخضراء تأهباً لأية مواجهات مسلحة قد تقوم بها عناصر صدرية من سرايا السلام أو من القوات الحكومية وقوات مكافحة الإرهاب. وكانت المفوضية قد نشرت أسماء الفائزين على موقعها الرسمي، بناء على النتائج الإلكترونية، دون الرجوع إلى الكتل السياسية التي يمثلونها في الانتخابات، حيث بلغت نسبة المشاركة 41٪ وهي الأدنى منذ 2005، ويعتقد أنها نسبة مبالغ فيها. وجاءت "الكتلة الصدرية" في المرتبة الأولى بـ 73 مقعدا من أصل 329، فيما حصلت كتلة "التقدم" السنية بزعامة محمد الحلبوسي على 38 مقعدا. وجاءت كتلة "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي في المركز الثالث بـ37 مقعدا.إلى جانب أصوات التحالف الكوردي الذي حصد حوالي 40 صوتاً أو أكثر بقليل والستقلين ومرشحي تشرين الذين فازو بعشرين إلى 25 مقعدا حسب ما ستمليه النتائج النهائية بعد إعادة العد والفرز اليدوي لبعض الدوائر الانتخابية تلبية لمطالب الرافضين داخل الإطار التنسيقي.

هناك احتمالان لاثالث لهما إما فرض الأمر الواقع من قبل أحد الطرفين المتواجهين، الصدريين والإطار التنسيقي، بتشكيل الكتلة الأكبر بالتحالف مع الأكراد والسنة أو التوصل إلى تفاهمات جديدة بينهما وإعادة التيار الصدري إلى الإطار التنسيقي وتوحيد الصف الشيعي والاتفاق على تسمية رئيس الوزراء الجديد وإبقاء امتيازات القوى الشيعية الأخرى كاملة كما هي، مالية وسياسية، في إطار المحاصصة وتقاسم الغنائم. وهناك ثمانية أسماء مرشحة لاحتلال منصب رئاسة الوزراء القادمة، يخضعون الان بجد للمناقشة ..في اجتماعات النجف .. بحضور اصحاب الشأن..

نوري المالكي

اسعد العيداني

محمد شياع السوداني

عدنان الزرفي

حسن الكعبي

جعفر محمد باقر الصدر

نصار الربيعي

ومصطفى الكاظمي

ومقتدى الصدر هو من سيقرر اختيار أحدهم بالتوافق مع باقي التشكيلات الشيعية أو بالرغم منها، ومباركة وموافقة إيران المبدئية عليه وبالطبع موافقة أمريكاً الضمنية أيضاً.