عند تحليل واقع العراق السياسي والثقافي والاجتماعي يجب ان تؤخذ عملية الاندماج القسري للشعوب والمكونات العراقية داخل دولة العراق ابان تأسيسها عام 1921 بنظر الاعتبار، لان هذه العملية كانت من اقسى العمليات "الاستعمارية" التي غيرت ملامح المنطقة وحولتها الى اشبه ما تكون بالمحميات العسكرية او القاعدة العسكرية الكبيرة التي تستطيع الدول الغربية من خلالها ان تهيمن على العالم الإسلامي والعربي وتحقق أطماعها السياسية والعسكرية والتجارية. لم يكن سهلا ابدا على الشعب الكردي ان يساق كالغنم الى دولة غريبة لايمت اليها باي صلة ليقال له بكل بساطة؛ هذا هو وطنكم ”البديل“! عيشوا فيه وان لم يعجبكم اشربوا من البحر! وكذلك الامر بالنسبة للمكونين الشيعي والسُّني الذين يحتفظان بذاكرة تاريخية مليئة بالصراعات والعداوات الدامية لا يمكن محوها ابدا، فهل يمكن ان يعيش هؤلاء الاضداد تحت سقف واحد ويبنوا وطنا واحدا تحت أي مسمى من المسميات الخادعة؛ العروبة والديمقراطية والوطنية والوحدة الوطنية والاخوة الإسلامية! لذلك نرى ان العراقيين يتميزون عن غيرهم من شعوب المنطقة بسمات اساسية خاصة، ومن اهم هذه السمات انهم ارغموا على العيش مع بعضهم البعض من غير ان يراع فيها حالة التنافر القائمة بينهم في مكان اشبه ما يكون بـ“المعتقل"!. هذا العداء المستحكم ظهر بوجوه عدة نستطيع ان نشير اليها في سلسلة من الاحداث التاريخة القديمة والمعاصرة، ففي عام 2006 سنحت الفرصة للمكونين السنة والشيعة ليعيدا المشهد الدامي المتكرر عبر التاريخ، خاضا اكبر حرب "طائفية" ضد بعضهما البعض استمرت لثلاث سنوات ذهب فيه مئات الالاف من الجانبين (على الهوية)! وكذلك عندما قام النظام العروبي البعثي بأكبر عملية إبادة جماعية "عنصرية" ضد الكرد في مدينة حلبجة وعمليات الانفال السيئة الصيت حيث ابيدت اكثر من 180 الف انسان بريء!

فكيف يمكن لـ"تكتلات بشرية خالية من اي فكرة وطنية متشعبة بتقاليد واباطيل دينية لا تجمع بينهم جامعة" كما قال "الملك فيصل الأول" اول ملك توج على العراق. أخطأ صدام حسين عندما ظن انه يستطيع ان يجمع هذه "الفسيفساء البشرية“ في دولة واحدة بقيادة حزب واحد وعقيدة عروبية واحدة!، واخطأ "نوري المالكي“ عندما ظن انه يستطيع ان يجمع هذا الخليط البشري المتنافر في بوتقة طائفية! وكذلك يخطأ كل من يريد ان يفرض ارادته على العراقيين بالقوة، لانهم ببساطة ليسوا "امة" واحدة، كما يحلو لبعض المحللين العراقيين ان يطلقوا عليهم هذه التسمية الجديدة، بل هم؛ أمم، وبلدهم "من جملة البلدان التي ينقصها اهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية ذلك هو الوحدة الفكرية والملية والدينية“ بحسب الملك "فيصل الاول"..

ان التغيير السياسي والاجتماعي والفكري الكبير الذي طرأ على العراقيين عقب 2003 جعل حالة التنافر والتصارع تمتد الى داخل المكون الواحد بعد ان كانت بين المكونات، واصبحنا نرى انقسامات داخل المكون الكردي؛ قسم مع ايران والثاني مع تركيا والثالث مع بغداد والأخر مع الاستقلال والانفصال عن العراق وهكذا، وانقسم الشيعة بدورهم الى عدة اقسام؛ قسم يوالي ايران ويعمل لها ويحاول تطبيق نموذجها في العراق نصا وروحا ولو بالقوة! وقسم يدعو الى تكريس الهوية الوطنية والديمقراطية، وكذلك الامر بالنسبة للسُّنة، فمنهم من اصبح جزءا من الحكومة ومنهم من رفض العملية السياسية جملة وتفصيلا وحمل السلاح بوجه الدولة واصبح "داعشيا" ومنهم تحول الى سنة المالكي وسنة الايراني و... هذه هي حال العراقيين كمكونات واعراق واديان وشعوب متباينة لا شيء يجمعها سوى خيط واهٍ أوهى من خيط العنكبوت!