لعلَّ أبرز ما يُميَّز الشخصيَّة الحِديَّة، إضافةً إلى الاحتداد والاكتئاب، هو الخوف من الهجر وعدم الاستقرار وعدم القدرة على تحمُّل الوحدة.

والحقيقة أن الخوف من هجر الآخرين والعُزلة ليس خوفاً عبثيَّاً، في جزءٍ كبيرٍ منه، بل يمكننا اعتباره قراءةً مُبكرةً، ممزوجة بنفاذ الصبر، لمآلات السلوك الذي يقوم به صاحبها. فسلوكه يسير دوماً عكس أمنياته، ويعمل ضدَّ مصلحته، لذلك هو بحاجةٍ ماسَّةٍ للحب والاهتمام والعلاقات الإنسانيَّة ضمنيَّاً، إلا أن سلوكه الحادّ والسامّ والمُنفِّر يقود إلى خلافِ ذلك.

فهو على سبيل المثال يحاول، وعلى الدوام، تضخيم الأشخاص الذين هم برفقته، ومن ثم يقوم بتحقيرهم ويسعى إلى إذلالهم! بمعنى أنه يقوم بتضخيمهم ليُشبع حاجته للحب، ويُمعِن في إهانتهم بسبب ازدواجية سلوكه، وذلك من خلال فعل عكس ما يتمنَّاه!

إضافةً إلى قيامه بسلوكياتٍ غير متوقَّعة واتخاذ قرارتٍ سريعة وغير منطقيَّة! كأن تقوم فتاةٌ مثلاً بفسخِ خطوبتها من شاب دون وجود أي مبرِّر واضح، وعلى الرغم من كون علاقتهما علاقة ناجحة!

أو أن يقوم شخصٌ ما بتركِ عملٍ مريح يُدرُّ عليه الأموال، لأسبابٍ واهيةٍ!

وعلى الرغم من كون اضطراب الشخصيَّة الحِدّيَّة اضطراباً عقليَّاً، إلا أن الحل يأتي من خلال العلاج النفسي المُرفق بالأدوية.

والجدير بذكره أنَّ اضطراب الشخصيَّة الحِدّيَّة ذو استعدادٍ وراثيّ، إضافةً إلى تأثير العوامل البيئيَّة والتربويَّة في ظهوره. مثل فقدان أحد الوالدين في الطفولة، أو التنشئة في أسرة مضطربة، أو تقصير الأم وإهمالها لطفلها، أو قيامها بهجره لساعاتٍ طويلةٍ خلال اليوم الواحد. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى خطورة هذا السلوك -أي نفي الطفل وتجاهله- لأنه يُعزِّز من تداعيات ثالث مراحل الحصر المفصليَّة في النمو النفسيّ لكل طفل، والتي حدَّدها رانك، وهو "حصر فقدان حضن الأم".

إلى ذلك يساعد العلاج بالحوار على التخفيف من ردود الفعل المبالغ بها من قبل المريض.

ويقع على عاتق المعالج النفسيّ، أو مُقدِّم الرعاية الصحيَّة النفسيَّة، إفهام المريض مشكلته الفعليَّة، وتعليمه الكيفيَّة الصحيحة والطبيعيَّة التي يجب أن يُلبِّي حاجاته من خلالها؛ الأمر الذي سيؤدِّي إلى تعزيز أنماط الحياة الإيجابية لديه. يُضاف إلى ذلك كلِّه تعويده على استشراف عواقب الفعل الذي يقوم به.

(*) باحث سوري في علم النفس التحليلي.