رغم زيف الإدعاءات التي تعلنها جماعة الحوثي الإرهابية في سياق تبريرها للهجمات الإجرامية التي شنتها ضد المنشآت المدنية في دولة الإمارات، فإن دخول ما يعرف بجماعة "ألوية الوعد الحق" العراقية على خط استهداف الإمارات وشعبها عقب إعلان هذه الجماعة الإرهابية في بيان نشرته على تطبيق "تليجرام" تبني الهجوم بأربع طائرات مسيّرة فيما وصفته بضربة إلى دولة الإمارات، مهددة بأن "الضربات القادمة ستكون أشد وقعا وإيلاما لدولة الإمارات"!
الحقيقة أن مايحدث حالياً سواء من الميليشيا الحوثية أو نظيراتها في العراق أو "حزب الله" اللبناني أو العراقي، يمثل تأكيداً قاطعاً على أن الفوضى قد بلغت منتهاها في منطقة الشرق الأوسط، وأن تباطؤ المجتمع الدولي في تجريم التمدد الميليشيوي قد أسهم في توسيع دائرة الخطر ومراكمة ترسانات الأسلحة التي لا يعرف أحد مداها ومواقعها في دول ومناطق تعيش فراغاً أمنياً ويمكن أن تصبح مآوى جديد للارهاب بكافة أنواعه وأشكاله وتنظيماته.
تنطوي الهجمات الإرهابية التي تنبنتها جماعة إرهابية عراقية على دولة الإمارات مؤخراً على دلالات عدة أهمها أنها بغض النظر عن صحة بيان الجماعة العراقية بتبني الهجوم الأخير الذي تصدت له الإمارات وأسقطت الطائرات الأربع، وسواء كان هذا التبني صحيحاً أم نوع من توزيع الأدوار ومحاولة اثارة القلق وتضخيم قدرات هذه الميليشيات المنتشرة اقليمياً، فإن المؤكد أن هناك تنسيق وتعاون وتبادل معارف وخبرات بين مختلف الأذرع الطائفية التي يتم تمويلها ورعايتها بشكل لايخفي على أحد، وبالتالي فالمسألة لا تتعلق بأي دور إماراتي في اليمن، كما يحلو للبعض أن يجادل، بل إن الأمر كله عبارة عن تنفيذ لأجندة أيديولوجية بعيدة المدى ربما لم تتضح معالمها وأهدافها بشكل كامل بعد.
ذكرت في مقال لي أن هناك استهداف متناسق من جانب ما يعرف بـ"محور المقاومة" وأذرعه الميليشياوية لمشروع التعايش ونشر السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لأن هذا المشروع يكتسب كل يوم أرضاً جديدً ويضعف قدرات هذا المحور البائس على كسب مؤيدين جدد، لاسيما أن الجميع يرى بعينه كيف تسببت هذ الميليشيات في نشر الفوضى وضرب الاستقرار في دول عدة والأمثلة حية أمام أعين الجميع في اليمن ولبنان والعراق.
إعلان ما تعرف بـ "ألوية الوعد الحق" العراقية عن استهداف الإمارات بطائرات مسيرة يطرح كذلك تساؤلات مشروعة في مقدمتها لماذا تستهدف هذه الميليشيات الإرهابية الإمارات؟ وهل يعيد هذا البيان التذكير بالهجوم الذي استهدف منشآت ارامكو السعودية في عام 2019، حيث اثيرت تكهنات وقتذاك حول مصدر الهجوم وهل انطلقات الطائرات المسيرّة من اليمن أم من العراق؟ وهل يعني هذا الإعلان الإجرامي عن وجود مخطط واسع بدأت هذه الميليشيات في تنفيذه بتعاون كامل لإشعال صراع اقليمي واسع وتوريط دول مجلس التعاون في أزمات مفتعلة تستهدف أمنها واستقرارها، وهل يستمر صمت وعجز المجتمع الدولي في مواجهة هذه الميليشيات؟ ومتى تدرك جميع القوى الدولية أن انقساماتها واختلافاتها حول ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط لن يحقق أو يضمن مصلحة استراتيجية لأي من هذه القوى بل يحمل الخسارة الفادحة للجميع لأن تحول دول إلى مستنع مرتع للإرهاب لا يصب في مصلحة أحد بالتأكيد والتجارب جميعها توحي بذلك، وفي افغانستان وغيرها خير شاهد على ذلك.
بالتأكيد لا نشعر بالاستغراب أو المفاجأة من الاعلان البائس لهذه الميليشيات الإرهابية التي تبنت الهجوم الأخير الفاشل ضد الإمارات، لأننا ندرك أن المسألة كلها عبارة عن ضغوط بالوكالة لمصلحة طرف لا يخفى على أحد في منطقتنا، وأن هؤلاء الارهابيين يستهدفون دولة الإمارات تحديداً لأسباب تكاد تكون معلومة للمتخصصين والمراقبين، ولاسيما ما يتعلق بمحاولة اجهاض اتفاقات السلام مع إسرائيل والحيلولة دون توسعها بما يحقق الأمن والسلام وينهي هذا الصراع للأبد لأنه ببساطة هناك أنظمة وجماعات تقتات على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وتتاجر بالقضية وتتربح من ورائها بشتى الطرق والأساليب التي يصعب تناولها تفصيلاً في هذه المساحة الضيقة.
"ألوية الوعد الحق" التي تبنت الهجوم الفاشل بالمسيرّات على دولة الإمارات، هي ـ بحسب التقارير المنشورة ـ فصيل عراقي يعمل تحت إمرة "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الايراني، وتمتلك علاقات وثيقة مع بقية الأذرع الطائفية المماثلة في اليمن ولبنان والعراق، حيث ترتبط هذه الجماعة مع كتائب "حزب الله" العراقي الذي كان يقوده أبو مهدي المهندس قبل مقتله في غارة جوية أمريكية مع قاسم سليماني. وعملي ـ كباحث ـ يملي علي عدم الثقة التامة في المسميات التي تطلقها هذه الميليشيات الإرهابية على نفسها، كون الكثير منها مجرد مظلات دعائية وهمية أو عمليات تمويه تهدف لصرف الأنظار عن الفاعل الرئيسي، فضلاً عن صعوبة التحقق من صحة هذه البيانات والتأكد من وجود هذه التنظيمات الإرهابية بالفعل على أرض الواقع، ولكن المؤكد في الأمر أن هناك محرك رئيسي لكل هذه الفوضى الميليشياوية، وهناك عابثين معروفين يستهدفون أمن واستقرار دولة الإمارات والمنطقة بأكملها.
في ضوء كل ما نعيشه، من المهم للغاية أن تطور دولة الإمارات تعاونها العسكري والدفاعي مع الدول الصديقة والحليفة لأن التجارب تؤكد أن مثل هذه التهديد تنمو وتتطور ويجب التصدي لها بكل قوة وحزم من خلال تحالفات وشراكات جادة للغاية، ولكن من المهم كذلك أن يدرك الجميع في منطقتنا والعالم أن نجاح هذه الميلشيات في فرض أجندتها وفكرها الارهابي سيكون فشلاً للعالم أجمع، حيث لن يكون أحد بمأمن عن تهديد هؤلاء الارهابيين الذين يمثلون خطراً يفوق "داعش" و"القاعدة" لأنهم يمتلكون قدرات تسليحية أكبر وأكثر فاعلية في تهديد الدول والشعوب، ولو حدث تحالف مشؤوم بين مختلف تنظيمات الارهاب ـ مع اختلاف أجنداتها ـ وهذا أمر وارد ولو بدرجة ضئيلة سيكون الجميع في منطقتنا والعالم في ورطة أمنية حقيقية.
التعليقات