عبارةٌ خلّدها التاريخ ل "نيلسون مانديلا" : " ليس حرًا من يُهان أمامه إنسان، ولا يشعر بالإهانة " نيلسون مانديلا هذا الرجل الأسطوري الذي استطاع بكفاحه وصبره وتجلّده وطموحه أن يتغلب على قانون الفصل العنصري البغيض ( الأبارتايد ) .


وقد هدف هذا النظام ( الأبارتايد ) إلى خلق إطار قانوني يحافظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للأقلية ذات الأصول الأوروبية. قامت قوانينه بتقسيم الأفراد إلى مجموعات عرقية: مثل السود والبيض، "الملونين"، والآسيوين.
(أبارتايد ) أو "أبارتهايد" في لغة "الأفريكان" لغة المستوطنين البيض ذوي الأصول الهولندية" والذين استوطنوا جنوب أفريقيا في القرن السابع عشر الميلادي تعني نظام الفصل " العنصري " والذي يميز المستوطنين البيض على السكان الأصليين السود في كافة فروع الحياة
ولو بحثت في أغلب معاجم العالم لن تجد ترجمةً لهذه الكلمة حيث رفضت كافة لغات العالم ترجمة هذه الكلمة،

وبقيت كما هي "أبارتهايد" في حالةٍ تعتبرُ متفردة في العنصرية الرسمية الصريحة المترجمة حقوقيًا بالنصوص. بدأ نظام الأبارتهايد كسياسة رسميةٍ ومعلنة عام 1948 م إلى العام 1990 م .
عانى خلال هذه المدة السكان الأصليون من التمييز العنصري في كافة جوانب الحياة، فالأقلية البيضاء كانت مسيطرة على كل مفاصل الحياة في كل أنحاء جنوب أفريقيا اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا ... الخ .
ما أود أن أشير إليه هنا أن البعض يعتقد أن مانديلا حقق نصرًا حقيقيًا لأبناء جلدته بإسقاط نظام الفصل والتمييز العنصري فحسب - وهذا صحيح - لكنه في نظري لم يكن الانتصار الأكبر ، بل هناك ما هو أعظم من ذلك ألا وهو قانون المصالحة والتسامح الذي نادى ودعا إليه مانديلا .
كان هو الركيزة الأساس لنجاح مانديلا. فالتسامح العام الذي تبنّاه مانديلا وحثّ عليه جنّبَ وحمى البلاد من الانزلاق في وحل الحرب الأهلية. لقد كان التسامح هو الوصفة السحرية التي استطاع من خلالها مانديلا أن ينتصر على سنينٍ من الظلم والقهر وينشر ويبث التسامح ويدفن الكراهية وحب الإنتقام


إذ أن الكراهية هي أعظم قيدٍ على وجه الأرض... إنها تكبل وجدان الإنسان وعقله وقدراته تجعله حبيس الماضي، كان مانديلا يرى في التسامح طوق النجاة الذي بإمكان البلاد أن تتشبث به لكي تنجو من الغرق في مستنقع الكراهية والحرب الأهلية ... وبالفعل لقد كسب الرهان ..
للتسامح أيادٍ تصل إلى حيث لا تصل أيادٍ أخرى بين ثقافة التسامح وثقافة الكراهية هوّة عميقة تبتلع من يحاول أن يتجاوزها فالتسامح من صفات الأنبياء والصالحين وكلّ من يعيش سلامًا داخليًا مع نفسه التسامح هرمونٌ يبعث السكينة وحياةٍ أكثر سلامًا بشكلٍ دائم والكراهية وهمُ لذّةٍ وقتية زائفة، المتساحمون دومًا حياتهم في وئام، قلوبهم بيضاء نقية لا يخالطها كدرٍ أو ضيق يصفحون عن الناس ابتغاء مرضاة الله وابتغاء الفضيلة والثواب والطمأنينة . لهم أفئدةٌ كأفئدة الطير، وسرائرٌ كسحائب الصيف بيضاء، وطاهرة المتسامحون أحباب الله وخاصته،
في الكراهية أنت تهدر نفسك، تعطب ذاتك تحتطب مشاعرك وأحساسيك وتضرم فيها النيران دراسة نفسية تقول إن بعض الأشخاص يقضون وقتًا أطول في مراقبة ومتابعة أناس لا يطيقونهم أكثر من غيرهم،

هل تعرف لماذا ؟ إنها نيران الكراهية والحقد التي تشتعل بدواخلهم وتأكل قلوبهم .
التسامح نهرٌ عذب ينساب بكل عذوبةٍ من أعالي قلبك ليصل إلى كافة أنحاء جسدك تشعر أن المتسامحين كائنات مضيئة،لطيفو المعشر، خفاف الظلال،ليّنو العريكة، وجوهٌ سمِحة وأيادٍ بيضاء لا يمكن أن تجد متسامحا بخيلا،لأن التسامح كرمٌ وعطاء إنها درجةٌ عالية بين الجود والسخاء،لا يصلها إلا الخلّص
التسامح فضيلة التسامح مع الناس مع الأقرباء مع الرفاق مع الحياة .. التسامح يمنحك قوة العطف الخالص والعطاء الكامل، أن تعطي بلا حدود عطاءً غير مشروط أن تكون غيمة لكل من حولك وأن تواصل الهطول إلى الأبد باستمتاع لاترجو جزاءً ولا شكورًا .
حين رأى مانديلا في التسامح وصفةً سحرية أتذكر التجرية اليابانية المريرة،تلك اللطمة على خد البشرية وعلى بشاعة الإنسان كان بإمكان اليابان أن ترزح عشرات الأعوام تحت رغبة الانتقام على حساب حياة البشر والحاضر والمستقبل ولكن التسامح جعلها تمضي قدمًا في التقدم والازدهار ورعاية الإنسان
قال مانديلا في مذكراته "مسيرتي الطويلة نحو الحرية" :

"وحينما خرجت من السجن كانت مهمتي هي تحرير الظالم والمظلوم، وقد يقول البعض إنه تم إنجاز ذلك، لكني أعلم أن هذا غير صحيح،
فقد خطونا الخطوة الأولى فقط على طريق أطول وأصعب، فلأن تكون حرًا لا يعني فقط أن تلقي بقيدك، لكن أيضًا أن تعيش بطريقة تحترم وتعلي من حريات الآخرين". سامح وعش حياتك بسلام