الطموح قيمة إيجابية تدفع الإنسان إلى الإبداع والتميز لكي يصل إلى هدفه المنشود، فهو مفتاح النجاح، والهدف الذي يسمو على توقعات الفرد وقدراته. والطموح سمة شديدة الالتصاق بالشباب، لذا نراهم في أغلب الأحيان يرسمون صوراً مشرقة لمستقبلهم، ويحلمون من خلالها بتحقيق أهدافهم وآمالهم المنشودة؛ إلا أن ذلك يتطلب منهم الإدراك بأن طريق المستقبل ليست معبدة أمام الجميع، بل هي مليئة بالتحديات والصعوبات، ولكنها لا تخلو من الفرص والإمكانات، والمبدع هو من يستطيع تجاوز الصعوبات ومواجهة التحديات واغتنام الفرص للصعود إلى قمة النجاح، تماماً كما قال أحمد شوقي:

وَما نَيلُ المَطالِبِ بالتَمَنّي وَلَكِن تُؤخَذُ الدًنيا غِلابا

وينبغي أن لا يغيب عن الحسبان أبداً أن الشباب هم مصدر القوة لأي مجتمع، وهم أيضاً بناة الحضارة وأداة التغيير في عمليات التنمية السياسية والاجتماعية والثقافية، لذا علينا جميعاً -كأفراد ومؤسسات وحكومات- الاهتمام بفئة الشباب؛ لأن عدم الاهتمام بمتطلباتهم سيؤدي، عاجلاً أو آجلاً، إلى الإضرار بالجميع وإلى تأخر نهضة مجتمعاتنا التي هم عمادها.

وأتساءل هنا: ما هو واقع شبابنا اليوم؟ ولماذا نراهم شديدي القلق من المستقبل؟ ولماذا يسيطر عليهم الخوف والإحباط؟

اعتقد جازماً أن ما يعبر عن واقع شبابنا اليوم شبيه إلى حد كبير بما تشرحه المقولة الآتية: "الكثير من الناس لا يعطون النجاح محاولة أخرى، يفشلون مرة وينتهي الأمر عندهم، الكثيرون لا يتحملون ضربات الفشل المؤلمة، لكن إن كنت على استعداد أن تتقبل الفشل، وتتعلم منه، وأن تعتبره خطوة إلى الأمام، فإنك بذلك تكون قد تعلمت أهم مسببات النجاح".

وحقيقة الحياة أنه دائماً وأبداً ما يواجه الشباب صعوبات كثيرة في تحقيق طموحاتهم، فمنهم من يتقاعس عن تحقيقها ثم يستسلم، ومنهم من يواجه هذه الصعوبات ويتحدى الظروف والأسباب لكي يصل إلى هدفه ومراده. لذلك كان تكرار المحاولات وعدم الاستسلام للفشل هو المفتاح الضامن لتحقيق النجاحات وحصد ثمارها، ذلك لأن النجاح الذي لا يتحقق من المرة الأولى فإنه سيتحول مع تكرار المحاولات إلى دافع يأخذ بيد الشباب نحو تحقيق الأفضل، خاصة عندما ترتبط محاولات الشباب بالأهداف السامية التي تتعلق بالارتقاء بمجتمعاتهم نحو الازدهار والتقدم.

إن شبابنا اليوم، وبحسب الواقع الصعب الذي يعيشونه، بحاجة إلى وقفة مع الذات ليعوا مشكلاتهم على اعتبار أن الوعي بالمشكلة شرط ضروري لإمكان حلها، كما أنهم بحاجة أيضاً إلى وقوف المجتمع معهم بكافة مؤسساته؛ لانتشالهم من أزماتهم التي يعانون منها، خاصة وأن أغلب هؤلاء الشباب يتحلى بقدر كبير من المسؤولية، ويرغب في تغيير الواقع نحو الأفضل؛ وهذا يتطلب الخروج من الآفاق الضيقة والتحرر من الأفكار المحبطة، والسعي لكسر الركود والجمود الذي يغلف عقول بعضهم.

كما ينبغي عليهم أن يتمثلوا طرائق التفكير الإبداعية، كي ينطلقوا ويتجاوزوا حدود الزمان والمكان بأفكارهم وابتكاراتهم الخلاقة، ويركزا على استثمار أقصى طاقاتهم التي تحفز روح المبادرة والعمل المنتج الذي يكسبهم المهارات القيادية كي يتمكنوا من الحصول على دور ريادي فعّال في خدمة مجتمعاتهم.

ولعل من أهم الخطوات والحلول التي يجب توفرها لحل مشكلات الشباب، أو الحد منها على الأقل، التعرف أولاً على طبيعة هذه المشكلات وتحديدها، وربما يكون الفقر على رأسها، خاصة وأنه مسبب رئيسي تترتب عليه مشكلات مجتمعية كثيرة مثل البطالة والتسرب من المدارس والإدمان والجريمة... إلخ، لذلك من الضروري ثانياً المسارعة في تلمس أماكن الداء ووصف الدواء الناجع خوفاً من أن تتصاعد حدة هذه المشكلات حتى تصبح متأصلة في جسد منطقتنا. وهذا يتطلب ثالثاً منح الفرص للشباب من أجل المشاركة في أنشطة المجتمع، مع إمكانية انخراطهم في كافة الميادين بما فيها السياسة، إذ أن تحقق ذلك يضمن تمكن الشباب من استعادة ثقتهم بأنفسهم من جهة، كما يضمن حسن استثمار قدراتهم وطاقاتهم وتوظيفها بالشكل الأمثل من جهة ثانية.

وإذا ما أردنا أن نفهم بحق ما تنطوي عليه مقولة (شبابنا بين الواقع والمستقبل) فلا بد أن نعي مدى أهمية الاعتناء بالشباب، ونتنبه لدور مؤسسات المجتمع تجاههم، ونساعدهم عبر هذه المؤسسات ليكونوا على أتم الوعي بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وليدركوا أنهم أساس الإصلاح في كل مجتمع، ولا شك أن مهمة الانتقال بالشباب من الواقع الذي هم عليه اليوم إلى ما نريدهم أن يكونوا عليه في المستقبل ليست بالمهمة البسيطة أو الممكنة إلا من خلال التوعية السياسية والثقافية والتربوية، والتي ينبغي توجيهها نحو تحقيق النجاح والحفاظ على مقدرات أوطاننا لضمان مستقبلنا.

لعل الغالبية العظمى من الشباب تشعر بوجود فجوة كبيرة ومساحة اختلاف واسعة في التفكير بينها وبين الأجيال التي سبقتها؛ إذ يتهمون الجيل الأكبر بأنهم تقليديون واحتكاريون، يتجاهلون طاقات الشباب وقدراتهم، ولا يتركون أماكنهم ومراكزهم القيادية لمنح الفرص للأجيال التي تليهم كي تثبت وجودها، وتحقق أهدافها وطموحاتها، وتطبق أفكارها في الواقع المعاش اليوم.

وفي الحقيقة فإننا ما زلنا نعاني من هذه المشكلة القديمة-الجديدة في منطقتنا العربية، إذ تزداد فجوة التفاهم والتجانس بين جيل الشباب والجيل السابق، خاصة وأن المتمسكين بزمام القيادة من الجيل السابق ما زالوا يمارسون سياسة الوصاية وإصدار الأوامر وإدارة الأمور بدون إشراك فعلي لكل من حولهم من الشباب. لذلك نأمل أن تتغير نظرة الجيل السابق إلى شبابنا ويزداد الإيمان بقدراتهم، فمن هنا يأتي تغيير واقع الأجيال الجديدة التي هي بحاجة ماسة إلى الاهتمام بها ورعاية أفكارها، ولذلك لا يكفي فقط توفير متطلبات العيش الأساسية من تعليم وصحة، خاصة وأن شباب اليوم لا يتطلعون فقط إلى البقاء على قيد الحياة، بل وأن تكون حياتهم هذه مليئة بالقيم مفعمة بالريادة والنجاح والإنجاز.

وفي رأيي الشخصي، إن المجتمع لا يزهو إلا بشبابه المبدعين، لأنهم يعرفون أدوارهم ومسؤولياتهم تجاه بلدهم؛ ويريدون أن يقوموا بهذه الأدوار والمسؤوليات خير قيام، ويبذلوا كل طاقاتهم لوضع بصمتهم في طريق مستقبل متميز، فهم شباب المعرفة الذين سيواجهون الصعاب والتحديات بعلمهم، وليس هناك مستحيل في قاموس حياتهم؛ ولن يسمحوا للصدفة بأن تختار لهم مستقبلهم أو تخصصهم؛ يدركون أهدافهم وطموحاتهم ويستطيعون رسم خريطة التغيير لواقعهم، فهم يعرفون قدراتهم وإمكاناتهم، كما أنهم مستعدون للمغامرة وقهر المستحيل، في سبيل تحقيق ما هو مطلوب منهم.

ولأجل ما سبق كله، ينبغي العمل على تمكين الشباب ليحققوا ما يؤمل منهم، غير أن التمكين الحقيقي والفعال لا يمكن أن يتحقق إلا بتوفير المتطلبات الأساسية التي يأتي على رأسها أولاً توفير بيئة وطنية وإقليمية مواتية للسلام والأمن، ذلك لأن النزاع المسلح كان وما زال أحد أخطر التحديات التي تواجه غالبية الشباب اليوم في المنطقة العربية. ولمواجهة هذا التحدي لا بد من اتخاذ مبادرات جادة لمواجهة النزاعات وإنهاء الحروب، مع ضرورة مشاركة الشباب بفاعلية في معالجة قضايا السلام والأمن، لأنهم إن لم يكونوا صناع السلام والاستقرار فسيكونون وقود النزاعات والدمار، كما أنه لا يمكن استثناءهم أبداً من أية مشاريع تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.

يتطلب تحقيق تلك الأهداف أيضاً أن يعمل الجميع على تعزيز ثقافة السلام عند الشباب في منطقتنا العربية، ولكي يتحقق هذا التعزيز المنشود فإنه يجب التركيز على المؤسسات التعليمية والتربوية، لتساهم في الحد من العنف وغرس قيم التعايش السلمي، ودعم سياسات الاعتدال والوسطية، ورغم أهمية هذه الإجراءات بحد ذاتها، فإن ما يزيد من أهميتها أيضاً كونها أفضل الوسائل الداعمة للتطوير والنمو، والضامنة لتحقيق الاستقرار وتوفير فرص العمل ورفع مستويات الدخل والرفاهية، وهذا ما سيوفر للشباب الشعور بالطمأنينة والتخلص من قلق المستقبل والخوف من المجهول، فتتعزز قناعاتهم بالارتباط بأوطانهم التي هي باشد الجاجة إليهم.

وكعادتي دائماً، سأبقى متفائلاً بشبابنا؛ رغم أن المشاكل والتحديات التي تواجههم كثيرة والخلاص منها ليس باليسير، لكن بإمكانهم، ومع العمل المتواصل، أن يتغلبوا عليها حتى يرتقوا بثقافتهم الذاتية وينهضوا بمجتمعاتهم نحو مستقبل أفضل. وكما أن فكرة التغيير لواقع أفضل والعزم عليه تبدأ من الفرد، فإن إحداث التغيير يحتاج إلى جهود المجتمع ومؤسساته؛ عبر توفير مناخ التفكير الحرّ المبدع الذي لا يلغي رأياً ولا يقيد فكرة، وذلك سعياً للارتقاء بالعقول نحو اقتحام مجاهيل العلم والعالم، حتى يتحقق التغيير الذي يشكل الشباب دعامته الحقيقية، فلتكن رسالتكم لواقعكم: "بأن الطموح ليس ما تفعله الآن، ولكن ما تريد أن تفعله مستقبلاً".