على هامش الاعتداء الاجرامي الآثم الذي نفذته ميليشيا الحوثي اليمنية ضد منشآت مدنية في أبوظبي، برزت بعض التحليلات والتوقعات في وسائل الاعلام (بعضها تحذيرات مباشرة وردت في وسائل إعلام داعمة لهذه الميليشيا الارهابية) بشأن استهداف حوثي محتمل لإسرائيل، حيث اختلفت الأسانيد والمبررات التي طُرحت في هذا السياق لكنها اجتمعت على أن الاحتمال وارد ولو بدرجة ضعيفة، ما يستوجب مناقشة هذا السيناريو الكارثي حتى وإن كان ضعيف الاحتمال.
في البداية يجب التأكيد على أن الإجرام الإرهابي مدان ومرفوض ويستحق وقفة صارمة وحازمة من المجتمع الدولي بكافة أطيافه سواء صدر بحق المملكة العربية السعودية أو دولة الإمارات أو طُرحت إسرائيل كأحد أهدافه المحتملة، لأن المسألة لا تتعلق بالأطراف المستهدفة، بل ترتبط بالقيم والمبادىء الانسانية، التي ترفض الفكر الارهابي والتطرف والاعتداء على المدنيين أياً كانت أهدافه أو مبرراته.
ولاشك أن مناقشة فرضية استهداف إسرائيل من جانب ميلشيا الحوثي لا يمثل إغراقاً في الخيال التحليلي بالنظر إلى اعتبارات عدة أولها التحالف الأيديولوجي المسمى بـ "محور المقاومة" الذي يجمع الميليشيات المتفرقة في منطقة الشرق الأوسط، ومنها "حزب الله" اللبناني" وجماعة "أنصار الله" الحوثية اليمنية، التي أكدت من قبل أنها جزءاً من محور المقاومة الذي كان حسن نصر الله قائد الميلشيات اللبنانية الإرهابية قد تطرق إليه في أحد خطاباته. وبالتالي فإن من الوارد تقديم هذه الأذرع الميليشيوية دعماً متبادلاً لبعضها البعض في حالات معينة يخضع تقديرها وتحديدها لرؤية وقرارات الطرف الممول الذي هو ذاته الراعي الرئيسي لهذه الفصائل جميعها. وبصراحة أكثر فإن تحديد الأهداف وتوقيتات العمليات التي تنفذها هذه الميلشيات يرتبط بأجندة معروفة للجميع، ومن ثم يمكن التعرف إلى الأهداف المحتملة وبناء توقعات بشأنها. ولذا يمكن القطع بامكانية استهداف إسرائيل فعلاً لا توقعاً في حالات معينة مثل نشوب صراع عسكري إيراني ـ إسرائيلي مباشر في حال قررت إسرائيل التصدي للتهديد النووي بنفسها (توجيه ضربة إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية) سواء في حال فشل المفاوضات النووية، أو التوصل إلى اتفاق محدود ترى إسرائيل أنه لا يوفر لها حماية أمنية كافية من التهديد النووي الايراني، وفي هذه الحالة سيقوم الوكلاء غالباً بدور حيوي لتخفيف الضغوط العسكرية على طهران وتشتيت جهود الطرف الآخر في الصراع ومحاولة إجباره على وقف أي تصعيد عسكري.
الاعتبار الثاني الذي يمكن من خلاله مناقشة فرضية استهداف ميليشيا الحوثي لإسرائيل أن يتجه الحوثي إلى توسيع دائرة الصراع اليمني في حال التأكد من هزيمته عسكرياً في المعارك الدائرة بالداخل، وبالتالي قد يلجأ إلى خيارات غير محسوبة ويقامر بتوجيه هجمات دعائية طائشة باتجاه إسرائيل أو الإمارات مجدداً من أجل إجبار القوى الدولية على التدخل لوقف الحرب في اليمن اعتقاداً بأن هذا التدخل قد يحفظ للميليشيات الحوثية حداً أدنى من المكاسب الإستراتيجية عند الجلوس على مائدة التفاوض لتقاسم السلطة والمصالح والنفوذ في اليمن. ولكن مثل هذه المقامرة قد تكون الرهان الأخير والمدمر للحوثي لأن قادة هذه الميليشيات ورعاتهم يدركون، مهما كان ميلهم للمغامرة، فإن استهداف إسرائيل سيفوق حتماً في عواقبه أي مغامرة أخرى غير محسوبة، سواء بحكم القدرات العملياتية الإسرائيلية على الرد العسكري المباشر، أو لأن الدعم الدولي الذي يتوقع أن تحصل عليه إسرائيل لن يقف عند حدود البيان بل سيترجم فوراً إلى ضربات إستئصالية جماعية رادعة يمكن أن تشارك فيها غالبية القوى الغربية الكبرى، فضلاً عن نسف أي فرص لدور حوثي سياسي مستقبلي في اليمن.
الاعتبار الثالث أن مناقشة إحتمالية تحقق سيناريو الاستهداف الحوثي لإسرائيل يجب أن يأخذ الموقف الايراني بالاعتبار، فحتى لو افترضنا فقدان السيطرة الإيرانية على بعض قرارات الحوثي، مثلما يُقال في حالة استهداف أبوظبي بجريمة إرهابية آثمة، وأن الحوثي يمكن أن يأخذ بعض القرارات الانفرادية بمعزل عن الإملاءات الإيرانية المعروفة تقليدياً، فإن إستهداف إسرائيل له حسابات أكثر خصوصية ووضعية أكثر استثنائية يدركها الحوثي نفسه، لأن الارتباط الأيديولوجي والفكري بينه وبين النظام الايراني يحول بينه وبين مجرد التفكير في تهديد مستقبل هذا النظام، او يتحول إلى أداة تدمير بدلاً من أن يكون رافعة استراتيجية داعمة؛ بمعنى أنه يمكن ـ من باب الافتراض النظري ـ أن يتخذ قرارات يعتقد أنها تصب في مصلحة إيران ولو بشكل غير مباشر، وبدون الحصول على ضوء أخضر منها، ولكنه لا يمكن بأي حال أن يفكر أو يقامر بتوريط إيران أو وضعها موضع الشكوك والانتقام في حال اتخذ قراراً متهوراً باستهداف إسرائيل؛ فمثل هذا القرار تحديداً يتطلب موافقة صريحة ومباشرة للغاية من أعلى مستويات اتخاذ القرار في طهران، ولا يمكن أن يكون قراراً انفرادياً لعبد الملك الحوثي حتى لو توافقت إرادته مع إرادة بقية قادة الميليشيات مثل نصر الله أو غيره لسبب بسيط هو أنهم جميعا يعملون في إطار مشروع اقليمي، بما يصعب معه تصور امتلاك إرادة الانحراف عن السياسات الإستراتيجية العليا لمخططي هذا المشروع ومنظريه.
في ضوء ماسبق، يثور تساؤل بديهي: بخلاف إحتمالية نشوب صراع إسرائيلي إيراني مباشر أو تطور الصراع اليمني بشكل ينذر بهزيمة هذه الميليشيا نهائياً، ماهي الظروف الأخرى التي يمكن للحوثي فيها اتخاذ قرار باستهداف إسرائيل عسكرياً ؟ الجواب على هذا السؤال ليس صعباً كما يعتقد البعض، فهذه الأذرع الميليشيوية يمكن توظيفها في حالات أخرى مثل فشل مفاوضات الإتفاق النووي ونشوء حالة صراع استنزافي محدود يعتمد على خيارات مقيدة مثل الهجمات السيبرانية والحروب بالوكالة والضربات الاستخباراتية، وفي هذا الحالة قد يكون لهذه الأذرع دور حيوي في تنفيذ مهام عملياتية دقيقة بتعليمات وتوجيهات محددة لمناكفة إسرائيل والضغط عليها. هناك أيضاً حالات أخرى مثل تكليف الحوثي بمهام استهداف السفن والقطع البحرية الإسرائيلية في مضيق باب المندب ومياه البحر الأحمر عبر عمليات قرصنة بحرية وهذا سيناريو مستبعد نسبياً ما لم تحصل ميليشيا الحوثي على دعم عملياتي من طرف آخر أقوى يمتلك القدرات العسكرية اللازمة لذلك.
الخلاصة برأيي، أنه لا تجب المبالغة في القدرات العملياتية لميلشيات الحوثي عند دراسة خطرها المحتمل على إسرائيل، حيث تبقى الهجمات التي تنفذها هذه الميليشيا في إطار الدعاية والتأثير النفسي، كما تبقى ترسانة هذه الميليشيا من الأسلحة أقل بمراحل مقارنة بما يمتلكه "حزب الله" اللبناني على سبيل المثال من صواريخ وخبرات قتالية ودعم تقني مباشر ومتراكم على مدى عقود وسنوات، ولكن في جميع الأحوال تظل المقارنة بين خطرين غير جائزة ولا مبررة ولا مقنعة، ويبقى الحفاظ على أمن واستقرار الشعوب أولوية قصوى حتى في مواجهة أبسط المخاطر المحتملة، ومع تدني مستوى التوقعات.