القرار البريطاني باعتبار حركة حماس منظمة ارهابية يحتاج منا الوقوف على ماهية القرار ودوافعه وتداعياته وسياقه السياسى الذى صدر فيه، والوقوف على شخصية ودوافع وزيرة الداخلية البريطانية صاحبة القرار باتيل بيرتى.
أبدأ بما كتبه الكاتب البريطاني أوين جونز: ما هو بالضبط الشكل الشرعى المقبول لمقاومة الاحتلال؟ وهو ما يعنى التناقض والشكلية التي تمارسها السياسة البريطانية. ولنبدأ بدوافعها: فهى من اكثر الشخصيات البريطانيه تأييدًا ودعمًا لإسرائيل ويقال إن منصبها مكافأة لها لهذا الموقف، والمعلوم انها قد أجبرت على الاستقالة من حكومة تيريزا ماى البريطانية بسبب اتصالات لها مع إسرائيل. وبررت قرارها بتطور القدرات العسكرية لحماس ومعاداتها الشديدة للسامية، وحماية للجالية اليهودية في بريطانيا.
هذا عن البعد الشخصى، والقرار يأتي بعد تصريحات غير متوقعة لرئيس حزب العمال كير ستارمز وإدانته مقاطعة السلع الإسرائيلية من المستوطنات، وكل نشاط معاد ضد إسرائيل، على خلاف رئيس حزب العمال السابق. والقرار يأتى في السياق السياسى للشعبوية الصاعدة في بريطانيا والتي تتخذ مواقف عدائية من كل القضايا الخاصة بالمهاجرين، إلى جانب كراهيتها لكل ما غير بريطاني.
فى السياق نفسه، ملحوظ نشاط حركة مقاطعة إسرائيل والتي بدأت تتسع بشكل ملحوظ في بريطانيا. وقد لا يكون مصادفة أن يأتي القرار في أعقاب الاحتجاج الطلابى ضد السفيرة الإسرائيلية في لندن تسيبى حوتو فيلى. وجاء القرار أو الاعلان عنه ووزيرة الداخلية في الولايات المتحدة وكانه ترضية للوبى الصهيوني. ولا يمكن أن نتجاهل العلاقات التقليدية بين بريطانيا وإسرائيل وحزب المحافظين حتى من قبل قيام إسرائيل، وصدور وعد بلفور وتبنى مطالب الحركة الصهيونية، وكيف أن الوعد شكل مرجعية كاملة لسياسة الانتداب في فلسطين، وكيف ساهمت بريطانيا في قيام إسرائيل بانتزاع القرار الأممى رقم 181، الذى سمح بقيام إسرائيل كدولة.
لذلك، لا مفاجأة في القرار بل المفاجأة في توقيته، ففي الوقت الذى هناك محاولات لاحتواء حماس سياسيًا من قبل الولايات المتحدة، يأتى هذا القرار، وخطورته من ناحية انه قد اعتبر كل حركة حماس بمكتبها السياسى منظمة ارهابية لتنضم بهذا القرار لكل من الولايات المتحدة وكندا، ومن ناحية أخرى إن القرار يجعل من حماس قضية أمن بريطاني داخلى. كما لا يقتصر القرار على التحريض ضد كل الفلسطينيين في بريطانيا بل ضد كل من يساهم من الداعمين حتى البريطانيين في مسيرة أو في جمع مساعدات خيرية. والمستهدف في القرار ليس حماس وحدها، بل كل المقاومة الفلسطينية ومن ثم قد ينطبق على كل الفصائل الاخرى، والتناقض الغريب في القرار في الوقت الذى فيه محاولات لمساءلة ومحاكمة بريطانيا عن وعد بلفور وعن السبب في نشأة القضية وتشريد اكثر من 750 ألف فلسطيني في أعقاب حرب 1948، وبدلًا من أن تقوم بريطانيا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية والمطالبة بانهاء الاحتلال الإسرائيلي تساوى بين المقاومة والاحتلال، وتشرعن أى حرب على غزه في المستقبل، ومبررا لها، وأيضا مبررا لكل ما تقوم به إسرائيل في الأراضى الفلسطينية من اعتقالات تحت ذريعة ملاحقة الإرهاب.
وحيث أن حماس حركة لها قاعدتها الجماهيرية، فالقرار يعنى حربًا ضد كل الشعب الفلسطينيى، لأن من الصعب الفصل بين حماس وفلسطين كلها. فمن حق الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة التي أقرتها الشرعية الدولية. والقرار وهذه المرحلة الثانية منه عندما يتحول لقانون ملزم من قبل مجلس العموم وهذا متوقع ان يتم صدور هذا القانون ليشكل عائقا وتحديا كبيرا لكل نشاط داخل بريطانيا فيه معاداة للسامية، وهو اتهام واسع قد ينطبق على كل الأنشطة حتى اللفظية.
والأهم الآن من تحليل القرار واسبابه تداعياته اولا على حركة حماس، المطلوب منها مراجعة وتقييم كل سياساتها، فلا يمكن التقليل منه لانه ستكون له تداعيات على الحركة خارجيا. ومن ناحية الحاجة لسياسة فلسطينية موحدة في اطار من المصالحه والمرجعية السياسه العامه التي تحكمها منظمة التحرير، فلا يمكن لحركة حماس ان تدافع عن نفسها بعيدا عن الاطار الفلسطينى الكلى. فهذا القرار ستكون له تداعيات سلبيه على اي مشاركه لحماس في اى انتخابات واى ححومة فلسطينيه. وتحتاج الى محاولة خلق لوبى داخلى للضغط في مراجعة القرار الذى في حال تحوله لقانون لا يمكن الغائه طالما حكومة حزب المحافظين تحكم.
يبقى أن هذا القانون قد يمتد لدول اخرى، يأتي في الوقت الذى فيه حركة الاخوان تواجه انقسامات وتراجعات عامة. المسؤولية الاولى تقع على حماس وثانيا على توحيد الجهد الفلسطينيى، وإرسال رسالة للعالم بما تقوم به إسرائيل من انتهاكات، وان المقاومه حق شرعى اقرته قوانين وقرارات الشرعية الدولية والذهاب بعيد في مساءلة ومحاكمة بريطانيا... وتبقى فلسطين قضية عدالة دولية.
التعليقات