الأضواء تُنصف ما تنعكس عليه، وتبخس سائر الجهات.

هكذا هي الشهرة، تَلْفِت أنظار الناس إلى أهلها، وتصرفهم عن أفذاذٍ لهم بطولات تُروى ولا تُطوَى.

شيبًا وشبّانًا سواءً كانوا نساءً أو رجالًا

ثمّة أمّهات وثمّة آباء وثمّة بنات أو أولاد أبطالٌ أفذاذ ويزيدهم تواريهم نصرًا وعزًّا

قدح في ذهني هذا الخاطر ما أقرؤه من بعض الروايات البيضاء المختومة بالنهايات السعيدة، وكأنها تلك الأفلام التي ينتصر في نهايتها البطل كما عَوَّدَناصانعو الأعمال السينمائية.

في هذا الزَّخَم والصَّخَب يتوارى أبطالٌ حقيقيون منسيون، أبطالٌ في الحياة لم ينتصروا في معاركهم الخاصة،

لم تكن تنتظرهم نهاياتٌ سعيدة،ولا حياةٌ زاهية،لكنهم خالدون..خالدون ..خالدون بتضحياتهم وتفانيهم، خالدون بصبرهم وتحملهم، خالدون بما قدموا لمنحولهم، خالدون لأنهم كانوا جسورًا للعابرين. خالدون بأن قدّموا وقتهم وجهدهم وحياتهم لأهدافٍ نبيلة أو لتقديمِ واجبٍ تخاذل وعجز عنه التّنابلة..

تبهرني الحياة دومًا بأنها المُخرِج الوحيد الذي لا يكترث لمتعة السرد، ولا لتقاليد الإخراج، ولا لتنبؤات المُشاهِد، ولا بمكاسب شباك التذاكر، ولا بأصداء تصفيقالجماهير .

الحياة تقدم الحكاية كما هي بكل تفاصيلها وتفردها وتجلياتها وخذلانها وخيباتها، بكل آلامها وحسراتها ومرارتهاووجعها.

تقدم الخيبة ساخنة كما هي..طريةً كما لو أنها طبخت للتو.

تقدم الخذلان دون أي مقدمات ودون أي مواربة.

تصفعك بمن هم أشد الناس ثقةً لديك، ولا ترتبك بعدها في سرد البقية.

تقدم لك القصة أيها الإنسان دون أي وعود بنهاياتٍ سعيدة تنتظرك في آخر الحكاية.

انظر إلى الشارع وإلى التفاصيل العظيمة التي تشاهدها كل يوم،

رجلٌ بسيطٌ خشن الملامح والنظرات، جَعْد الروح والأيادي يدفع عربةً محملةً بمواد البناء باتجاه أحد المباني الحديثة قيد الإنشاء، يبلغ من العمر عِتِيّا.. قد يبدوللكثير هامشيًّا ليس له أثر، ولكنه بطلٌ لأهله وذويه وصغاره.

وانظر لامرأةٍ تقضي كل وقتها في عمل شريف تطعم به صغارها،وتعيش بطولتها الخالدة بطريقتها الخاصة،انظر لمن تمضغُ الألم والوجع طوال ليلها من بطشزوجها أو جنونه أو إدمانه أو عدوانيته وتخفي كل ذلك عن الجميع لكي يحْيوْن أطفالها بلا وجعٍ أو خيباتٍ أو أمراضٍ نفسية وتدفع حياتها ثمنًا لذلك ..

أبطال يعيشون خلف بقع الضوء، لا تهمهم مظاهر الحياة ولا زخارفها، بل جل همهم مَن حولهم.

في غرف الطوارئ ثمة قصصٌ خالدة، بطولاتٌ لم تَلمَع عليها الفلاشات، ولم تُدَوِّنْها أقلام الكتّاب.

تقدم لنا الحياة قصتهم كل يومٍ وكل حين، دون فواصل إعلانية أو حتى شارة نهاية.

ثمة مقولة للمسرحي الإنجليزي الكبير وليام شكسبير يقول:

«الحياة مسرحية أعجبتنا أم لم تعجبنا؛ فقد دفعنا ثمن التذكرة».


ويقول أحد الشعراء:


إني أَرَى هذي الحياةَ كمَسْرَحٍ

وأَرَى جُموعَ الناسِ فيهِ تُمَثِّلُ

حقا..الحياة كلها مشاهد متنوعة،وكلنا فيها أبطال أو كومبارس أو ضحايا ترمقنا النهايات،غير أن بعضنا أبطال تجاوزوا المألوف،والبعض نصفأبطال،والبعض ضحية أو عالة والبعض حجر عثرةٍ في الطريق.

قد تكون بطولتك أعظم من بطولة جميع المشاهير،وتؤول نهايتها إلى ما لا تؤول إليها نهاياتهم المكرورة.

بمعنى آخر؛اقرأ تفاصيل الناس جيّدًا

ففي تقاسيم الوجوه وثنايا السّنوات والأيام بطولات حقيقية لا تخطر على بال أعتى المخرجين

فقط تأمل،وراقب عن كَثب

ستجد الأبطال الأفذاذ نساءً ورجالا شيبًا وشبّانًا وستجد من يزكمك أنفك ويغشي بصرك لسوء سيرته حتى وإن بدا يلمع.