ايران تريد تدمير شبابنا عن طريق المخدرات ليس من أجل المال إنما لأجل احتلالنا
أمام ما يسود منطقتنا العربية من فوضى وما ترزح تحته من مشكلات، يعود بعضها لأسباب داخلية، ومعظمها لدسائس ومؤمرات أطراف إقليمية لا تريد للدول العربية أن تنعم باستقلالها السيادي واستقرارها المجتمعي، تطلُّ اليوم آفة المخدرات (القديمة الجديدة) كواحدة من الأدوات التي تركز عليها هذه الأطراف لفرض المزيد من سيطرتها ونشر المزيد من الفوضى تحاول فرضها. ومع أنه لا يكاد يخلو مجتمع من هذه الآفة إلا أن الاحتراسات التي عادة ما تقوم بها الدول لمكافحتها، تهريباً وتعاطياً، تجعل المشكلة في مستويات منخفضة نسبياً، الأمر الذي يسمح بقدر كبير من ضبطها والحد من انتشارها. غير أن ما تعاني منه البلاد العربية في هذا الصدد أكبر من ذلك بكثير، فالسلطات فيها لا تواجه المروجين والمهربين من الأفراد الطامحين للثراء السريع، ولا من العصابات والمنظمات التي عادة ما يسهل الإيقاع بها بعد فترة من المراقبة والمتابعة، بل تواجه دولة بمؤسساتها وأذرعها وأسلحتها، تتعمد إغراق المجتمعات بكميات كبيرة ومتواصلة من المواد المخدرة، وتضع لذلك خططاً محكمة وطويلة المدى، ولا يقتصر هدفها على الربح المادي، إذ يبقى هدفها الأول إنهاك الدول وتدمير مجتمعاتها اقتصادياً وصحياً ونفسياً بالتركيز على الإضرار بأهم مصادر قوة هذه المجتمعات، فئة الشباب تحديداً.
وأمام سيل تيار الموت الجارف هذا، تعاني بعض الدول أكثر من بعضها الآخر في مواجهته، فإلى جانب عمل الدول وحكوماتها لحماية شبابها من مشكلات الإدمان والتعاطي، ثمة مهمة أكبر وأصعب وأكثر تكلفة عندما تكون هذه الدول معابر للتهريب لدول أخرى، وقد يبدو هذا الحال أخف في ظاهره من انتشار الإدمان والتعاطي، إلا أنه في العمق أخطر وأشد وبالاً. إذ غالباً ما يلجأ المهربون للعبور من خلال دول "رخوة" لا تستطيع حماية حدودها، ولا فرض سلطتها على كافة أراضيها، ومع تزايد نشاط المنظمات الإجرامية على هذه الأراضي، يتهدد السلم المجتمعي لهذه الدول، وينتشر الفساد في مؤسساتها الأمنية والقضائية، وينحرف اقتصادها عن المسار التنموي الصحيح نحو مسارات استهلاكية تستنزف مصادر الدولة في مكافحة الجريمة ومواجهة مشكلات غسيل الأموال وهدر القوى العاملة والإثراء السريع لدى فئات غير مسؤولة، ناهيك عن ما هو أخطر من ذلك، كتجنيد الجواسيس والمجرمين المأجورين والمرتزقة الذين يسهلون أعمال هذه المنظمات الإجرامية ويزيلون العقبات أمام أنشطتها.
في العراق مثلاً، والذي يعاني من كل هذه الآفات مجتمعة، وقد زاد في تفاقم آثارها وتعقد نتائجها غياب الاستقرار السياسي على صعيد مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، بالإضافة لضعف التماسك الوطني بين فئات المجتمع وانتشار ثقافة العصبية المذهبية والطائفية والعشائرية، هو إلى جانب ذلك ساحة مفتوحة لأنشطة هذه المنظمات والعصابات، ومعبر نشط أمام مهرباتها، وإذا ما سألت أحد العراقيين عن مصادر تمويل تلك الشبكات وتنظيمها، فإنه غالباً ما سيحرك يده باختصار وخفية مشيراً نحو الشرق، هناك حيث تمثلّ إيران مصدر معظم المهرّبات والبيئة الحاضنة لمديري ومخططي عملياتها.
وبعيداً عن التهم الجاهزة لدى أصحابها بالتحيّز والتحامل، والتي سرعان ما يلجأون إليها للرد المجاني على هذه الحقائق، تكفي نظرة سريعة على جداول مؤشر الجريمة المنظمة، وهو جدول عالمي نشره بالعربية مركز البيان وللدراسات والتخطيط، وبالمناسبة هو مركز عراقي أيضاً، لنجد أن إيران احتلت المركز السادس عالمياً، والثاني آسيويا بعد ميانمار في ترتيب الدول بحسب انتشار الجريمة المنظمة فيها، أما العراق فقد جاء في المركز الثامن مباشرة (والأول عربياً بطبيعة الحال)، لتفصل أفغانستان بينه وبين الجارة اللدودة، ثم جاءت سوريا ولبنان في المركزين الرابع عشر والخامس عشر على التوالي، وليبيا في المركز العشرين، واليمن في المركز التاسع والثلاثين، حيث لا يسمح له موقعه الجغرافي وجواره الإقليمي أن يكون منطقة عبور لأنشطة الجريمة.
من البديهي أن الدول التي تعاني أزمات الحروب والتراجع الاقتصادي، كالعراق وسوريا مثلاً، ومن انهيار المؤسسات، وضعف الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تشكل بيئة خصبة تساعد على ازدهار الأنشطة الإجرامية ومنها تجارة المخدرات والترويج لها. لكن أن تتباهى بعض الدول بقوتها وتقدمها السياسي والعسكري وتحتل في الوقت ذاته مكانة عالمية متقدمة في الجريمة المنظمة، فهذا يتطلب التفكير جدياً بعمق الارتباط بين النظام السياسي والمنظمات الإجرامية في هذه الدول، خاصة وأن عامل قوة الدولة يرتبط مع عامل انتشار الجريمة فيها بعلاقة عكسية، كلما زاد أحد الطرفين نقص الآخر، غير أن الارتباط الطردي بين قوة الدولة وقوة الجريمة فيها فيعني أن خلف الأكمة ما خلفها.

الإجرام كسلاح
في آواخر العام المنصرم، كشف تقرير لمجلة فورين بوليسي عن تعرّض المجتمع السعودي لحالة استهداف ممنهجة من قبل تجار المخدرات في دول الشرق الأوسط، خاصة تلك التي تنشط فيها الميليشيات مثل لبنان وسوريا. لم يكن هذا التقرير الأول من نوعه، فقد سبقته تقارير متعددة نشرت خلال الأعوام القليلة الماضية، تشير إلى أن تلك البلدان التي باتت تفتقد الاستقرار بجميع أشكاله، قد تحولت إلى أكبر منتج ومصدر للكبتاغون، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون توارد أخبار عن مصادرة شحنات من المواد المخدرة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، مصدرها العراق أو سوريا أو لبنان.. وبصورة أدق: المناطق التي يتوفر للنظام الإيراني فيها يدٌ طولى، وقدرة كبيرة على الحركة، والسيطرة على معابر حدودية أو مناطق داخلية مستثناة من سلطات تلك الدول.
ولا يخفى أن النشاط الإيراني المرتبط بتصنيع وتصدير المخدرات ونشرها ليس بالأمر المستحدث، بل يعود إلى ثمانينات القرن الماضي، ولقد بقي هذا النشاط يتراوح طيلة سنوات الألفية الماضية ضمن مستويات يمكن إلى حد ما مواجهتها والتقليل من أخطارها. لكن ومنذ الفترة التي تلت سقوط النظام العراقي وأدت لانكشاف الحدود العربية مع إيران، أصبحت وتيرة هذا النشاط تزداد عاماً بعد آخر، حتى بات واضحاً أن طهران تعتمد عليه اليوم بشكل أكبر لترسيخ هيمنتها وإحكام قبضتها على دول شرق المتوسط، كما خططت دائماً. كما يكشف التنظيم الواسع لهذا النشاط واستمرار تدفقه إلى اعتماده على استراتيجيات مدروسة وبعيدة المدى، تهدف بالمحصلة إلى تخريب العقل العربي عبر إفساد شبابه، مستغلة ما تعانيه هذه الفئة من ضياع وخوف وقلة ثقة بمستقبلها، خاصة في ظلّ سلطات وحكومات تعاني الأزمات وصراعات النفوذ والمحاصصة، أو أخرى ينخرها الفساد ولا يبالي أفرادها سوى بتحقيق مكاسب شخصية، دون أدنى اكتراث بمصير الشباب أو إتاحة مجالات حقيقية لهم في التعليم والعمل والإبداع.
أمام هذا الواقع المتردي، لم تدَّخر إيران جهداً في سبيل تحقيق خططها بعيدة المدى، وعمدت إلى صنع وتطوير أدواتها بدءاً من زرع الميليشيات في قلب أراضي عدة دول عربية، وتمويلها وتسليحها ودعمها بشكل دائم، لتتمدد وتزداد قوتها وتضمن الحماية لأنشطتها، حتى يصبح وجودها أمراً واقعاً، وفاعلاً سياسياً وعسكرياً قادراً على فرض نفوذه في عواصم عدة دول عربية كما نرى في لبنان والعراق واليمن وغيرها، والتفكير جدياً بالتمادي نحو عواصم أخرى ما زالت عصيّة على الأذرع الإيرانية واستطالاتها، كما في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن والسودان وغيرها، وفي تركيا ودول أفريقية أيضاً.
تدرك طهران التي تخوض حرباً متعددة المستويات، ليس ضد جيرانها في الإقليم فحسب، بل وضد المجتمع الدولي كله، أن حدود قوتها الاستراتيجية وسلاحها التقليدي لا يكفيانها للاستمرار في هذه الحرب، ولا في تحقيق مطامع نظامها وطموحه في الانضمام لنادي القوى العالمية، لذلك فمن الطبيعي أن تختار تعدد الجبهات لتحارب من خلالها: السعي الحثيث لامتلاك السلاح النووي بغية تغيير الموقف العالمي منها، وإضعاف سيادة الدول التي حولها بهدف السيطرة عليها وضمها إلى نطاق نفوذها، ليضاف إلى ذلك أيضاً امتلاكها لمحركات الفوضى وزعزعة الاستقرار الإقليمي، والدولي لاحقاً، عبر نشر ودعم الميليشيات المؤتمرة بأوامرها من خارج حدودها، وليصب ذلك كله في ازدياد صلابة موقفها وتعدد أوراق قوتها على طاولة مفاوضات "فيينا" التي بلغت اللحظات الأخيرة في الشوط الحالي المتعثر منذ سنوات.
والجنس أيضاً كسلاح
إلى جانب كل أنواع التسلح التي سبقت، ما هو مسموح منه "جدلاً" وما هو غير مسموح، لم تتوان إيران عن إضافة سلاح "ناعم" آخر إلى منظومة القوة التي تستخدمها في استعداء من حولها، هذا السلاح الناعم جدأً، واللاأخلاقي أبداً، لا يرتبط اصطلاحاً بمفهوم القوة الناعمة المتعارف عليه في الأدبيات السياسية، والمعتمد على الثقافة والأدب والإعلام بعيداً عن عنف السلاح التقليدي، بل يعتمد على "المتعة" واستثارة الغرائز عبر الترويج لأنواع غريبة من الزواج بين أوساط الشباب والأجيال الصاعدة.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا، هو كيف يمكن لدولة ثيوقراطية متشددة كإيران أن تساهم في نشر ثقافة المتعة بأشكالها التخريبية هذه وأن ترعى هذا النشاط المدمرّ؟ لا بدّ أن دوافعها السياسية ورغبتها في الهيمنة أقوى مما تدعيّ أنها تمثله دينياً. وتستتر خلف سلوكها هذا، إلى جانب موضوع الهيمنة والنفوذ، أهداف أخرى متعددة، يأتي في مقدمتها تحقيق الأرباح الضخمة وتوفير الأموال مما تدرّه عليها هذه التجارة غير المشروعة، خاصة في ظلّ ما تعانيه من أوضاع اقتصادية صعبة نتيجة العقوبات المفروضة عليها.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فمن المعروف أن ما يصعب السيطرة عليه من خلال السلاح، يصبح أسهل من خلال غزو العقول وتدميرها أو أدلجتها حين يقتضي الأمر، ولذلك تتعمد إيران استهداف فئة الشباب العربي لتكون قد قطعت نصف المسافة نحو فرض نفسها كقوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط.

فرويد مقلوباً
حين تعمد دولة كاملة إلى قيادة تجارة غير مشروعة كالمخدرات، أو الترويج لأنواع من العلاقات الجنسية غير السوية تحت مسمى "زواج" بقصد الإمتاع فقط لا غير، وبفتاوى مسيسة وموجهة وغريبة عن سلامة الفطرة ونقاء الأديان، ولا تمت لتكوين الأسرة واستمرار النسل بصلة، فإن ذلك كله لا يمكن أن ينجح بشكل عفوي اعتباطي، ولا يمكن أن يحقق الأهداف المقصودة منه إلا عبر تخطيط ممنهج وتنفيذ واع يدرك خفايا الطبيعة البشرية وأسرارها، ويعتمد على توظيف العلوم النفسية في سبيل السيطرة على المجتمعات وإفسادها، وذلك بعد أن تُفصل هذه العلوم عن منظومة قيمها الأخلاقية التي ينبغي أن تحدد طُرق التطبيق العملي لها، حين تصبح هذه التطبيقات المنحرفة للعلوم وسيلة تبررها غايات النظام الإيراني دون أي وازع ديني أو إنساني.
في دراسته للسلوك المضطرب والعقد النفسية، استطاع الطبيب النمساوي سيجموند فرويد وضع نظرية جديدة في فهم الطبيعة البشرية وتفسير منشأ السلوك الإنساني ودوافعه. توصل فرويد إلى أن النفس الإنسانية ليست وحدة واحدة بسيطة ومتماسكة، بل مركبة من ثلاثة أجزاء، أحدها شعوري هو الأنا، والاثنان الآخران لا شعوريان هما: الهو (الرغبات والمخاوف المكبوتة) والأنا الأعلى (القيم والأخلاق). دافع فرويد أيضاً عن أن جذور السلوك الإنساني ليست شعورية بالمطلق، بل ترتبط باللاشعور في غالبها، وانتهى إلى أن الدافع الجنسي (أو اللبيدو) يحتل المكانة الأبرز والأقوى في توجيه السلوك الإنساني باعتباره الطاقة الحيوية التي تحرك الإنسان نحو اللذة والمتعة بكافة أشكالها.
وحيث أن اللبيدو غرائزي في الأصل ولا عقلاني، وضّح فرويد أن الإنسان يميل إلى كبت احتياجاته في اللاشعور إما بسبب وعيه وموازنته بين رغبات الهو ورقابة الأنا الأعلى، وإما بسبب الخوف أو الامتثال لقوانين المجتمع أو القيم الأخلاقية والدينية. ولأن كبت اللبيدو لا يلغي تأثيره فإن الإنسان يقوم بإشباع دوافعه المتعلقة باللذة والمتعة بطرق ووسائل لا تتعارض مع القيم والأخلاق، عن طريق تصعيد هذه الدوافع من اللاشعور إلى الشعور، وإحلالها في موضوعات سامية ومقبولة اجتماعياً ولا تتعارض مع الدين والأخلاق، كالأدب والفن والموسيقى.. إلخ. يعتقد فرويد أن هذه العملية المعقدة هي التي صنعت الحضارة الإنسانية برمتها.
إذن.. إن إطلاق العنان للمتعة واللذة في صورتهما البدائية، وما يرافق ذلك من هدم للأعراف الاجتماعية والأخلاقية والدينية، سيفضي بلا شك لهدم المجتمعات ذاتها، وذلك بعد أن يتم إفسادها من الداخل وتحييد منظومة القيم الضابطة لها، كالشعور بالانتماء وتجاوز الأنانية والتطلع إلى الخير الكلي والمصلحة العامة، فيتم استبدالها بالأنانية والمصلحة الشخصية وتوجيه السلوك للحصول على أكبر مقدار من المتعة واللذة الفردية دون وازع أو رقيب. وهذا أمر لا يتحقق إلا بتسهيل الحصول على هذه اللذات والمتع والتشجيع عليها، وتغييب العقل وتعطيل قدراته في المحاكمة والاختيار، سواء عبر المواد المخدرة، أو عبر زرع الأفكار التي تساعد على انسلاخ الشباب عن مجتمعاتهم، واستبدال انتمائهم لأوطانهم بانتماءات أخرى ضيقة، مذهبية أو مناطقية أو عرقية، بالإضافة إلى تكريس كل ما من شأنه أن يساعد على ذلك، كنشر الفساد والفوضى في هذه المجتمعات، وتعطيل عمل حكوماتها عن الالتفات للشباب ورعايتهم، حتى يفقدوا إيمانهم بمستقبلهم وانتمائهم.
طبعاً ليس هذا ما أراد فرويد قوله واكتشافه، ولم يتوجه جهده لهدم المجتمعات وإفساد الدول وتدمير الشباب، هو فقط – وكما في كل علم- بحث عن القوانين والمبادئ والأفكار التي تفسر الظواهر، وفي الآليات التي تتحكم فيها وتسيطر عليها نسبياً وحسب الإمكان. ومع أنه لا جانب سيء في العلوم، وهذا حكم كلي دائما، غير الجانب السيء واللاأخلاقي يرتبط بتوظيف نتائج هذه العلوم، وحرف مسارها عن غايات إنسانية عندما يغيب عنها النزوع الأخلاقي. وهكذا يمكن النظر لنتائج فرويد كأدوات تمكن الإنسان من فهم نفسه ومعالجة عقده وتطوير ذاته ليُخرج أفضل ما لديه، أو على العكس تماماً، حين يتحول فهم الطبيعة البشرية إلى أداة للسيطرة عليها، وصرفها عن ما هو أفضل لها، وتهديم نقاط قوتها ومنظومة قيمها، وهكذا تصبح العلوم الإنسانية سلاحاً خطراً ضد الإنسان.


شحنة الرمان السعودية تكشف مدىضخامة تجارة المخدرات في سوريا ولبنان- واس

إيران.. والاستعداء الشامل
وفي الحقيقة فإن سرد هذه الأدوات المذكورة آنفاً ليست مجرد عرض نظري لما يمكن أن يحدث، بل تفصيل وتوضيح دقيق لما قامت وتقوم به إيران وأذرعتها وعملاؤها، ولمخططاتها المستمرة تجاه أوطاننا العربية: نشر الفوضى هنا وهناك، وتأليب الصراعات واستقطاب الانتماءات والولاءات عبر نشر التعصب الديني والتمييز المذهبي.. إلخ، والقائمة تطول.
تدرك إيران جيداً ما يعانيه الشباب العربي من ضياع وبطالة ومن إهمال تمارسه حكوماتهم، ومن المعروف أن الخطوة الأولى للسيطرة على عدوك هي معرفة نقاط ضعفه، ولذلك فقد عملت على خلق بدائل لهؤلاء الشباب إما عن طريق دفعهم إلى التشيّع والانتساب لميليشياتها بمقابل مالي، أو من خلال ربط مصيرهم بها وإلهائهم عن بناء أوطانهم من خلال السيطرة على عقولهم بالمخدرات والمتعة الجنسية غير المشروعة التي تغذيها أجهزة وهيئات تتخفى تحت اسم "الجمهورية الإسلامية" ومن وراء ستارها الديني المزعوم.
إذن فالمخدرات كسلاح إيراني لا تنتظر منه طهران جني الأموال وزيادتها، بل تريد أن يصبح الطريق مفتوحاً أمامها لتوسيع سيطرتها ونفوذها عبر تدمير مجتمعاتنا وشبابنا كما دمرت من قبل المجتمع الأفغاني بالطريقة ذاتها، وهذا ما بدا واضحاً في انهزام جيشها وشرطتها أمام طالبان في ساعات قليلة، وذلك بعدما نخر الفساد جسد الدولة والمجتمع لديهم. والأمر ذاته يحدث في اليمن الذي انتشرت فيها أنواع المخدرات والقات في ظل الحرب وتردي الأوضاع نتيجة التدخلات الإيرانية السافرة. وكذلك في باكستان التي تنشط فيها شبكات تهريب المخدرات بتسهيل ودعم إيراني. إن استمرار إيران في مخططاتها هذه وغفلة العرب عن التصدي لها سيجعلهم مع مرور بعض الوقت تحت احتلال إيراني فارسي يعيد المآسي التي عانها سابقاً من الاحتلال العثماني خلال عدة قرون. كما ينبغي التنبه من جهة ثانية إلى أن إيران تستهدف من استرتيجيتها هذه (الغزو عبر المخدرات) وبالدرجة الأولى الدول التي تقف جداراً منيعاً أمام سياساتها وأطماعها في المنطقة كالسعودية الأردن والبحرين، إذ تمثل السعودية، والتي لا تتوقف المحاولات الإيرانية لإدخال المخدرات إلى أراضيها عبر العراق، ثقلاً إقليمياً ودولياً مهماً ضد النظام الإيراني، وكذلك الأردن الذي يستهدف عبر الأراضي السورية واللبنانية، والبحرين بوصفها جسراً للعبور باتجاه عمان. وكم حري بهذه الدول، وعلى رأسها السعودية، أن تكون متيقظة جداً لأبعاد هذا المخطط الجهنمي الذي يستهدف الشباب العربي عامة، وشباب هذه الدول خاصة.
تتطلب مواجهة هذا الحال استعداداً على أعلى المستويات، يبدأ من إعداد المواطن – الإنسان وتهيئته وتعليمه وتوفير فرص الحياة الكريمة له، والانتباه بشكل خاص إلى فئة الشباب وما تمثله من قاعدة أساسية في مستقبل أيّ شعب ودولة، واحتضان هذه الفئة وربطها بوطنها وقيمه من خلال خلق انتماء حقيقي قائم على فهم حاجات الشباب ودعمهم وإتاحة المجال لهم في مختلف شؤون البلاد، مع ضرورة الدفع ببرامج توعوية حكومية وأهلية، وتوفير الدعم الإعلامي الرسمي والاجتماعي لها، للكشف عن هذه الاستراتيجيات والمخططات وإفشالها وقطع الطريق على واضعيها ومنفذيها. وإلا فإن ضريبة إهمال شبابنا وتركهم لقمة سائغة في فكّ إيران وغيرها ستكون كبيرة حاضراً ومستقبلاً.
كما تتطلب هذه المشكلة المتنامية تكثيف الجهود الدولية لردع إيران وميليشياتها، ووضع حد لاستخدامها المخدرات كسلاح في معركتها مع العالم! وفي سبيل استعادة إرث الإمبراطورية الفارسية كما يحلم قادتها.. يجب فرض أقسى العقوبات عليها نتيجة سلوكها الهدّام هذا، والذي يضاعف من كونها تمثلّ خطراً على الجميع وعلى فرص السلام والاستقرار وبناء الأساس الحضاري في المنطقة برمتها، ليس في الوقت الحاضر فقط بل في المستقبل أيضاً.